الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 21:01

ما بين الفقر وثقافة الفقر/ بقلم: د. عمر أمين مصالحة

د. عمر أمين
نُشر: 24/09/21 13:38,  حُتلن: 13:41

ظهر مصطلح "ثقافة الفقر" لأول مرة في كتاب: " إثنوغرافيا الإثنوغرافية" وقد أجري بحث بهذا الخصوص على خمس أسر مكسيكية، عام 1959 من قبل باحث الأنثروبولوجيا-الأمريكي اوسكار لويس، الذي اشتهر بتصويره لحياة سكان الاحياء الفقيرة، والتي يتناقل فيها الفقر عبر الأجيال ليتجاوز حدود الدول.

وكتب لويس يقول: "الناس في ثقافة الفقر لديهم شعور قوي بالهامشية، والعجز، والتبعية، وعدم الانتماء. إنهم مثل الأجانب في بلدهم، مقتنعون بأن المؤسسات القائمة لا تخدم مصالحهم واحتياجاتهم. جنبا إلى جنب مع هذا الشعور بالعجز هو شعور واسع النطاق بالدونية، وعدم الجدارة الشخصية. هذا صحيح بالنسبة لسكان الأحياء الفقيرة في مكسيكو سيتي، الذين لا يشكلون مجموعة عرقية أو عنصرية متميزة ولا يعانون من التمييز العنصري. في الولايات المتحدة، فإن ثقافة الفقر الموجودة في المجتمع الأسود لها عيب إضافي للتمييز العنصري، يحس الناس ذوي ثقافة الفقر بالقليل من شعور الانتماء. إنهم أناس مهمشون لا يعرفون سوى مشاكلهم، وظروفهم المحلية، وجوارهم، وطريقة حياتهم الخاصة. عادة، ليس لديهم المعرفة والرؤية ولا الإيديولوجية لمعرفة أوجه التشابه بين مشاكلهم ومشاكل الآخرين مثلهم في أي مكان آخر في العالم. بمعنى آخر، فهم لا يمتلكون وعياً للفوارق الاجتماعية، على الرغم من أنهم حساسون جدًا للفوارق الطبقية. فعندما يصبح للفقراء وعيًا للطبقية أو عندما يصبحوا أعضاء في منظمات نقابية، أو عندما يتبنون نظرة دولية للعالم، فإنهم، في رأيي، لن يبقوا جزءًا من ثقافة الفقر رغم أنهم قد لا يزالون فقراء بشكل يائس". إنّ النقطة الأساسية في الجدل الذي أُثير بشأن مفهوم "ثقافة الفقر"، كما طورها أوسكار لويس، يتمثل في كون الفقر منتشراً في كل مكان في العالم، ويطرح السؤال: هل يتقاسم هؤلاء الفقراء ثقافة مشتركة تميزهم عن غيرهم من الفقراء؟ يُركِّز لويس على الفرد في تفسيره للفقر مبتعداً بذلك عن التفسيرات البنيوية والمؤسساتية التي تركز على الخصائص والسمات الجماعية. لقد أراد لويس تشخيص الفقر والصفات المرافقة له باعتباره ثقافة وطريقة حياة تنتقل من جيل إلى جيل عبر مسارات العائلة، فالأطفال يتشربون عادة القيم والسلوكيات الأساسية لثقافتهم من الاهل، مما يجعلهم غير مهيئين نفسياً للاستفادة من الفرص التي تتاح لهم من أجل إحداث التغيير الحقيقي في حياتهم المستقبلية.
المجتمعات المهمشة وثقافة الفقر
ان نظرية ثقافة الفقر التي اختفت لمدة قصيرة ما لبثت أن عادت ثانية إلى الوجود في حالات عديدة، وبقوة أكبر، وقد تم إسقاطها على غيتوهات السود في الولايات المتحدة الأمريكية. كما تم ربطها في حالات أخرى بغياب العمل أو تعذره، والذي يعتبر سيمة رئيسية لهذه الطبقة السفلية داخل المجتمع، وكذلك الامر بالنسبة للأقليات في فرنسا المحرومة من كل شيء. لقد ظهرت مفاهيم أخرى سابقاً في الدراسات المختصة التي اهتمت بمجال التهميش، ومنها مفهوم الغريب، الذي يعني حسب مقالة الباحث الامريكي ألبيون سيمول، مؤسس قسم علم الاجتماع والأنثربولوجيا بجامعة شيكاغو، من يعيش على هامش المجتمع، لا يدرك آلياته الحميمية ويبقى يحس نفسه ويشعر أنه خارج الجماعة. وقد تناول موضوع الغريب أيضاً الباحث النمساوي إي شوتز في دراسته عن الغيتو اليهودي. كما تناولته دراسات كثيرة اهتمت بثقافة الزنوج في أمريكا وعلاقتها بالتهميش الذي طالهم على يد العرق الأبيض، وتبرز في هذا الصدد أطروحات الباحث الامريكي روبرت بارك التي حاولت تفسير أصل مشاعر العداء العرقية في الفوارق الاقتصادية وقد تعمق تلميذه من بعده بوكاردوس الذي نشر أطروحته عن الهجرة والمواقف العرقية، والذي يعتبر امتداداً وتعميقاً لأفكار بارك، مع التركيز على العوامل النفسية، والقلق النفسي، ومختلف أنواع الإحباط والضغط التي تنتجها حالة الهجرة.
الرأسمالية وثقافة الفقر

يعتقد أوسكار أن ثقافة الفقر تتكاثر في المجتمعات الرأسمالية الصناعية التي تتجذر فيها اللامساواة، والتي غالباً ما يميزها: الإنتاج من أجل الربح، المعدلات العالية من البطالة، نقص العمالة الغير ماهرة، انخفاض الأجور، فشل المنظمات الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية في توفير الأمن الغذائي لذوي الدخل المنخفض من السكان وهيمنة قيم الطبقة المسيطرة على ثروات المجتمع وممتلكاته، ويبقى هؤلاء يعيشون في أحياء فقيرة غير لائقة ومنازل مزدحمة بالسكان. إن الثقافة جزء من الخطاب السياسي المرتبط بالعمل، الزواج، الجريمة، الرعاية الاجتماعية، الإسكان والأبوة، وبقية الظروف الأخرى المتعلقة بالفقر. كما أن الثقافة جزء من النقاش السياسي حول انتخاب الرؤساء لمعرفة آرائهم حول تحديد النسل أو المساواة بين الجنسين وغيرهما من قضايا المجتمع. إن حالة عدم الاستقرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط والنزاعات الأهلية الدموية، تلقي بظلالها على اقتصاد المنطقة لترتفع نسبة الفقر والفقراء إلى مستويات كارثية منذ عام 2011 في معظم الدول العربية. تعدّ ظاهرة الفقر إحدى أهم المعضلات التي واجهتها المجتمعات منذ أقدم العصور، فهي ظاهرة كونية ارتبطت بالحروب أو بالأزمات الاقتصادية الخانقة. ولمواجهة هذا الحرمان المادي، يلجأ الناس عادة إلى أفراد الأسرة أو الأصدقاء، أو حتى طلب المساعدة من الدولة وربما الهجرة منها.
يمكن التلخيص والقول: ان الفارق كبير بين علاج الفقر وعلاج ثقافة الفقر، فعلاج الفقر أسهل بكثير، بحيث يُعطى الفقير ما يكفيه من أموال ومعونات حتى يخرج من دائرة الفقر، ولكن علاج ثقافة الفقر أمر لا يمكن التعامل معه بسهولة، فهو يحتاج إلى زمن طويل، وتغيير نمط حياة الفرد وحياة الأسرة التي تعيش تلك الثقافة، لتنتقل من ثقافة الفقر إلى ثقافة الغنى أو الاكتفاء. وإن كان الفقر يولد الفقر، ويزيد معدل الأمية والبطالة وما يتبعهما من تزايد الجريمة والسرقة والعنف، إلا أنه في كل حالاته أقل أثراً من ثقافة الفقر.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   
 

مقالات متعلقة