الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 19:02

ادوار كركبي ناقد أدبي واسع الاطلاع عميق الثقافة لكنه قليل الانتاج/بقلم: زياد شليوط

كل العرب
نُشر: 29/09/16 13:14,  حُتلن: 10:02

زياد شليوط:


لم يستطع ادوار تحمل القيود والحدود التي رسمت له، فتمرد عليها وتحرر منها بالابتعاد عن سلك التعليم واختيار مهنة حرة يعتاش منها ويتنفس من خلالها بعض الحرية

خسرت الحركة الأدبية المحلية -مؤخرا- ناقدا أدبيا وكاتبا مقلا من الدرجة الأولى، انه الأستاذ المرحوم ادوار ابراهيم كركبي ( أبو ماهر)، والذي كان مقلا في النشر والكتابة، وابتعد لسنوات عديدة عن هوايته ليعود في فترة متأخرة لممارسة نشاطه الأدبي الذي لم يكتمل للأسف. ولأني عرفت الكاتب ادوار والتقيته مرارا، وكان حديثنا في كل مرة يتمحور حول الثقافة والأدب والكتابة والسياسة أيضا، وكنت أستمتع بالحديث معه، وأعرف أننا خسرنا ناقدا أدبيا – وأدبنا يعاني من الضعف في هذا الجانب- ليس بوفاته مؤخرا بل بامتناعه عن الكتابة، وكنت أحثه على العودة للكتابة بشكل أكبر، خاصة وأن أولاده شبوا وحملوا هم العيش عنه، وبات بامكانه منح الأدب وقتا أكبر، لكن مرت الشهور والسنوات وسيف الوعد بتار.

وكم تعززت قناعتي بخسارة أدبنا المحلي، عندما طالعت مقالات نشرها كاتبنا في مطلع شبابه في جريدة "اليوم" من عامي 1966-1967 محفوظة عنده، حصلت عليها من أبنائه مشكورين لهدف كتابة هذا المقال. ويسرني أن أقدم نماذج لتلك الكتابات الناقدة المبكرة في أدبنا، التي تناولت موضوعات اجنماعية وأدبية هامة قلّ ما كتب عنها في تلك الفترة.

في مراجعته لقصة " أجنحة العواطف" للكاتب سليم خوري ( "اليوم" 7/4/1967)، يظهر ادوار ليس مجرد مراجع للقصة انما ناقدا ادبيا يمتلك أدوات النقد الصحيح، فيتوقف عند الحوار واللغة والمبنى، كما يقارنها مع أعمال كبار الأدباء العرب مما يظهر سعة اطلاعه ومتابعته للأدب العربي عامة. وما يؤكد سعة اطلاعه أيضا مراجعته لرواية أمين يوسف غراب " سنوات الحب".

ولا يتوقف الأمر عند الأدب العربي بل يمتد للفكر العالمي، فيكتب مقالا عن الأديب الايطالي العالمي دانتي فيقول فيه " دانتي ظاهرة فريدة في تاريخ ايطاليا الأدبي، ظهر في وقت كانت اللغة الايطالية تسير في أكثر من طريق". ويتوقف عند أشهر مؤلف له وهو " الكوميديا الالهية" ويخلص الى أنه تأثر فيها بالأدب العربي. ( مجلة "المصور" الأسبوعية في 17/8/1966)

وفي 27/12/1967 يعلق على مقال لزميل له عن القصة القصيرة ويناقش ما جاء فيه ويدلي بدلوه حيث يدافع عن تراثنا الأدبي العربي في مجال القصة خاصة مشيرا أن " الفن القصصي كغيره من الفنون، قد وجد لدى الشعوب الشرقية قبل مولد الحرف في دول الغرب. ومن دراستنا لآداب الشعوب القديمة نجد لديها أدبا رفيعا وقصصا في غاية الروعة، تصور حياة ومعتقدات تلك الشعوب الدينية والاجتماعية".

ولا يخشى كاتبنا الاشارة الى مسألة هامة في العلاقات الأدبية، فيقول " ان معظم أدبائنا مع الأسف الشديد، لا يريدون الا مديحا وتطبيلا وتزميرا". وهذه العبارة ما زالت ملائمة لواقعنا الأدبي اليوم، وكأن أمرا لم يتغير. فكان مدافعا عن الابداع والابتكار وناقدا بشدة للنسخ والتقليد عند بعض الأدباء المحليين.

الجوائز الأدبية والابداع
يلقي الكاتب ادوار كركبي الضوء على مسألة أدبية شائكة، أثارت وتثير الجدل والنقاش حتى يومنا، ألا وهي الجائزة الأدبية أو المنحة الأدبية، ويكتب في ذلك مقالا من أهم المقالات لما فيه من الصراحة والنقد واللسع أحيانا تحت عنوان مستفز للقراءة " متى نبدع..؟" في جريدة "اليوم" بتاريخ 2 تموز 1965، يتوقف فيه عند ظاهرة امتناع الكتاب عن الكتابة والنشر الا في أوقات متباعدة رغم امتلاكهم الموهبة والطاقة، ويناقش قضية الجائزة الأدبية ودورها في الابداع، مستبعدا أن تكون هي الدافع الأول للكتابة قبل الموهبة والاطلاع، ويسوق أمثلة عن محمود تيمور وطه حسين وما تعرضا له من صعوبات وعراقيل ولكن اصرارهما دفعهما لمواصلة الكتابة رغم المعارضة والمحاربة من قطاعات كبيرة من المجتمع. ويخلص الى أن الجائزة ليست هي الأساس ويقول جازما وصادقا " ان الكاتب الأصيل يرفض بل من واجبه أن يرفض كل علّة تجعل من أدبه سلعة للكسب المادي، وعليه فقط الايمان بشرف الكلمة وقدسية رسالتها. عندها فاننا سنجده يسهر الليالي في الدراسة والبحث والكتابة. وعندها سيبدع وسيخلق أدبا يحترمه غيره، كما نحترم ونقدر الآن عظماء الأدب".

المواضيع الاجتماعية والانسانية
تطرق كاتبنا ادوار كركبي الى المواضيع الاجتماعية، ففي 24 نيسان 1966 نشر مقالا في صحيفة "اليوم" يناقش فيه قضية المرأة في مجتمعنا. ويقول " ان قضايا ومشاكل المرأة المحلية عندنا.. بحاجة الى أكثر من بحث .. والى أكثر من اجتهاد". ودعا في مقالته هذه وفي وقت مبكر الى تعليم المرأة ورأى في ذلك تطور المجتمع، لأن المساواة التي نحتاجها ليست شكلية بل جوهرية، وعرج فيه على مشكلة المشاكل في المدارس في انعدام تعاون البيت والمدرسة وكأني به يتحدث عن واقعنا اليومي، ومن المثير أن بعض ما دعا اليه تحقق اليوم، خاصة في نسبة تعليم النساء وثقافة الأم، وقد طبق ما دعا اليه في أسرته عندما قال " اننا نريد للمرأة العربية الحرية الحقيقية.. في أن تطرق أبواب العلم على مختلف مستوياته وأنواعه".

لكننا أيضا نعيش على أعصابنا. ان شبح الموت والدمار يرفرف فوق اجواء عالمنا، ليقتلع في لحظة كل ما بنته البشرية على مر العصور". (اليوم 4/5/1966)

وينتبه كركبي لمواهب وهوايات الأبناء وضرورة تنميتها خاصة في العطلة الصيفية لملء الفراغ " مشكلة المشاكل لدى معظم الأحداث والشباب في وقتنا الحاضر.. الفراغ والفراغ مفسدة كما يقولون". ويدعو في خاتمة المقال "اكتشفي أيتها الأم مواهب وميول طفلك وحاولي بكل صبر وحنان تشجيعه على تنميتها فقد تحصلين على ابن.. قد يكون له شأن في المستقبل". ( "اليوم" 22/6/1966)

قضية هامة أخرى تطرق اليها، وهي القلق وعدم تحقيق راحة البال رغم التطور في العالم، ويتساءل في نهايته " عصرنا حقق المعجزات من أجل رفاهية الانسان، ومع ذلك فقد خلقت تلك المعجزات مشاكل لا حصر لها. ولكن، هل ينجح صانعو تلك المعجزات بتحقيق معجزة جديدة، ألا وهي القضاء على ذلك القلق، والضياع واليأس الذي يرافق معجزات ورفاهية الانسان؟" (اليوم 29/12/1966)
وفي 13/4/1966 يكتب مقالا عن أسبوع الصحة يشيد فيه بمشهد رآه في لبنان لطلاب مدارس يقومون بحملة جمع النفايات من الشوارع (واليوم يعاني لبنان من آفة النفايات)، ويقارن ذلك بما يحدث في مجتمعنا موجها النقد لمن يهمل في نظافة حيه وبلده وبيئته، ويتساءل لماذا لا تبادر مجالسنا المحلية بتنظيم أسبوع للصحة، وها هي دعوته تم تلبيتها فهل تحسن وضع الصحة؟

ادوار المتمرد والمتشوق للعودة الأدبية
كتب ادوار في رثاء شقيقه المربي والكاتب قيصر ما يلي: " انقطع الفقيد عن الكتابة في السبعينات لانشغاله في دراسته الجامعية وادارة المدرسة في شفاعمرو، ........ وكان المرحوم قيصر، قبل شهور، قد أكد بأنه سيجدد نشاطه الأدبي والفكري، خاصة أن في نيته الاعتزال من وظيفته في وزارة المعارف ليتفرغ مجددا للكتابة.." ( مجلة الشرق، العدد الرابع، السنة 23 تشرين أول- كانون أول 1993، ص 40 )

ويشهد صديق عائلة الراحل الأديب الدكتور محمود عباسي صاحب ومؤسس مجلة "الشرق" الأدبية أن ادوار عاد لممارسة نشاطه الأدبي والفكري مع انطلاق مجلة "الشرق" عام 1970 حيث نشر مقالات ناضجة أثبت من خلالها سعة اطلاعه وعمق ثقافته التي حافظ عليهما رغم ابتعاده عن الكتابة والنشر، وفي عام 1992 أصبح شريكا في تحرير المجلة وتبوأ فيها منصب سكرتير المجلة على مدى أربع سنوات. وهذه خسارة حركتنا الأدبية في أن القدر لم يمهل ادوار كما لم يمهل شقيقه قيصر، من العودة الى الساحة الأدبية ليغنياها بأفكارهما وكتاباتهما.
ربما يظن البعض أن أبا ماهر ترك مهنة التدريس وانتقل للحسابات، من أجل بناء أسرة وتوفير معيشة كريمة، لكن ادوار لم يكره التدريس خاصة وأنه كان انسانا مثقفا ويحمل رسالة وعقيدة في الحياة، وهو لم يستطع كغيره المجاهرة بآرائه – وخاصة السياسية- نظرا لمعاصرته أيام الحكم العسكري وسياسة التضييق وخنق الحريات في تلك السنوات، ولأنه كان متمردا بطبيعته وثائرا على التقاليد البالية وداعيا للتحرر والتطور، ولأنه كان عروبيا في داخله وأحب الزعيم العربي القومي جمال عبد الناصر، (الذي مرت ذكرى وفاته قبل يومين) مثله مثل أبناء جيله وكل من عاش تلك الفترة، ومنهم من رأى فيه المثال الأعظم لما حمله من فكر ونهج وطريق مثل غاية الشعب العربي في الاستقلال والتحرر والكرامة، ولهذا لم يستطع ادوار تحمل القيود والحدود التي رسمت له، فتمرد عليها وتحرر منها بالابتعاد عن سلك التعليم واختيار مهنة حرة يعتاش منها ويتنفس من خلالها بعض الحرية.

هذا غيض من فيض عن سيرة ناقدنا الراحل الأستاذ ادوار كركبي، والذي خسرته حركتنا الأدبية قبل أن يعود ويكمل المشوار، ولعل ذلك يحثنا على التنقيب عما تركه لنا واعادة تقييمه ونشره.

(شفاعمرو- الجليل)

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة