الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 21:01

انتفاضة ثقافيّة قد تفضّ بكارة العنف والجريمة/ بقلم: رغدة بسيوني

رغدة بسيوني
نُشر: 17/09/18 11:51,  حُتلن: 15:35

رغدة بسيوني:

الموت بات قريبا منّا جميعًا، كل اختلاف يصبح حتمًا خلافًا يهدد وجودنا، يقرّر مصيرنا، ويضع حدًّا لأحلامنا وآمالنا وطموحاتنا

لا شكّ وأنّ الانحطاط الأخلاقي هو سبب للكثير من الانفلات الذي وصل إليه هذا المجتمع والذي تجاوز القاع بمراحل كبيرة

إذا لم يتوفّر الحل من الجذور فإنّ القلوب ستصدأ وسنعيش في بيوتنا نعدّ الأيام منتظرين جريمة قتل جديدة

تمرّ على مجتمعنا العربي فترة لا نُحسد عليها، تتفاقم فيها كُل الآفات، وكُلّ سلبيّ يعيدنا إلى الوراء يتجلّى أمامنا وبوضوح. لم يعد العنف مجرّد ظاهرة مؤقّتة قد تنتهي في أي لحظة، بل أصبح الأمر أسلوب حياة وعادة تُمارس بكل دقيقة يقرّر فيها مجرم أن ينهي حياة آخر هكذا وبكل ببساطة.

تكاد لا تُشرق شمس يوم إلا وحادثة عنف أو جريمة قتل قد وقعت في إحدى المدن أو البلدات العربية، والتي يروح ضحيّتها شاب، امرأة، فتاة، أو حتّى طفل! فمنذ بداية العام الحالي لقي 41 شخصًا مصرعهم قتلًا وإن تعدّدت الطرائق والأسباب. عدد مخيف لا بل مرعب، يضرب بعرض الحائط كل المبادئ والقيم والأخلاق التي كبرنا عليها، هذا عدا عن عدد الأشخاص الذين وبالصّدفة حالفهم الحظ ومضى الأمر عليهم بإصابة!

الموت بات قريبا منّا جميعًا، كل اختلاف يصبح حتمًا خلافًا يهدد وجودنا، يقرّر مصيرنا، ويضع حدًّا لأحلامنا وآمالنا وطموحاتنا. لم نعد نحتمل بعضنا البعض، نتربّص لأخطاء بعضنا، فخطأ واحد يكفي لنجترّ الوحش بداخلنا، وننهش لحوم بعضنا. حقيقة أقف عاجزة عن تفسير أمر مجتمعي العاجز، متى أصبح مليئا بكُل هذا الإجرام؟ متى أصبحت الحياة إلى هذه الدّرجة من القلق والخوف والتّرقّب في أن تُقتَل أنتَ (الذي تقرأ) إذا كنت المقصود أو أنا عن طريق الخطأ؟ ما الفرق أصلًا والموت واحد؟.

لا شكّ وأنّ الانحطاط الأخلاقي هو سبب للكثير من الانفلات الذي وصل إليه هذا المجتمع والذي تجاوز القاع بمراحل كبيرة. كما وإنّ عدم وجود رادع حقيقي لأحداث العنف الكثيرة هو بمثابة منح الضوء الأخضر للمجرمين لارتكاب جرائمهم، وبالنّهاية "كبيرها سجن"!.

قرأنا من الاستنكارات ما يكفي لتكديس مجلدات استنكارية لم تغن ولم تسمن من جوع، لم تحرّك قيد أنملة في ملف العنف وجرائم القتل وعلى العكس الأمر يتصاعد بوتيرة غير معقولة، الكلام الفارغ والبيانات "الممكيجة" والإضرابات لم تفد بمنع جريمة قتل واحدة على الأقل حتّى جريمة القتل الأخيرة بالأمس، فماذا نفعل؟ هل ننتظر حتّى يُقضى علينا جميعًا؟! 

الحل، انتفاضة ثقافية، تفضّ بكارة العنف، وتعيد صياغة مفاهيم "الشرف" والاحترام والمحبّة، علينا جميعا أن نتجنّد في وجه التّخلّف والإجرام بأفعال على أرض الواقع لا بكلام متفرّد ضعيف وهشّ، أن نعطي أهمية أبلغ للثقافة والعلم والتربية الصحيحة من أجل تصحيح المسار بالتي هي أحسن قبل أن نضيع البوصلة كلّيًّا، وأن نعترف أولا بأنّ تفشّي العنف في مجتمعنا سببه الأول نحن، وإلا سنكون جميعنا ضحايا صمتنا وقلّة مسؤوليّتنا، وضحايا اللاتحرّك والاتّكالية، وسنبقى نوجّه أصابع الاتّهام إلى جهات ربّما لها دور فعّال في وصولنا إلى هذا القاع ولكنّها ليست السبب الرئيس. علينا أن نرفع أصواتنا بوجه هذا المرض النّهم الذي بدأ بنهش أجمل ما فينا والذي قد يوصلنا قريبا إلى النهاية إذا لم ننفض الغبار عن أفواهنا وعقولنا، فالتسوّس الذي يصيب أحد الأسنان يجب أن يُعالج على الفور قبل أن يفرض سيطرته على باقي الفم، وهكذا العنف والجريمة، إذا لم يتوفّر الحل من الجذور فإنّ القلوب ستصدأ وسنعيش في بيوتنا نعدّ الأيام منتظرين جريمة قتل جديدة. عار على مجتمع القيم أن يمسي دونها وأن يتعامل مع هذه الجرائم بلطف وحُسن نيّة.

سلام طيّب ووردة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة