الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 19 / مارس 04:02

قصّة نجاح

هديل ناصر خرمة من الناصرة: التّميز يبدأ من التفكير خارج الصندوق

رغدة بسيوني- كل
نُشر: 22/03/19 07:58,  حُتلن: 18:58

كل امرأة قادرة على أن تُحقّق ذاتها وأن تُحلّق بعيدًا للوصول لأحلامها مهما كانت كبيرة، نشارككم تجارب بمثابة تقدير وحُب لنساء مجتمعنا المُثابرات الطّموحات المُغرّدات خارج كل سرب يحاول الحدّ من طاقاتهن، هي رسائل أمل لكُل امرأة، أم، شابة، طفلة، مُسنّة، من أجل بذل المزيد من المجهودات للنّهوض والمضيّ قُدمًا وتحقيق الذّوات وترك بصمة خاصّة لا تُنسى. "أجا دورِك"!


المصوّرة هديل ناصر خرمة

هديل نعمة ناصر خرمة (25 عاما) من الناصرة زوجة وأم لطفلين غدي وتيم، حاصلة على لقب أول في الصّحافة والإعلام من كلية عيمك يزراعيل، عملت في المونتاج بأحد القنوات، مُعلّمة في فرع التّصوير بمدرسة عمال للصفوف الإعدادية والثانوية، تُقدّم ورشات تتعلّق بالتصوير والمونتاج، لديها عملها المستقل في الجلسات التّصويرية وبالإعلانات والمونتاج، مؤسّسة مشروع قُمرتي الخاص بالتّصوير وقريبا ستحصل على شهادة مُعالجة عن طريق التّصوير (فوتوثيرابي).


البداية
منذ الصّغر اكتشفت حُبّي للتّصوير واشتركت بمسابقة على مستوى مدارس الناصرة بعنوان "الناصرة بعيون ابنائها" وحزت على المرتبة الثانية، وعندما أنهيت دراستي الثّانوية في مدرسة السالزيان، دخلت مباشرة إلى المجال من خلال عملي لدى مصوّر، وهكذا بدأت أكتسب خبرة وأطوّر نفسي في هذا المجال، أنهيت عملي لدى المصّور من أجل إكمال دراستي في موضوع التصوير والإعلام أكاديميًّا، فسجّلت للقب الأوّل في كليّة عيمك يزراعيل لموضوع الصّحافة والإعلام، وحاولت قدر المستطاع أن أحصل على منح خلال دراستي كي أساهم في تسديد تكاليف التّعليم. كنت أحاول استغلال كُل طاقاتي لأكتسب المزيد من الخبرات.
لا أنسى دعم أهلي لي، وإعطائي الثّقة الكاملة لي ولموهبتي. فعندما قررت ترك عملي من أجل الدّراسة أحضر لي والدي كاميرا وحاسوب للمونتاج، وشعرت بأنّ هذا هو العالم الذي أريد أن أحقق فيه أحلامي وطموحي. ازدادت لهفتي للموضوع وصرت أقرب إلى الصورة والصّوت معا (الفيديو)، وأخذت على عاتقي مسؤولية نجاحي.
في منتصف فترة التّعليم ارتبطت بشريك حياتي، وكانت فترة مليئة بالصّعوبات، لكنّي وجدت الدّعم الكبير منه في استمراري بالتّطلّع إلى الأمام وتحقيق ما أصبو إليه، لذلك خلال دراستي كنت أعمل بشكل حر بجلسات التّصوير لأعياد ميلاد، حمل، أطفال، عائلة، فأنا أؤمن أنّه لا تطوّر من دون تجارب والعمل بالحقل خلال الدّراسة كان الانطلاقة الحقيقيّة الاولى لي.
تزوّجت وبعد أن أنهيت تعليمي كنت أعمل في المونتاج بأحد القنوات، ولكن بعد أن أنجبت طفلي البكر أصبح من الصعب عليّ البقاء لفترات طويلة خارج المنزل، وعُرضت علي فرصة أن أعلّم في مدرسة للصفوف الإعدادية والثانوية في موضوع التّصوير فانتهزتها وكانت نقلة مهمّة في مجالي.

جمهور الهدف
الأطفال والعائلات وطلّاب المدارس هم هدفي الأساسي في كُل خُطوة أخطوها في هذا المجال، فأنا أقوم بتصويرهم بشكل شبه يومي وأصبحوا جُزءًا من حياتي ولكل جلسة تصوير خاصّيتها وذكرياتها الجميلة، تعاملي مع الاطفال كان في البداية أمر جديد عليّ ولم تكن لديّ الأدوات الكافية التي تجعلني أتأقلم بشكل سريع مع كل طفل، فلكل منهم شخصيّته المستقلة أحدهم يحب التّصوير وآخر يرفض، وأخرى تبكي وهكذا، ولكن عندما اعتدت على الأطفال وتمكّنت من الطّرق التي تّقرّبني منهم أصبحت جلسات التّصوير ممتعة جدًّا وقرّبتني أكثر من الاهل وبات نتاج الجلسات رائع جدًّا، حُب الأطفال بعد كُل جلسة تصوير كان الدافع والحافز الأساسي لأستمر بالإضافة إلى دعم أهاليهم الأمر الذي حمّسني أكثر لدخول هذا العالم من باب أوسع وافتتحت مشروعي الخاص.

وبعد عام ونصف، بدأت مشروع مُستقل أسميته قُمرتي، وهو مشروع يقدّم ورشات تصوير لفئات عُمرية مختلفة تتيح لهم المجال بالتّعرف على زوايا بدواخلهم واكتشاف شغفهم والتّعبير عنه من خلال الصّور التي يلتقطونها. الإيمان بالذّات والوقوف أمام جمهور بكُل ثقة كان أحد أهم أهداف الدّورات التي أقدّمها، وأحاول قدر الإمكان إبراز كل موهبة على حدة وإعطاء الفرصة لكل فتى أو فتاة بالتّعبير عن أنفسهم بالطّريقة التي يرونها مناسبة من خلال الصّورة.
من خلال هذا المشروع أحاول تسليط الضّوء قدر الإمكان على مواهب كل طفل، وأركّز على المضمون ونتناول عدّة قضايا تهمّ جيلهم، وأترك في النّهاية المجال الحرّ لكل واحد للتعبير عن نفسه كما يريد ومن منظوره الشّخصي. مع الأخذ بعين الاعتبار مواضيع السّاعة ومحاولة مُعالجتها عن طريق التّصوير فنحن جزء من هذا المجتمع ويجب أن نكون مطّلعين على كُل ما نعيشه ونتعايشه، فلا أتنازل عن تقديم بعض المضامين التي تتعلّق بالظواهر العنيفة والسلبية بمجتمعنا، فتناولنا موضوع العنف والقتل من خلال إحدى الورشات وعبّر المشتركون في الدّورة بطريقة رهيبة تطرّقوا من خلالها لأحداث العنف من خلال صور متحركة لكلماتهم.
التّركيز خارج القوقعة وبعيدًا عن الضغوطات التي يعيش كل طفل منهم والنّظر إلى الأشياء بزاوية مختلفة تجعله ينكشف عن العالم واكتشاف الذات، لذلك أحرص على أن تكون إحدى الورشات التّصويرية خارج المركز، لاستكشاف جوانب تصويرية أخرى، وإفساح المجال للأطفال لإبراز مواهبهم بشكل أكبر.

العلاج بالتّصوير
ضمن مجال عملي أتلقّى كُل يوم الكثير من الاتّصالات لحجز أيّام تصوير أعياد ميلاد وحمل وغيرها، اتّصال واحد كان كفيلًا بأن يُغيّر مساري ويُعمّق رسالتي من خلال التّصوير، كانت المُكالمة من أم لديها طفل وقد اقترب يوم ميلاده وأرادت أن تصوّره بجلستين مُنفصلتين، إلى هُنا كان الأمر عاديًّا إلى أن قالت لي الأم: "ابني يُعاني من التّوحّد"، هُنا بدأت الأسئلة تدور برأسي تملّكني التّردّد وخفت من هذه الخطوة الصّعبة، خفت من ألا أقدر على التّواصل مع الطّفل أو مضايقته بالصّور الكثيرة التي سألتقطها له، ولكنّي قرّرت بأنّي سأصوّره وسأنجح في التقاط صور رائعة له مع والدته ستُخلّد طوال الحياة، في الجلسة الأولى استطعت أن التقط له صور وهو يلوّح بيده لوالدته وكان صدى هذه الصّور مؤثّرًا جدًّا، في الجلسة الثانية في يوم ميلاده، رفض جميع الاحتفالات وهرب بعيدًا إلى عالمه الخاص به ودخل غرفته، دخلت وراءه وحاولت تصويره، رفض، أكلّمه وهو رافض تماما النّظر إلي، انتظرت طويلا وحاولت طويلا لم يرد النّظر إلي، بعدها لفته صوت كبسة الكاميرا، اقتربت منه وصرت أكلّمه مع استمرار ضغطي على الكاميرا وصوتها يرنّ في أذنه التفت إليّ، أمسكت يده وبدأ يكتشف معي من أين يخرج هذا الصّوت، راقت له الكاميرا، وبما أني أحمل أكثر من واحدة خلال العمل فأمسكته واحدة وأنا ممسكة بالأخرى وطلبت منه أن يقوم بتصويرنا وفعل ذلك.
أطفال التّوحّد برغم من صعوبة التّواصل معهم والدّخول إلى عالمهم إلا أنّه عندما تدخله فإنّك تستطيع أن تساهم ولو بالقليل في أن ترسم البسمة على وجوههم، لا أنسى اللحظة بعد أن قام الطفل بتصويري وأريته الصّورة، فرح كثيرًا وصاح من الاندهاش والسّعادة، كان الأمر أشبه بتحدٍّ لي والحمد لله استطعت أن أقوم به على أكمل وجه، لكنّي خرجت من الغرفة متأثرة وبكيت كثيرًا، واعتبرته أول إنجاز حقيقي لي في مجالي الذي فتح لي أبوابا كثيرة واسعة. إسعاد النّاس وتقديم لهم الأفضل وبالذّات الأطفال، وأن تجد تلك النظرة المُمتنّة في عيونهم أعتبرها اكتفاء ذاتي، بعد أن عُدت إلى المنزل مُحمّلة بالكثير من المشاعر تأكّدت أنّ التّصوير لا يمكن أن يوضع بقالب توثيق اللحظات الجميلة فقط، إنّما من الممكن التّفكير به خارج كُل الصّناديق وإيجاد عن طريق علاجا للنفس والرّوح.

مراحل حياتي: تصوير تعليم علاج
ميلاد الطّفل كان أشبه بميلاد هدف جديد أضيفه على مهنتي، بدأت أبحث عن مقالات وأبحاث تتعلّق بالعلاج عن طريق التّصوير وبالفعل وجدت مقال لباحثة أمريكية وانضممت لمجموعة تقدّم الكثير من المعلومات عن هذا الموضوع، فكنت على دراية مُسبقة عن العلاج عن طريق التّصوير قبل تسجيلي لدراسته والحصول على شهادة موثّقة في الموضوع.
خلال التّعليم صرت أشعر إلى أي درجة من الراحة يمكن للتصوير منحها، لم أكن أعرف أنّ صورة واحدة كفيلة بإشعال مشاعري من جديد وجعلي أبكي، هذا يعني أنّ هذا العلاج لا يتعلّق بمرض أو حالة مُعيّنة إنما بالشّخص نفسه، فكل منّا يفكّر بشكل كبير بمشاعره يحاول التّعبير عنها بطريقة أو بأخرى بعضنا ينجح والآخر لا، فهذه فرصة من الفرص التي تتيح لأي كان التّعبير عن نفسه بكُل راحة من خلال الصّور.
أنهيت السّنة الأولى في التّعليم، وحصلت على شهادة تؤهّلني لتقديم ورشات علاجية بالموضوع بالإضافة إلى تقديم نصائح لطرق الوقوف أمام الكاميرا والتّعبير عن النّفس والتّصالح مع الذات أمام الكاميرا، أنا حاليا في سنتي الدراسية الثانية ونحن اليوم بفترة التّدريب "الستاج"، كُل طالب يختار الفئة التي يريد أن يبرزها ويتيح لها الفرصة للعلاج بشكل مُختلف، أنا اخترت أن يكون موضوعي متعلّقا بالأطفال المتوحّدين.

رسالتي للنساء
على كُل امرأة أن تؤمن بقدراتها وذاتها وألا تستخف بأي منهما، تحقيق الاحلام والطموحات التي نؤمن بها أمر أساسي لنؤدّي رسالتنا كنساء في هذه الحياة رغم كل صعوبات وظروف تواجهنا، يجب عدم التّنازل عن كياننا وقدراتنا والالتفات إلى دورها المهم في المجتمع ليس فقط في المنزل، بالرّغم من إيماني الكامل بالعائلة وهي في سلّم أولوياتي، إلا انّ هذا لا يمنع أن أتقدّم في عملي وأكمل طريق النّجاح الذي بدأته، أيتها المرأة إذا لم تؤمني بذاتك فلن يؤمن بك أي شخص! كوني الشّخص الذي يمكن أن يبدأ التّغيير به ومعه.

*ما أراه ليس ما أراه، إنما هي الاحاسيس التي تستثار داخلي من خلال ما أرى، وتلك هي ما أصورها- فراند كلين
 

مقالات متعلقة