الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 05:02

رسالة إلى النائب السابق صاحب نظرية الفرز الوطني- الشيخ كامل ريان رئيس مركز أمان

الشيخ كامل ريان
نُشر: 19/01/21 19:17,  حُتلن: 23:21

 الشيخ كامل ريان رئيس مركز أمان:

لا أعرف إن كان سيادة النائب السابق كفل يتيمًا واحدًا من أيتام فلسطين! ولكن أختك أم معاذ، بعد فضل الله ومنّه، تكفل الآن عشرين يتيمًا من أبناء شعبنا الفلسطيني المحتل من مالها الخاص،

حقيقة لا أعرف إن كنت قد نمت ليلة واحدة في خيام النضال والكفاح التي كنا نقيمها مقابل مكتب رئيس الحكومة أو الكنيست عشرات المرات، ولم تتردد أختك أم معاذ بالمبيت أحيانًا في هذه الخيام بجانب أخواتها المناضلات


شخصيًّا أحترمك ولا أنتقص من قدرك شيئًا بالرغم من انتقاصك لغيرك في كل شيء، لدرجة "فرزك" وتخوينك للغير إن حمل فكرًا غير فكرك أو نهجًا غير نهجك أو سلك طريقًا غير طريقك، وأنت من دعاة التعددية ومن حرّاس الليبرالية ومن حماة الحرية.

ولكن بما أنك وضعت نفسك قاضيًا "فرّازًا" لتعطي شهادات "الوطنية" من خلال حملتك الوطنية "للفرز الوطني"، أود التعرف على معايير نيل شهادة "الوطنية" التي تمنحها للمغاير لك! وأيهما أكثر وطنية أنت أم زوجتي أم معاذ "الرجعية" وفق وصفك وتعابيرك ومعاييرك الوطنية؟ وأيهما أقرب إلى الانتماء الوطني ومتمسك بالثوابت الوطنية، أنت أم هي؟ وأرجوك ثم أرجوك، التعرف على ما قدّمَته وقامت به من عطاء لمجتمعها ولشعبها، لأنّني أود أن أعرف إن كانت قد تخطّت وتجاوزت معايير الوطنية التي تراها أنت مقاس أبناء وبنات فلسطين.

أنهت أم معاذ تعليمها في معهد إعداد المعلمين في بيت بيرل عام 1979، كمعلمة للشريعة الإسلامية. وكانت من أوائل الفتيات العربيات اللواتي لبسن اللباس الشرعي الإسلامي في تلك الفترة. وبسبب لباسها هذا وانتمائها للحركة الإسلامية فُصلت من سلك التعليم لفترة عشر سنوات، "وجريرتها" وقتئذ هو انتماؤها للحركة الإسلامية التي أسسها فضيلة الشيخ عبد الله نمر درويش رحمة الله عليه. وفي نفس العام فُصلت أنا أيضًا من سلك التعليم بتهمة أنّ لكلينا علاقة "بأسرة الجهاد" التي قادها فضيلة الشيخ عبد الله نمر درويش رحمه الله، حيث سجن بسبب ذلك ثلاث سنوات ونصف، هو والعشرات من إخوانه، حيث وصلت أحكام سجن بعضهم أكثر من عشر سنوات. وفي نفس الفترة، فُصل 36 مدرسًّا كانوا يعملون في سلك التعليم بسبب انتمائهم لهذه الحركة، والتي كانت "أسرة الجهاد" من مخاض ولادتها، وكذلك الكفاح المسلح، وليس التوقيع على وثيقة الاستقلال التي تقر بقيام دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية، والاعتراف بيهودية الدولة بدلًا من عروبيتها وإسلاميتها، وتقر بإجلاء الشعب الفلسطيني إلى خارج وطنه والإقرار باستجلاب كلّ مَن أمّه يهودية مكانهم.

واعلم أيها الرفيق أننا كنا نعود إلى قريتنا في تلك الفترة مرة في الأسبوع، وكانت أم معاذ تقضي معظم وقتها في تعليم الفتيات "الأُميَّات" القراءة والكتابة، وتقديم دروس الوعظ والإرشاد الدعوي والأسري لعامة نساء القرية، وفي فترة لاحقة كانت تقوم بذلك في منطقة النقب والمثلث. وجدير بالذكر أنها ما زالت تقدّم هذه الدروس لغاية اليوم على امتداد عشرات السنين تطوعًا، بالرغم من جيلها وصحتها المتدنية، سائلًا المولى عز وجل لها دوام الصحة وموفور العافية. وبودي أن أعرف إن كنت قد قدّمت ولو درسًا واحدًا لأميٍّ واحد من أبناء أو بنات فلسطين.

حقيقة لا أعرف إن كنت قد نمت ليلة واحدة في خيام النضال والكفاح التي كنا نقيمها مقابل مكتب رئيس الحكومة أو الكنيست عشرات المرات، ولم تتردد أختك أم معاذ بالمبيت أحيانًا في هذه الخيام بجانب أخواتها المناضلات، وكان ذروة ذلك المبيت في خيمة الاعتصام التي نصبناها أمام مكتب رئيس الحكومة وقتئذ، يتسحاق رابين، احتجاجًا على إبعاد قيادة حماس عام 1992، والتي استمرت ٥٦ يومًا متتاليًا ومتواصلًا بثلجه وبرودته القارسة. وكانت أم معاذ مركزة العمل النسوي المشارك لنا في تحديد وتخطيط الفعاليات وخطوات النضال وقتئذ، أسوة مع كل القيادات العربية، وعلى رأسهم فضيلة الشيخ رائد صلاح فك الله أسره. وقد كُلفت أنا وقتها بإدارة الحملة التنظيمية والإعلامية للخيمة، واستقبال الوفود التي كانت تحضر إلى هناك.

لا أعرف إن كان سيادة النائب السابق كفل يتيمًا واحدًا من أيتام فلسطين! ولكن أختك أم معاذ، بعد فضل الله ومنّه، تكفل الآن عشرين يتيمًا من أبناء شعبنا الفلسطيني المحتل من مالها الخاص، واختصت "أيتام غزة" بالتحديد تضامنًا مع غزة وأهلها، وطلبًا للأجر والثواب، وتأكيدًا على حبها لأرض فلسطين وشعب فلسطين وهوية كل ما هو فلسطيني، لأنها تؤمن إيمانًا مطلقًا بحقنا في هذا الوطن المقدس والذي كان وما زال وسيبقى وقفًا إسلاميًّا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإن حقنا فيه وعليه، مسلمون ومسيحيون، هو حق أبدي، ولا تزول قدسيته لا باحتلال ولا باغتصاب ولا بتشريد.

لا أنكر حضورك وعطاءك حين كنتَ عضوًا في البرلمان الصهيوني (الذي رفضت أنا شخصيًّا أن أكون عضوًا به بالرغم من عرض إخواني لي بذلك في أكثر من مرة، وذلك لأسبابي الشخصية، ولا أنكر ذلك على غيري)، إلّا أن غيابك عن المشهد السياسي والاجتماعي والنضالي أصبح حاضرًا أكثر بعد غيابك عن عضوية الكنيست الإسرائيلي، بعكس أختك أم معاذ التي وبالرغم من خروجها للتقاعد المبكر لأسباب صحية فإنها ضاعفت نشاطها الاجتماعي والوطني والسياسي والديني في داخل القرية وخارجها، وأصر الأخوة أن تتقدم لعضوية مجلس الشورى القطري للحركة الإسلامية، وتقوم بواجبها هذا أيضًا اليوم بكل صدق وإخلاص تقربًا لله ودعمًا للعمل من أجل الوطن والرباط به، وتثبيت معالم وجودنا وبقائنا عليه رغم كيد الكائدين وخبث المبغضين.
لا أعرف حقيقة كم زيارة قمت بها أنت نفسك لمعالمنا الوطنية والدينية، وخصوصًا مقدساتنا الإسلامية والمسيحية، والتي تعتبر هوية هذا الوطن أمام خليط المغتصبين لأرضه والمدنسين لمقدساته والمنتهكين لحرماته والمهجرين لأبنائه. وكم مرة شاركت بمخيمات أو معسكرات العمل التطوعي لصيانة وحماية هذه المعالم من التدمير أو التدنيس أو الاغتصاب، لأعلمك أن أختك أم معاذ شاركت مع أخواتها من الحريصات على هذا الوطن بعشرات المعسكرات، إضافة لعشقها غير المحدود للمسجد الأقصى وزيارته مئات المرات، وما زالت منذ هبة القدس والأقصى تجند وتدعو أخواتها بالحرص الدائم لزيارة المسجد كمكان مقدس وكموروث حضاري وإرث وطني، من خلال نشاطها الخاص الذي كان ضمن مشروع "شد الرحال"، والذي ما زال مستمرًا لغاية الآن ضمن مشروع "قوافل الأقصى"، والذي يحظى منها بالمشاركة والدعم المادي المتواصل بفضل الله وكرمه.

حقيقة لا أعرف يا سيادة النائب السابق كم طالبًا للعلم كفلت في حياتك، وكم أسرة فقيرة رفدتها من مالك، وكم محتاجًا حرصت على دعمهم سرًّا عشرات السنين بشكل متواصل تقربًا إلى الله وسدًّا لحاجتهم وتقوية لرباطهم على أرضهم وفي وطنهم، الأمر الذي تواظب عليه أختك أم معاذ تعبيرًا عن حبها لهذا الوطن وانتمائها لهذا الشعب العظيم الذي هو بحاجة لهذا التعاضد وهذه اللحمة.

وحتى أنها، يا سعادة النائب، لم تتخلى عن رسالتها الإنسانية ولا مشروعها الوطني في ظل المحنة المؤلمة والصادمة لنا كأُسرة حينما ثكلت ابنها البكر معاذ رحمة الله عليه، فلم تتنحَّ جانبًا وتترك المجتمع فريسة لمجموعة الشريرين من الدخلاء الذين يعيثون في وطننا الفساد والقتل والخاوة وكل أصناف الجريمة التي نعرفها جميعًا، والتي راح ضحيتها الآلاف من القتلى والجرحى، وازدادت بفعل هذه الطغمة الفاسدة والشريرة من عصابات الإجرام أعداد الأرامل والأيتام، وتفككت مئات الأسر وأغلقت وأحرقت مئات البيوت، وغير ذلك كثير، فبادرت وأشارت مشكورة ومن مالها الخاص لإقامة مركز "أمان"، المركز العربي لمجتمع آمن، ليعمل ليلًا ونهارًا من أجل لجم هذه الظاهرة الغريبة والدخيلة على مجتمعنا، ووقف شلّال الدم الذي ما زال ينزف في شوارع وأحياء بلداتنا العربية بسبب سياسة الأعداء وجهل الأبناء، وما زالت تعمل في خدمته متطوعة حماية لشبابنا من الضياع والانزلاق إلى دوائر العنف والجريمة.

أذكر لك هذا كله يا سيادة النائب السابق ليس تفاخرًا وليس حبًّا في إظهار ما قامت به أم معاذ، وليس تشهيرًا بأحد، وإنما لنعطي نموذجًا حيًّا من أبناء وبنات المشروع الإسلامي الذي يحرص كل الحرص على دينه ووطنه، ولا يفرق بينهما، ولن يستطيع التفريق بينهما حتى لو أراد ذلك لأن حب الوطن من الدين، والعمل من أجل الوطن من الدين، والتضحية من أجل الوطن من الدين، ورفع اسم الوطن من الدين، والدفاع عن الوطن من الدين.
ورغم كلّ ما ذكرته لك عن أختك أمّ معاذ فإنّني أخاف ألّا تجتاز امتحان " الفرز" الذي تشرف عليه أقلامك يا سعادة النائب السابق، فلا تحظى بشهادة "وطنية" وفق المعايير التي حددتها أنت نفسك، ولعل وعسى أن تتفضل علينا وتكشف اللثام عن هذه المعايير قبل "الفرز الوطني" الذي أعلنت عنه، لنلائم أنفسنا لمعاييره "المجهولة"، ولنعرف إن كان ما قامت به أم معاذ هو من حب الوطن، وأنها ستجتاز "الفرز الوطني" الذي سيفرزه فرّاز الوطن سيادة النائب السابق.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     


مقالات متعلقة