الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 08:01

مجتمعنا أقوى من تحريضهم وهويته أطول عمرا من عمر حزبهم - بقلم: عبد الكريم عزام

عبد الكريم عزام
نُشر: 19/01/21 21:11,  حُتلن: 00:39

منذ تجدد إنطلاقة الحركة الاسلامية في بلادنا في سبعينيات القرن الماضي ثم بروز قوتها السياسية  في الثمانينيات كقوة فاعلة ومنظمة ذات قبول جماهيري وإمتداد شعبي وجذور حضارية وثقافية عميقة, بدات القوى المنافسة للحضور الاسلامي خاصة الحزب الشيوعي الاسرائيلي  تعمل على الحد من توسعه على عدة مستويات وأساليب. بعضها يمكن اعتباره منافسة سياسية شرعية وبعضها الاخر يندرج تحت باب الحرب الثقافية غير الاخلاقية.

ومن أبشع وأخطر اساليب الحزب الشيوعي الاسرائيلي المستعملة منذ ذلك الوقت "تذكية نيران الطائفية" واستثمارها في خلق اصطفافات ومكاسب سياسية, من خلال التخويف والتهويل من خطاب الحركة الاسلامية في السر والعلن, والتحريض على الاسلاميين ومحاولات نزع صفة الوطنية عن أبناء  التيار الاسلامي. 

لقد تجرأ الشيوعيون على مجتمعهم, بمسلميه ومسيحييه, ودقوا الأسافين والفتن وبثوا  الاكاذيب في كل محفل مستعملين  كل الوسائل من أجل فرض أجنداتهم الإلحادية الفاسدة. 

وبينما كان الشيوعيون يحرضون على الحركة الاسلامية ويبنون مشاريعهم الحزبية الضيقة ويعيثون في الأرض فسادا مسوقين لشعارات بعيدة كل البعد عن طبائع مجتمعنا وهويته الحضارية. كان  أبناؤها  يبنون المشاريعهم الإجتماعية والتربوية لكل مجتمعنا وفي كل بلادنا دون أي  تفرقة بين أبناء الوطن الواحد. ولم يصدر من قياديي الحركة الاسلامية أو نشطائها أي كلام فيه نزعة انعزالية أو طائفية بل على العكس من ذلك تماما. كنا أول من وقف ضد الخطاب الطائفي في القول والعمل. فكانت مهرجانات الحركة الاسلامية الحاشدة تستضيف رجال الدين المسيحيين والدروز وتمنحهم منصاتها وتربي أبناءها على الشراكة والتسامح وتمنح العون للمحتاج دون سؤاله عن دينه وهويته الحزبية, وكثيرة هي المواقف التي كان يطلب العون منا العربي الفلسطيني المسيحي فلا نتردد في تقديم المعونة  ولا نعرف هويته إلا بعد ان يستهجن وقوفنا إلى جانبه قائلا "لم اتوقع انكم تغيثون غير المسلمين". وكنا أول من يتصدى للإعتداء على رموز الآخرين الدينية لأننا تربينا في مدرسة القران الكريم والنبي محمد صلى الله عليه وسلم تلك المدرسة التي آخت بين الناس جميعا ولم تعرف في كل تاريخها إلا التسامح والإحسان. 

ورفع  الشيوعيون لغة تحريضهم بعد أن رفعنا شعار "الإسلام هو الحل" معتبرينه خطابا طائفيا متجاهلين بعده الحضاري والثقافي موغلين  في غيهم وافترائهم لكن ما نجحوا ولن ينجحوا, لأنهم لم يفهموا ولا يريدون ان يفهموا حقيقة هذا الشعار وجوهره, بينما فهمه الكثير من  المفكرين  المنصفين غير الاسلاميين بل غير المسلمين الذين تربوا على عظمة التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية.

لقد قسم الشيوعيون مجتمعنا إلى رجعيين وتقدميين, ومسلمين ومسيحيين, ووطنيين وخونة, ومعنا وعلينا, ولم يكن هذا المجتمع الطيب طيلة تاريخه إلا فلسطيني المنبت إسلامي الحضارة والثقافة, عربي اللغة والقومية. لقد كان عز الدين القسام إسلاميا في وعيه وثقافته وتربيته لكنه لم يكنى بالرجعي ولا بالمتخلف ولا بالمتطرف ولا بالطائفي  لأنه لم يكن حينها للشيوعيين وجودا يذكر في مجتمعنا الفلسطيني ولو خرجوا حينها من مستوطنات آبائهم الاشتراكية الى قرانا ومدننا لرموا القسام بالعمالة والطائفية , لقد أنشأ الاخوان المسلمين فرعهم الاول في ثلاثينيات القرن الفائت في حيفا ويافا العربيتين وما سمعنا يوما من خونهم إلا عندما رفع هؤلاء رؤوسهم.

عشنا مسلمون ومسيحيون ودروز خلال مئات السنين  بوئام وود وتقاسم للحلو والمر  تظللنا كلنا ثقافة عامة منسجمة مع الاسلام وما سمعنا يوما من تحدث بلغة طائفية حتى جاء هؤلاء بنظرياتهم التي اعتبرت أدياننا أفيونا وحجاب نسائنا تخلفا ورجعية.

لقد سمح هؤلاء لأنفسهم أن يتطاولوا على أدياننا وثقافتنا بينما حاربوا من ينتقد شعاراتهم التي  تقدس أصنامهم الواهية, وجعلوا منها رموزا تعبد من الله حتى غزوا عقول شبابنا وثقافتهم وجاءت الصحوة الاسلامية لتضع كل المفاهيم في نصابها وتعيد الابن الى حضن ابيه والبنت الى حضن امها والكثيرين الى ظلال حضارتنا العظيمة.

واليوم عادت تلك المعركة لتستعر من جديد بعد أن حاولنا تهذيب الغلاة وتصويب المسيرة وتقليم الشذوذ, عادت بعد أن ظن هؤلاء أن إخفاقات الربيع العربي وقمع الشعوب الثائرة وملاحقة الاسلاميين والاحرار في بلادنا وخارجها خاصة في مصر وسوريا فرصة سانحة لهم لتنصيب أنفسهم ولاة امر على مجتمعنا, فخاب مسعاهم وحبطت أعمالهم, لأن مجتمعنا أكثر وعيا مما يحاك له من مؤامرات وهويته الحضارية أطول عمرا من عمر حزبهم ومن سار في فلكه.

والله غالب على أمره.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     

مقالات متعلقة