الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 12:01

مطلب الساعة لمواجهة الجريمة : الحكمة السياسية والالتزام بمشروع رباط وتمكين طويل المدى - بقلم: عبد الكريم عزام

عبد الكريم عزام
نُشر: 03/02/21 12:58,  حُتلن: 14:22

شهد مجتمعنا في الداخل الفلسطيني مؤخرا وفي أعقاب تفشي وباء الجريمة العديد من المظاهرات التي تميزت بعدد المشاركين الضئيل جدا ولا يتجاوز واحد بالألف من عددنا نحن فلسطينيي الداخل !وهي ليست المرة الاولى التي يخرج فيها ابناء شعبنا للتظاهر كآلية إحتجاج عادة ما تكون آنية وتمتد إلى يوم، يومين، ثلاثة وتعود سريعا المياه إلى مجاريها!


هناك من يعترض على التظاهر كآلية إحتجاج ويتبنون الدعوة إلى عصيان مدني كوسيلة ضغط على السلطات, ومما لا شك فيه أن العصيان المدني يحتاج منا درجة عالية من الوعي الجماعي والقدرة على تحمل تبعات مثل هذه الخطوة ونحن للأسف لم نصل بعد إلى وعي جماعي وقدرة صمود وتحمل طويلة المدى من الناحية الاقتصادية والعملية ولنا تجربة قاسية في ما يشبه العصيان المدني من خلال إنتفاضة الأقصى في العام ألفين, عندما خرجت الجماهير العربية محتجة على قضية أساسية وجوهرية وقدمت لها ارواحا زكية طاهرة ولكنها عادت من جديد لترتمي في ما يناقض الفكرة الأساسية للعصيان المدني بقبول الاحتكام إلى القضاء الاسرائيلي والتعاون مع لجنة التحقيق الملكية "لجنة أور".
يضاف إلى ذلك أن التجارب الدامية التي مر بها شعبنا منذ النكبة علمتنا أن مجتمعنا ينقسم في تعامله مع أي حراك شعبي إلى ثلاث مجموعات أساسية : تلك التي على إستعداد لدفع أي ثمن مهما كان باهضا من أجل تغيير واقعنا بالنزول إلى الشارع والاحتجاج والتضحية والالتزام في أي قرار صادر عن لجنة المتابعة العليا, هذه المجموعة في غالبيتها من النشطاء الحزبيين أو المؤطرين ضمن أطر فكرية معينة، ومقابل هذه المجموعة هناك الفئة اللا- مبالية غير القادرة على دفع أي ثمن في أي ظرف وهي محقة في الكثير من الحالات لأن موقفها هذا لا ينبع في الكثير من الحالات من منطق التخاذل وضعف الانتماء إنما من اعتبارات إقتصادية وعملية,فهناك العمال البسطاء الذين يعيلون عائلاتهم بكد الأنفس وعادة يتحملون أكثر الاعباء الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن أي حراك سياسي سواء مظاهرة, إضراب أو عصيان مدني أو غير ذلك.
وهناك المجموعة اللا مبالية لكن ليس من منطلقات العوز والخشية على لقمة العيش إنما من منطلقات أخرى تتعلق عند البعض في ضياع الهوية الوطنية والانغماس في المؤسسة وربط مصيرها فيها وهناك الاخرين الذين تبنوا رؤية إنعزالية غير واقعية.
ومقابل ما قيل هناك من يطرح فكرة المواجهة والتصادم وفضح "مجموعات الإجرام" وهو مطلب غير واقعي ويحمل في طياته مخاطر عديدة قد تؤدي إلى نتائج أكثر كارثية من وضعنا اليوم, وقد تكون مثل هذه الافكار بابا للإنزلاق نحو صدامات كارثية وتصفية حسابات قبلية وعائلية تطال الأبرياء وتصنع حالة من الفوضى المجتمعية الخطيرة !
أما مطلب استقالة نوابنا أيضا فهو أيضا غير واقعي لانه في اليوم التالي لاستقالتهم هناك جيش من الانتهازيين الذين سيأخذون مكانهم هؤلاء الذين بلا هوية وطنية أو دينية أو أخلاقية، ومن يطالب باستقالة النواب عمليا هو يطالب بحسن نية أن نقطع علاقتنا بالمؤسسة نهائيا وهو أمر يحتاج أن نتصارح فيه حول علاقتنا في كل مؤسساتنا : البلديات ، المدارس، البنوك، المستشفيات وغيرها وعندها سنرى أن هذا المطلب غير واقعي وربما يخدم السلطة نفسها .
أما مطلب التوجه إلى هيئات دولية لحمايتنا فهو وهم كبير ويكفي ان نشاهد صمت العالم على ما حل في الشعب السوري وعلى ما يحدث من قمع في سجون ومعتقلات العالم كله !
وهنا يطرح السؤال الجوهري : وما المخرج من كل ذلك ؟ وقبل الحديث عن الحل يجب أن نتصارح أننا قد جربنا آليات عديدة للإحتجاج وكلها لم تأت أكلها. كما أننا يجب أن نعترف بشجاعة أننا نعيش تناقضا كبيرا تجاه العديد من الامور في تعاملنا مع الجريمة والمجرمين والشرطة والدولة, بل تجاه هويتنا الوطنية وحدود تعريفها.
ويمكن رؤية هذا التناقض بوضوح في تصريح النائب أيمن عودة عندما تحدث متحمسا للإعلام مطالبا الشرطة أن تستعمل كل قوتها حتى "تقضي على عصابات الإجرام", وفي تصريحات أخرى له أكد رفض التعاون بالمطلق مع الشرطة.

وفي هكذا واقع مركب يتوجب علينا أن نحدد مطالبنا من الدولة الحاكمة وقبل ذلك أن نعرف بكل وضوح العلاقة التي نريدها بين وطنيتنا ومواطنتنا حتى ننطلق بعد ذلك في بناء آلية تعاملنا مع السلطة ومع حقيقة تقصيرها في التعامل مع قضايانا وعلى رأسها قضية الجريمة والعنف.
في هذا السياق علينا تبني مشروع "التمكين" والرباط على اعتبار ان ساسة المشروع الصهيوني أدركوا أن محو هويتنا الوطنية والدينية بات أمرا مستحيلا بعد سبعة عقود من النكبة فبدلوا استراتيجية المواجهة معنا لتكون على جانب محدد من هويتنا هو الجانب الاخلاقي, فهم لا يرون أي مانع للعيش مع الفلسطيني طالما كان مجرما أو تاجر مخدرات أو أسيرا لأزمات إجتماعية ونفسية تمنعه من التفكير في أي نوع من المواجهة أو حتى تمنعه من الرباط الحقيقي على أرضه.
بلغة أخرى لقد يئس ساسة هذه الدولة من طردنا من بلادنا وتصفيتنا جسديا فتبنوا سياسة إبقاء "الجسد" الفلسطيني بلا روح ولا منظومة أخلاقية. ومن هنا فإن مشروع التمكين والرباط يتحول الى أساس المشروع الوطني ويتطلب نجاحه فهم الواقع السياسي الذي فيه نعيش فيه محليا وإقليميا وعالميا وفهم حركة الشعوب ومناهج التغيير والتعديل.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     


مقالات متعلقة