الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 23:01

ولو كان النّساء.....إنّ تاريخنا العربيّ تاريخ جنائيّ!/ بقلم د.إياس ناصر

د.إياس ناصر
نُشر: 05/12/18 14:29,  حُتلن: 17:43


د.إياس ناصر
اضطهاد المرأة، وانتزاع حقوقها، وقتلها، وممارسة العنف ضدّها، ومعاملتها على أنّها جارية تُشترى أو آلة تفريخ توضع في البيوت للتّناسل

إنّ تاريخنا العربيّ تاريخ جنائيّ! قتل، وذبح، وتعذيب واضطهاد. هذه هي الحقيقة المرّة التي تأبى الحميّة العربيّة في كثير من الأحيان أن تقبلها أو تستوعبها، وذلك بسبب الانحياز والتّعصّب للعرق والقوميّة، مع أنّ هذا الأمر ليس متعلّقًا لا بعرق ولا بقوميّة. إنّه متعلّق بمنشأ الإنسان الذي يكون سلوكه نتاج تربيته ونتاج الجوّ الأخلاقيّ العامّ والخاصّ الذي يعيش فيه. هذه هي الحقيقة الأليمة التي أكتبها وأنا المشغوف بالأدب العربيّ وبلغتنا العربيّة التي تسري في شراييني وتحيا تحت ضلوعي.

اضطهاد المرأة، وانتزاع حقوقها، وقتلها، وممارسة العنف ضدّها، ومعاملتها على أنّها جارية تُشترى أو آلة تفريخ توضع في البيوت للتّناسل – كلّ هذه الأشياء لا تزال معروفة من الجاهليّة إلى يومنا هذا، من القصص الكثيرة المذكورة في كتاب الأغاني في القرن العاشر عن الرّجال الذين يقتلون النّساء بأفظع ما يكون القتل إلى ما نشهده اليوم في الأخبار والتّقارير المختلفة عن القتل والقهر والقمع الذي تتعرّض له المرأة والإحصائيّات التي تشير إلى مكانتها في المجتمع العربيّ.

لا يزال مجتمعنا العربيّ ذكوريًّا بطابعه، والذّكوريّ هو الذي يريد أن يجلس على الكرسيّ وحده، يحمل صولجان السّلطة وحده، يأمر، وينهى، ويقرّر، ويرفض أن تصل المرأة إلى أدنى درجة من المساواة بينهما. إنّه يخاف على عرشه من كلّ شيء تقوم به المرأة، من حرّيتها، وحديثها، وخروجها من البيت، واستقلالها، ودراستها، وعملها، وعلمها، وإنجازاتها، بل حتّى ممارستها للحياة تشكّل خطرًا على مملكته التي يحكم فيها الرّجل الواحد. فلا يوم المرأة العالميّ، ولا سنوات من مناهضة العنف ضدّ المرأة، تكفينا لتطهير مجتمعنا من هذه العقليّة المتخلّفة التي تدمّرنا كلّ يوم.

لقد استطاعت شهرزاد في كتاب ألف ليلة وليلة أن "تنفد بريشها" من سطوة شهريار الذي كان يختار كلّ ليلة فتاة "يتعشّاها" في حفلة المساء التي يقيمها على شرف شهوته. استطاعت شهرزاد أن تنجو بنفسها بفضل ذكائها ودهائها، وقد حوّلتْه من رجل سفّاح إلى رجل يرى المرأة رفيقة دربه وحياته. لقد كان هذا في الحقيقة السّبب الأوّل الذي دفعني إلى تسمية مجموعتي الشّعريّة الثّانية "قُبلة بكامل شهرزادها" التي اشتملت على قصائد كثيرة في مناصرة المرأة ومناهضة العنف الذي يُمارس ضدّها. ولكنّنا لا نواجه في هذا العصر رجلًا واحدًا مثل شهريار، بل نواجه وباءً جماعيًّا فيه ألف شهريار وشهريار.

إنّ العنف ضدّ المرأة جزء أساسيّ من العنف العامّ الذي يتنفّسه العربيّ كل يوم في مجتمعه، وبلدته، وحارته، بل حتّى في البرامج التّلفزيونيّة التي يتابعها. يقال إنّ مسلسل باب الحارة كان عبارة عن حظر تجوال في العالم العربيّ (وفي البلاد أيضًا) بسبب نسبة المشاهدة العالية له. فماذا نجد في مسلسل باب الحارة؟ نجد الرّجل الواحد المتسلّط، وثقافة الخنجر، والمشاجرات، والمرأة التي يجب أن تقف وراء الباب إذا خاطبها أحد الزوّار، والمرأة التي تُمنَع من الخروج وحدها. لقد لاقى المسلسل نجاحًا باهرًا لا للمستوى العظيم، بل لأنّه يحاكي الواقع الحاليّ الذي نعيش فيه، لأنّ مستواه كمستوى الكثيرين ممّن يشاهدونه إعجابًا بما يُقدّم من أعراف وتقاليد يجب أن تُرمى في سلّة المهملات من زمن بعيد. إنّ ثقافة اليد التي تضرب، والرِّجْل التي تركل، مرتبطة بالجوّ السّائد والموبوء في مجتمعنا الذي يقوم على مبدأ القوّة، القوّة الجسديّة التي تمنح السّلطة وتحلّل البطش والقمع والاضطهاد.

إنّ المرأة وحدها هي النّافذة الوحيدة التي يمكن أن تبعث الضّوء فينا ليُبدّد كلّ هذا الظّلام الدّامس الذي نعيش فيه. فلا يمكن أن نصل إلى مجتمع متحضّر ومتنوّر إلا إذا نالت المرأة حقّها الطّبيعيّ في الحياة، كإنسان، وأمّ، وزوجة، وحبيبة، وباحثة، وعاملة، وما شاءت أن تكون باختيارها وإرادتها وحرّيّتها. هكذا يُعرَف مستوى الشعوب لا بالأموال والعمران والبنيان، بل بمكانة المرأة في كلّ شعب، لأنّ الإنسان هو الوطن الأوّل قبل أيّ وطن آخر جغرافيّ، ومن يكافح من أجل المرأة يكافح من أجل أعظم الأوطان. ولكنّنا سنبقى نكابد أحوالنا المؤلمة إلى أن نلغي ثقافة الاستشهاد ببيت المتنبّي الذي يقول: ولو كان النّساءُ كمن فَقَدْنا، لَفُضِّلَتِ النّساءُ على الرّجالِ!

مقالات متعلقة