الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 02:01

قراءة في النتائج وأقل من تلخيص لها

بقلم: أمير مخول

أمير مخول
نُشر: 28/03/21 21:46,  حُتلن: 07:29


لا يملك أحد العصا السحرية لاعطاء الجواب حول ما حصل سوى بعض المثقفين والسياسيين السابقين الذي لديهم الجواب الجاهز "قلنالكم". ولا أظنن ان هنالك تيارا او تنظيما سياسيا يقع خارج ازمة السياسة او ازمة استعصاء الحلول والمخارج, من الاسهل على الانسان ان يرى القشة في عين من يقابله ولا يراها في عينه هو، لكن اي من الاحزاب والحركات السياسية لا يستطيع ان يجاهر بأنه غير مأزوم، سواء تلك التي تشارك في الانتخابات للكنيست ام التي لا تشارك ام التي تقاطعها. لا يوجد اطار سياسي لم يتأثر بالحالة العامة ومن تسرّب نفوذ الدولة ومن أثر التحولات الاجتماعية والسياسية. إن ما نشهده بالامكان ان نطلق عليه ازمة الثقافة السياسية الوطنية السائدة والتي شكلت اساس تنظيم المجتمع الفلسطيني في الداخل وحققت وراكمت انجازات يشهد لها وبالذات في سؤال البقاء والصمود والتطور، وفي السياسة والثقافة والمجتمع. لكن سؤال الدولة يعود بقوة الى صميم تنظيمنا. هيمنة الدولة اليوم هي مسألة غاية في التأثير وفي احداث التحولات. ان ما نعزوه الى ألمعيات نتنياهو وفذلكاته والتحولات في خطابه تجاه هذه الجماهير، ليس مسألة الليكود او دهاء رئيسه بل قوة ونفوذ الدولة. واعتقد لو افترضنا ان حزب العمل التاريخي كان في السلطة اليوم لكان وعنا أصعب، لانه في عقيدته تكمن روح الوصائية والاستعلاء والضبط والهندسة السياسية للولاء.

عن الجبهة والتجمع
نتائج الاقتراع هي ليست نتائج الانتخابات، بل أن نتائج الانتخابات وما تعكسه فيها مؤشرات لانقلاب في النخب وصدارة المشهد. سواء أكان هذا ثابتا ام حدثا عابرا، فإننا بصدد حدث متدحرج لم تتوقف تداعياته ولا ينحصر في نتائج التصويت وعدد النواب فحسب. كما لا بد ان ترتد النتائج الحاصلة على الوضع داخل الاحزاب وتدخلها في أزمة استيعاب الأزمة والاخفاق، وبالذات الجبهة، والتجمع. قد تكون هذه العملية منقذة وأساسا لانطلاقة متجددة، وقد تكون العكس.

سيقوم التنظيمان – الجبهة والتجمع - بتقييم الوضع ودراسة الاخفاق ، وأتمنى ان تتوفر لدى كلّ منهما القدرة والادوات والجرأة لاستخلاص العبر واعادة التوازن نحو الانطلاق. ويأتي التشكيك هنا ليس من باب القدرة السياسية او التحليلية، بل لأن الاطارين يتأثران بدرجات متفاوتة بتحديات داخلية تبلورت باتجاه قوى متصارعة لها محرّكات خارجية تمثل مصالح متضاربة، وليس بالضرورة على صراعات شخصية التي تبقى الأسهل للعلاج، والكثير منها يعود الى تأثرهما بالمتغيرات العميقة في البنية الاجتماعية الاقتصادية والتي تسارعت مع تصاعد التوقعات من الدولة في مسألتين جوهريتين وهما مواجهة جائحة الكورونا ومحاربة الجريمة المنظمة، يضاف كذلك تسلل الأثر الزاحف للمال السياسي، الذي تجلّى اكثر ما تجلّى في الحملات الانتخابية، والتي تستر منذ اواخر التسعينات وحتى اليوم في "رفع نسبة التصويت" ومن "خلي الصوت يقرر" حتى "شركاء في المصير شركاء في الحكم".

سأتطرق هنا الى بعد واحد من إغداق المال السياسي لصنع النجومية على حساب الحزب السياسي، وبالذات من الجناح الدمقراطي بين التنظيمات اليهودية الامريكية ومصالحها السياسية والاقتصادية ورؤيتها لاسرائيل كدولة "يهودية دمقراطية"، وذلك بصفته ليس مسألة مالية فحسب بل استثمار قائم على فكرة انّ التأثير على نخب محددة مجدٍ وهو الطريق للتأثير على الثقافة السيسية والاطر الحزبية. لقد نجح هذا المال بشكل كبير، لكن باعتقادي ولحسن الحظ غير حاسم، في صناعة نخب تسير في المسار المعني به وأحيانا دون أن تشعر بذلك او لا تعترف، بما في ذلك اهدافه في زيادة نفوذ الدولة وسعيها للهيمنة على نمط سلوك الفلسطينيين المواطنين فيها. ان ما يحصده المال السياسي هو مشروع سياسي للمموِّل وهو إفساد سياسي للذين يقبلون به وبالذات النخب المنصاعة. ليس مطلوب من هذه الاوساط ان تغير خطابها الوطني المجاهر به، بل تغيير سلوكها السياسي. فمثلا تستطيع نخب التمويل ان تجاهر بفلسطينيتها ووطنيتها وعدائها للمشروع الصهيوني الاستعماري الاقتلاعي، لكنها في الوقت نفسه تنظّر لزيادة مراقبة الدولة واجهزتها الامنية والاستخباراتية في بلداتنا تحت مسمى محاربة الجريمة. وباتت هناك نخب من طراز آخر، تعارض المال السياسي وتنظّر ضده وضد الحركة الوطنية باسم عبثية استراتيجية العمل البرلماني بينما تربطها مصلحيا علاقات عمل واستفادة مع نخب التمويل، تحت مسميات العمل المهني من علاقات عامة وترجمات وتحرير وإعلام. كل ذلك لم يكن ليؤثر على تيار الاسلامية الجنوبية والموحدة خاصة بالنهج الذي قاده د. منصور عباس وأصبح لاعبا سياسيا قوي الحضور، لأنه متناغم معه ولا يشكل تهديدا لأولويات الدولة بل تيسير اولوياتها الداخلية والاقليمية. وسوف يجري التطرق في نص اخر للمال السياسي بمفهومه الاوسع بما فيه من السلطة الفلسطينية وكذلك الاقليمي الخليجي العربي والتركي حديث العهد نسبيا.

نهاية نمط القائمة المشتركة؟ فماذا بعد؟
من المستبعد جدا ان يعود نموذج القائمة المشتركة الى تكرار ذاته في المدى المنظور فالانقسام عميق والشرخ الذي احدثه لا يمكن تجاوزه بخطاب الوحدة. حتى ولو اجتمعت مركباتها في قائمة في انتخابات قادمة فإنها تكون قد فقدت مصداقيتها قبل أن تلتئم. وتشير قراءة نتائج الانتخابات الى عزوف الناس عن نمط العمل هذا. إن فقدان الثقة من قبل الجمهور الواسع لا يعني بالضرورة تغير في المواقف السياسية والوطنية للناس بل قد يكون فقدان مصداقية من يطرح نفسه كممثل للناس. حين تغيب كل هذه المقومات فإن اللاصق الاجتماعي السياسي للقائمة حتى بتركيبتها الحالية قد تآكل.

لقد قامت القائمة المشتركة على اساس وحدة المصلحة بين القوى السياسية وبالذات لتجاوز رفع نسبة الحسم والذي حصل بدوافع عنصرية لمنع التمثيل العربي، وشكّل تحالف المصلحة أمرا شرعيا بحد ذاته وفرض نفسه على مجمل السياسة الاسرائيلية. لكن سوء الأجواء وعدم تحويلها الى مشروع وحدوي كما تمنت الناس، جعلها تخسر هي ايضا مصداقيتها. لا يكفي الحديث عن شعار الوحدة بل ان الوحدة ينبغي ان تكون واعدة وقبل ذلك ان تكون فيها حدّ معقول من الصدق، وأن تكون سياسية وان تكون وطنية. كما ان الوحدة ينبغي ان يكون لها هيبة حضور قيادي، لا تنافس على النجومية الفردية. وما فرضته القائمة الموحدة بخروجها من المشتركة بات أمرا واقعا وانشقاقا استراتيجياً.
عليه، يبدو اننا سنعتاد في المستقبل الى منظومة الكتلتين، ويعني هذا ايضا ان الساحة تتسع لاحزاب وحركات جديدة سواء ما يعتمد الاستراتيجية برلمانية أم غير برلمانية. وحسب النتائج ايضا سيكون تحدي نفوذ الاحزاب الصهيونية قويا على جدول الاعمال السياسي. لكن المسألة ليست مجرد نفوذ الاحزاب الصهيونية في الانتخابات، بل تعاظم دور الدولة في حياة جماهير شعبنا الفلسطيني في الداخل، والذي تسارع بوتيرة غير مسبوقة في ظل وضع الطواريء الشامل بسبب الكورونا وفي ظل الجريمة المنظمة ودور الدولة فيها واعتمادها فرصة لاجهزة الضبط السياسي وهندسة الولاءات والامزجة العامة.
مع ذلك لا أظن انه سيكون كافيا ان تقوم الاحزاب المعنية بتقييم ما جرى واستخلاص العبر، بل هناك ضرورة لمشروع يجمع القوى الوطنية سواء من يشارك في انتخابات الكنيست ام يقاطعها فيه بلورة تصور لانطلاقة في بناء المرجعيات واعادة الاعتبار الفعلي للجنة المتابعة وإحداث انطلاقة فيها وتعزيز كيانية دورها كي نحافظ على كياننا الجماعي. وان يكون قادرا على بلورة تصور لبعدين ضروريين، احدهما هو علاقتنا مع شعبنا الفلسطيني وموقعنا فيه، والاخر هو كيف نتعامل مع الدولة ودورها المتعاظم.
في الخلاصة ليست نتائج الانتخابات هي نهاية المطاف ولا الأزمة الحالية، بل ربّ أزمة ولّدت انطلاقة، لقد لخص توفيق زياد في حينه أحد اهم الدروس الفلسطينية بعد النكسات حين قال:
"يا بلادي أمس لم نطفُ على حفنة ماء
ولذا لن نغرق الساعةَ في حفنة ماء"


 

مقالات متعلقة