تعتبر دار الإفتاء المركز الرئيس والأهم للمسلمين السنة في سوريا وفي العالم العربي أيضاً، ومقام المفتي في سوريا تعرض مرتين للإعتداء: المرة الأولى كانت في عهد عبد الناصر أيام الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، حيث أصبحت الدولتين تحملان اسم الجمهورية العربية المتحدة، علماً بأن هذه الجمهورية الوحدوية لم تعش سوى ثلاث سنوات فقط.
وقتها أراد رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر القيام بعملية تأميم للأملاك الخاصة في سوريا الأمر الذي لاقى رفضاً شعبياً. في تلك الفترة كان الدكتور أبو اليسر عابدين يشغل منصب المفتي العام وقد دفع ثمن مواقفه من حكم عبد الناصر حين رفض منح فتوى تبيح لجمال عبد الناصر تأميم الأملاك الخاصة، فيما أصر عبد الناصر على الحصول على تلك الفتوى. ويقول التاريخ انه قال لمساعديه “أريد الفتوى من ابن عابدين”، فردّ المفتي العام السوري بالقول “ليس لك إلا فتوى الرفض”.
وفي المرة الثانية، حصل الهجوم على مقام المفتي قبل أيام قليلة، حين أصدر الرئيس السوري بشار الأسد قراره بإلغاء هذا المنصب كلياً من تاريخ سوريا، وكلف مهام الإفتاء إلى مجلس كان قد أسسه تحت مسمى “المجلس الفقهي العلمي” والمشكّل من عدد من الطوائف والأقليات ويضم بين أعضائه ممثلين عن المسلمين السنة.
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });ويبدو واضحاً أن بشار الأسد بخطوته إلغاء منصب المفتي العام، يريد السير في طريق الرئيس التركي الأسبق أتاتورك الذي قضى على كل المظاهر الإسلامية للدولة وأدخل تركيا في العولمة. لكن بشار يصطدم مع البوجود الإيراني أو بالأحرى مع الحليف الإيراني الذي ثبت قدميه في سوريا التي يقوم منذ فترة بعملية ممنهجة للتشييع فيها ويواصل تطبيق برنامجه التشييعي برضى الأسد الذي تربط طائفته العلوية علاقات دينية مع الشيعية التي يمثلها النظام الإيراني.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، فلا بد من التنويه إلى أن دار الإفتاء في سوريا لم تكن كما يقول مؤرخون، متوقفة على السنة فقط، بل كان المفتي العام "يحمل دلالة رمزية على الإسلام وكان في عنقه ومن ضمن مهامه تنظيم شؤون بقية الطوائف بالاستناد إلى مرجعياتها الدينية دون تمييز."
وتقول المعلومات ان منصب المفتي العام "كان يخضع لعملية انتخاب تجري بين علماء سوريا، فيطرح اسم واحد منهم أو أكثر، ويستفتى عليه بقية العلماء لما يرون فيه من كفاءة". ويرى معلقون سياسيون أن الإيرانيين، لا يمكن لمشروعهم في سوريا المضي قدماً من دون إزاحة الخيمة الإسلامية السنية عن طريقه.
المشهد السوري يتحكم به مثلث سياسي ديني متوازي الأضلاع يتشكل من العلوية السورية،الشيعية الإيرانية والمسيحية الأرثوذكسية الروسية.هكذا تبدو الهندسة الحياتية الدينية السياسية في عهد بشار الأسد، الذي يريد ضرب وتفتيت مركزية المجتمع السني (دار الإفتاء) . ويرى بعض المحللين أن بشار الأسد " يحاول تقديم معادلة جديدة للظهور بوجه جديد، حين يهدم حضور الرمزية التي يمثلها المفتي العام،
المعادلة الجديدة واضحة مثل عين الشمس: الأسد، روسيا وإيران. وكل جهة من هذه الجهات لها مصالح معينة. رئيس الوزراء الروسي السابق ديمتري ميدفيديف قال في حوار مع صحيفة "هاندلز بلات" الألمانية: "يجب الحؤول دون وصول المسلمين السنة إلى السلطة في سوريا؛ لأنهم سيبدأون بقتل العلويين”. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صرح قبل فترة:" بأن “دولاً في المنطقة تمارس ضغوطاً من أجل إقامة نظام حكم سُني في سوريا، ونحن لن نسمح بذلك”
الإيرانيون بدورهم، يعرفون تماماً أن مشروعهم في سوريا لا يمكن لهم الاستمرار فيه بوجود مرجعية كبرى للسنة، ولذلك فإن همهم الأول تنظيف سوريا من مرجعيتها السنية. أما الأسد فموقفه يصب أيضاً قي اتجاه الموقفين الروسي والإيراني، ولذلك سارع إلى إنشاء وتقوية المجلس الفقهي، وهو بمثابة مجلس يضم لفيفاً من الطوائف، أي قيادة قطرية دينية جديدة، تنفذ أوامر الأسد.
ما يحصل في سوريا يؤدي بلا شك إلى تغيير جذري وخطير في الهوية السورية وعلى عروبة وإسلامية سوريا. ويحاول المثلث الجديد القضاء على ما تبقى من سوريا وإفراغها كلياً من أصالتها الوطنية والدينية، تماماً كما حصل في العراق.
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio