(أ)
لا بد من العودة إلى الأوليات والتذكير بها، دائماً وفي كل شيء. هذا ما تعلمنا إياه تجربة الإنسانية على مر التاريخ وهذا ما تعلمنا إياه تجربتنا نحن هنا، في هذه البلاد، أيضاً. ومن الأوليات التي تلحّ علينا الآن، في ضوء ما حصل أمس وعلى أعتاب ما قد يحصل غداً، هي التالية تحديداً:
تنص المادة رقم 16 من "قانون أساس: الكنيست"، تحت عنوان "عدم تأدية اليمين": "دعا رئيسُ الكنيست عضوَ الكنيست لتأدية يمين الولاء ولم يفعل العضو ذلك، لا يتمتع العضو بأي من حقوق عضو الكنيست طالما لم يؤدِّ اليمين". معنى هذا النص أن المُنتخَب لعضوية الكنيست لا يمكن، لا يمكن!، أن يُصبح عضواً في الكنيست (عضو كنيست / عَكْ، وليس "نائباً!!) يتمتع بكامل الحقوق والامتيازات الكثيرة، مع قليل جداً من الواجبات الإلزامية قانونياً، والتي تكاد لا تُذكر، بدون تأدية هذه اليمين الدستورية.
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });أما النص القانوني والمُلزِم لهذه اليمين الدستورية، فقد حدّدته المادة رقم 15 من القانون المذكور أعلاه، على النحو التالي: "أ. يقسم عضو الكنيست يمين الولاء بالنص التالي: "أتعهد بأن أحفظ الولاء لدولة إسرائيل وبتأدية رسالتي في الكنيست بإخلاص".
(راجِعوا هنا ما حصل في بداية دورة الكنيست الحالية حين "تشاطر" بعض المنتخَبين العرب وغيّروا في نص اليمين الدستورية كيف أنهم عادوا وتوسلوا أمام رئاسة الكنيست كي تمنحهم فرصة ثانية لتأدية اليمين بنصها القانوني لكي يصبحوا أعضاء كنيست!).
(ب)
وأما "دولة إسرائيل" التي يقسم عضو الكنيست اليمين الدستورية بأن "أحفظ الولاء لها"، فهي "الدولة اليهودية"/ "دولة اليهود التي تعرّفها، تحدّدها، تؤكدها وتكرّسها جملة من النصوص القانونية الصريحة والواضحة، بينما تكتفي قوانين أخرى بحقيقة أن تعريف الدولة، هويتها وطابعها، هي "أمور مفهومة ضمناً" ولا حاجة إلى شرحها وتفسيرها.
جميع هذه النصوص، الصريحة والمبطنة، تقوم على أساس ورد في "وثيقة الاستقلال" بشأن تعريف "دولة إسرائيل" بأنها "دولة يهودية"، من خلال عبارتين اثنتين تحديداً هما: 1. "نعلن بهذا عن إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل، هي دولة إسرائيل"؛ 2. "دولة إسرائيل ستكون مفتوحة أمام الهجرة اليهودية وجمع الشتات". ثم، بعد هاتين العبارتين وتأسيساً عليهما، سنّ الكنيست منذ تأسيسه وحتى اليوم كثرة من القوانين التي حرصت على تكريس يهودية الدولة، نصاً وروحاً، معنوياً وسياسياً، ثقافياً وقومياً، دينياً وقانونياً، من جهة، وعلى محو وشطب وسلب كل ما سبق قيام دولة إسرائيل التي شكلت درة تاج المشروع الصهيوني الاستعماري. من بين هذه القوانين العديدة: "قانون العودة" (1950)؛ "قانون أملاك الغائبين" (1950)؛ "قانون ساعات العمل والراحة" (1951)؛ "قانون المواطَنة" (1952)؛ "قانون التعليم الرسمي" (1953)؛ "قانون مكانة المنظمة الصهيونية العالمية" (1953)؛ "قانون يوم الذكرى للكارثة والبطولة" (1959)؛ "قانون أساس: أراضي إسرائيل" (1960)؛ "قانون أساس القضاء" (1980)؛ "قانون المواطَنة والدخول إلى إسرائيل (أمر ساعة)" (2003) وغيرها الكثير من القوانين التي تؤكد هوية إسرائيل اليهودية (بل والصهيونية!)، وصولاً إلى قانونيّ الأساس اللذين تضمنا هذا التعريف نصاً مكتوباً واضحاً للمرة الأولى، وهما "قانون أساس: "كرامة الإنسان وحريته" (1992) و"قانون أساس: حرية العمل" (1992) اللذين يحدد البند الأول في كل منهما "المبادئ الأساس والهدف" على النحو التالي: "1. المبادئ الأساسية: حقوق الإنسان الأساسية في إسرائيل ترتكز على الاعتراف بقيمة الإنسان، بقدسية حياته وبكونه حراً وينبغي احترامها بروح المبادئ الواردة في إعلان قيام دولة إسرائيل (أي: وثيقة الاستقلال)؛ 2. الهدف: يهدف قانون الأساس هذا إلى حماية كرامة الإنسان وحريته (حرية العمل) لتثبيت قيم دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية في قانون أساس"!
هذا كله، وأكثر، قبل "قانون القومية" بكثييير!! أي، لم نكن بحاجة إلى هذا القانون، أصلاً (رغم الحديث الزائد وعديم الأهمية عن الفرق المتمثل في كونه "قانون أساس" وليس "قانوناً عادياً").
(ت)
حين يتجاوز الفلسطينيّ عتبة اليمين الدستورية هذه، بنصها القانوني والدستوري المذكور ودلالاتها وإسقاطاتها الوطنية والسياسية، بالنظر إلى القوانين العديدة التي تؤكد وتكرس هوية الدولة "اليهودية/ الصهيونية" وبما يعني أن هذه العتبة مبدئية وجوهرية في الصميم وحتى النخاع، لا مجرد إجراء طقسيّ صوريّ أو شكليّ، بما تستبطنه من قبول فِعليّ بالقوانين العرقية الاستعمارية وتسليم عمليّ بحقيقة كونها "دولة يهودية" / "دولة اليهود"، فعندئذ تصبح آفاق "عمله البرلماني" (الخدماتي، بالأساس، برسم 73 سنة مضت) مفتوحة على كل الاحتمالات وفي جميع الاتجاهات بعدما أباح، بتجاوزه تلك العتبة (اليمين الدستورية)، جميع المحظورات.... ليس نظرياً فقط، بل فعلياً أيضاً.
هنا تدخل "المسؤولية الجماعية" التي تعني أن عضو الكنيست الفلسطيني يتحمل المسؤولية (أو جزءاً منها، على الأقل) عن القوانين التي يسنها الكنيست، أياً كانت نصوصها أو أهدافها، حتى لو عارضها. ذلك أنه، بمجرد وجوده هناك، قد أسبغ الشرعية، القانونية، السياسية والأخلاقية، على هذه الهيئة وقراراتها. هذه هي حصته من المسؤولية، ولو غير المباشرة، ولا يمكنه التنصل منها.
كذلك هو الحال بشأن "المسؤولية الجماعية" التي يتحملها الفلسطيني الذي يأخذ عضوية الكنيست، بشروطها وأحكامها المذكورة، إلى نهايتها فينضم إلى الائتلاف الحكومي، عضواً في الائتلاف أو وزيراً في الحكومة: هو يتحمل المسؤولية عمّا تتخذه الحكومة من قرارات، عمّا تنفذه عبر مؤسساتها وأذرعها المختلفة من ممارسات، وعمّا تطلقه عبر رؤسائها ومتحدثيها الرسميين من بيانات وتصريحات (كما حصل في إعدام الشاب المقدسي ميدانياً أمس، على سبيل المثال). هذه هي حصته من المسؤولية المباشرة ولا يمكنه التنصل منها.
هذه هي عُقدة عضوية الفلسطيني في الكنيست، أو عُقدة عضو الكنيست (العَك) الفلسطيني ـ عُقدة ما لها حَلّال!
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio