المؤسسة الحاكمة في اسرائيل قد عبّرت تاريخياً عن خشيتها ورعبها من تمسك المواطنين العرب بالمُرَكّب الفلسطيني في هويتهم كما عكسته وثيقة السادس من حزيران 1980 . والتي جاء فيها: “نحن أهل هذا الوطن ولا وطن لنا غير هذا الوطن .. حتى لو جوبهنا بالموت نفسه فلن ننسى أصلنا العريق.. نحن جزء حي وواع ونشيط من الشعب العربي. الفلسطيني” . إلا أن المؤسسة الحاكمة في اسرائيل اليوم في ظل أزمتها الاستراتيجية وتخبطها السياسي تعلن على الملأ، خوفها من مركب المواطنة بالذات في هويتنا، كمواطنين في دولة اسرائيل التي قامت في وطننا، متجاهلة أننا نحن دون غيرنا من مواطني الدولة الأصلانين الذين نستمد شرعية مواطنتنا من كوننا أهل هذا الوطن، ولا نستمد حقنا في الوطن كباقي الناس، من مواطنتنا في اسرائيل ".في الماضي القريب انفجرت في الساحة السياسية في اسرائيل ظاهرة. الحراك الاحتجاجي الذي أخرج مئات آلاف المواطنين اليهود الى شوارع تل ابيب وغيرها من المدن الرئيسية وخاصة الشباب، للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، فاجأ الجميع من جماهير وسياسيين، بينما الشباب العربي في البلاد لم يتجند في هذه النضالات المطلبية. ولا حاجة بأن نذكر بطبيعة وكثافة المشاكل الاجتماعية الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها الجماهير العربية، وكل ناشط في حزب أو في المجتمع المدني الذي يحتك بالجماهير، يعرف هذه الهموم تماما. غير ان الجماهير العربية وخاصة الشباب التزموا اللامبالاة او الاستهتار إزاءها. من معرفتنا القريبة من قادة الحراك في الصيف الماضي، لمسنا إعجاب هذه القيادات بالشباب المصري والتونسي في الميادين، واعترف بعضهم انه استقوا الوحي والالهام من هؤلاء الشباب الذين قادوا الثورة نحو إسقاط الأنظمة الأكثر استبدادا وفسادا اساس مبدئي جديد يمكن ان يكون فاتحة خير أيضا بالنسبة لشعبنا الرازح تحت نير الاحتلال والحصار والقهر. لا استطيع أن أجزم بالعلاقة السببية، لكن خلال هبة الكرامة في شهر ايار الاخير وحين ملأ الحراك الشعبي الشوارع والحارات، تراجع منسوب الجريمة المجتمعية. وكانت أفضل حماية مجتمعية محلية وقطرية. ومن ذلك ممكن ان نعتبر بشأن قوة الجماهير الشعبية.
بعد أن خرجت جماهير شعبنا وخاصة الشباب بشكل غير مسبوق في هبة الكرامة في شهر ايار الاخير بشعور من الانتصار، او وقفة العز، ولكن في ما بعد لم ننجز الخطوة التالية المطلوبة أي تقييم الوضع والاستعداد لكل السيناريوهات التي قد تسلكها الدولة. فلم نخط خطوات نحو المستقبل بل اكتفينا أحزاباً ومؤسسات في التفكير بالوضع الاني. حتى الحركات الشعبية والشبابية، والتي أشغلت موقعا رياديا في التصدي للعدوان الدموي علي جماهير الشعب، نجدها قد بدأت تهمد وهناك تسارع في عملية تآكل ما راكمته بسرعة دونما تطوير أفق سياسي لدورها العظيم والمبدع. ولا نجد الاحزاب تقوم بتوفير الأفق السياسي الشعبي، بل انكفأت أكثر من قبل، في وقت يتطلب ذلك وبحدة اكبر تعزيز دورها المتجدد والمنفتح. هذه الوضعية قد تتحول الى أزمة بدلا من انطلاقة، وقد تكون اندثارا لما انجزته جماهير الشعب. هناك مقولة باتت مبتذلة وهي أن لا فراغ في السياسة، وحيث لا تكون انطلاقة سياسية مبنية على الهبة الشعبية، فيحدث التراجع للمدى البعيد، وهي الحالة لزيادة نفوذ الدولة متعدد الاشكال.
مؤخرا تمّ الكشف عن أمرين ضمن ما كان يجري التعامل معه كأسرار دولة في السابق، الاول، هو التسريبات من قيادة الشرطة بأن الشاباك يمنع الشرطة عمليا من المس بأقطاب الجريمة المنظمة العرب (العالم السفلي). أما الثاني فهو، الاعلان عن النقاش الدائر بين الشرطة والجيش حول انجع الطرق لقمع العرب نتيجة لما حدث في هبة أيار الاخير، وبالذات في المدن الساحلية. يضاف الى ذلك التصريح المتكرر للمفتش العام للشرطة بأن "حجم الاحداث في المدن المختلطة قد فاجأت الشرطة" كما ويضيف بأن (سرعة وتيرة تفاعل الاحداث وانتشارها جغرافياً، كانت مربكة للشرطة). وهو يعزو ذلك الى قدرة التحكم الشعبي وبالذات الشبابي في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. مما ادى بالدولة من خلال وزير الامن الى نقل وحدات "حرس الحدود" من الضفة الى الداخل لقمع العرب بحيث زاد عدد هذه الوحدات المدججة بأسلحتها ومنظوماتها عن الثلاثة الاف جندي. أما الخطوة التالية التي تشير لها الدولة فهي توفير بنية ذات جهوزية عالية للجيش للتدخل في قمع المظاهرات وفي القيام بالدور الذي لا تستطيع الشرطة القيام به. أن اقامة قوة تدخل عسكرية تعني بالإضافة لما ذكر اعلان حالة طوارئ واستخدام واسع لأنظمة الطوارئ. ولو ترجمنا مفهوم تدخل الجيش في قمع المظاهرات، فهذا يعني ان القمع سيكون اكثر دموية. هذا التعامل ليس الاول من نوعه، فقد تم استخدام الجيش في سعي الدولة لقمع اضراب يوم الارض عام 1976وغيرها من احداث. كما ان المستهدف اليوم من حيث الاولويات الاسرائيلية هم العرب وفي الاساس المدن المختلطة وذلك بسبب موقعهم ومكانة هذه المدن في الرؤية الصهيونية. فهذا الحضور القوي في نقطة التماس الاولى مع المجتمع الاسرائيلي تعتبرها الدولة مسألة أمن قومي. وفي الاساس تدخل الشاباك بقضية الكورونا في حياه اليومية المدنية لجماهيرنا، لقد كان الشاباك في السابق والان وفي المستقبل يتدخل بشكل مباشر لكن الان بشكل رسمي وقانوني. اقرار القوانين في الفترة الاخيرة والتي تسمح للشرطة والجيش بالدخول الى البيوت دون اذن مسبق من المحكمة. نستنتج مما ذكر اعلاه أن الحركات الشعبية والشبابية العربي في البلاد على الأغلب لا يتجند في النضالات المطلبية، معظم الحركات الشعبية والشبابية تتجند في القضايا الوطنية، وفي هبة الكرامة في شهر ايار الاخير شكلت موقعا رياديا في التصدي للعدوان علي جماهير الشعب، ثانيًا حين ملأ الحراك الشعبي الشوارع والحارات، تراجع منسوب الجريمة المجتمعية. ثالثًا حتى الان لم يتم بلورة تصور حول ما ينبغي عمله بين الجماهير العربية. لقد خطت الدولة خطوات في اعقاب هبّة ايار في التحضير لما بعد، بينما نحن توقفنا عند أيار.
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });
الناصرة
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio