بن غوريون (1886-1973م) بولندي القومية والجنسية[1]، ويعتبر ديفيد بن غوريون المؤسس الفعلي للكيان الصهيوني، فهوالمسئول الأول عن تأسيس القاعدة الاقتصادية والعسكرية الإرهابية والتنظيمية وكل البنى التحتية "للوجود اليهودي" في فلسطين.
كما شارك في تأسيس الاتحاد العام للعمال اليهود المعروف باسم"الهستدروت".
بالإضافة إلى تأسيسه للعصابة/المنظمة العسكرية الإرهابية "الهاغانا" التي قامت بالمجازر في عملية التطهير العرقي في فلسطين 1948 مع غيرها من العصابات الإرهابية خاصة "الأرغون".
بزعامة الإرهابي "مناحيم بيغن"، مثلت عصابة "الهاغاناه" البذرة التي نشأ منها ما يسمى جيش الحرب الإسرائيلي فيما بعد، وكانت التنظيمات أو العصابات الإرهابية جميعها تابعة للمنظمة الصهيونية في الأساس.
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });ساهم دهاؤه السياسي في قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948، إذ كان يخطط بخبث وفق سياسة المراحل والاستيلاء التدريجي على الأراضي الفلسطينية، وأصبح بفضل مجهوداته أول رئيس وزراء ل"إسرائيل".
ولنتوسع قليلًا بهذه الشخصية الداهية فنقول التالي[2]: لا ترجع شهرة ديفيد بن غوريون إلى كونه أول رئيس وزراء إسرائيلي (1948 – 1953) فحسب، بل ولكونه واحداً من المؤسسين الأوائل للدولة الإسرائيلية الصهيونية، بل ويعده الكثيرون المؤسس الفعلي للكيان، حيث قاد انتصارات اليهود المحتلين لفلسطين على العرب في حرب 1948 التي انتهت بقيام "إسرائيل"، وكان عنصرًا فاعلا في حربي 1956 و 1967.
الميلاد والنشأة والفكر
ولد حاييم أفجدور جرين (ديفيد بن غوريون) في بولنسك (بولندا الآن) التابعة لروسيا عام 1886، وكان يعمل في المحاماة، وقد أثرت عليه أفكار حزب العمال الاشتراكي الذي عرف بـ (عمال صهيون) في بولنسك.
حصل بن غوريون على شهادة الثانوية في بولنسك ثم أكمل دراساته الجامعية في تركيا عام 1912 وحصل بعد عامين على درجة جامعية في القانون.
آمن بن غوريون بما يسمى بالصهيونية العملية التي تسعى إلى إقامة الدولة اليهودية الصهيونية وتدعيم أركانها بفرض الأمر الواقع أي بالقوة والدم. وقد تأثر بأول كتاب يصدره ثيودور هرتسل (دولة اليهود) وبخاصة شعار "إنك حين تريد فلن يصبح هذا الأمل حلما من الأحلام". وكان يؤمن بالتدرج في سبيل تحقيق الحلم الإسرائيلي فدعا الحاضرين في المؤتمر الصهيوني الذي انعقد في الولايات المتحدة الأميركية عام 1942 إلى تأييد فكرة إقامة كومنولث يهودي فلسطيني على أرض فلسطين. لكن وبعد الحرب العالمية الثانية عاد ودعا اليهود عام 1947 إلى تأييد مؤقت لخطة التقسيم الصادرة عن الأمم المتحدة والداعية إلى إقامة دولتين منفصلتين واحدة لليهود وأخرى للعرب الفلسطينيين.
حياته السياسية والعسكرية
اقتنع بن غوريون في وقت مبكر بضرورة الهجرة (تهجير اليهود) إلى فلسطين، فقرر القيام بذلك عام 1906، وعمل في ذلك الوقت بفلاحة الأرض في يافا. ثم انتقل إلى القدس للعمل محرراً في صحيفة الوحدة (أهودوت) الناطقة باللغة العبرية.
قام بن غوريون في تأسيس اتحادات عمال اليهود (الهستدروت) عام 1920، وعُيّن سكرتيراً عاماً له من 1921 وحتى 1935. ثم توسع في نشاطه السياسي فلعب دوراً كبيراً في تأسيس حزب (أهودوت هآفوداح) الذي تغير اسمه عام 1930 إلى حزب العمل الإسرائيلي الموجود حاليًا.
ونتيجة للنشاط الزائد الذي أبداه بن غوريون في أوساط الحركة الصهيونية، اختارته المنظمة الصهيونية العالمية مسؤولاً عن النشاطات الصهيونية في فلسطين عام1922.
وبعد ذلك ترأس اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية في فلسطين من 1935 حتى 1948 والتي عملت بالتعاون مع السلطات البريطانية على تنفيذ إعلان بلفور المشؤوم. وفي هذه الأثناء أظهر بن غوريون معارضة قوية للكتاب الأبيض الذي أصدرته بريطانيا عام 1939 والذي ينظم عمليات الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
يعتبر بن غوريون -كما أشرنا- زعيم عصابة (هاغاناه) الارهابية الصهيونية وكان من بين أهداف المنظمة/العصابة كما يذكر مركز مدار: (المحافظة على حياة وسلامة ممتلكات اليهود من هجمات العرب). وبعد ذلك تطورت الأهداف لتشمل (عمليات الدفاع عن المهاجرين اليهود والمتسللين منهم إلى فلسطين، والسعي إلى الدفاع عن المستعمرات بوجه العدو البريطاني)، على حد تعبير قياديي هذه العصابة. وارتبطت العصابة منذ ولادتها بمنظمة العمال العامة(الهستدروت) والحركة الاستيطانية الصهيونية في فلسطين، ولسنوات طويلة بقيت المنظمة خاضعة لتعليمات وتوجيهات المنظمة الصهيونية و"الييشوف"[3] اليهودي في فلسطين.
ونظم أعضاء (الهاغاناه) عمليات التدريب على استخدام الاسلحة في ال"كيبوتسات" والمستوطنات اليهودية البعيدة عن أعين الانكليز. وتمت تدريبات في أُطر رسمية من قبل السلطات البريطانية من خلال انتظام يهود من (الهاغاناه) في الشرطة البريطانية في فلسطين، وهكذا كسب هؤلاء الأعضاء تدريباً مجانياً من الانكليز ساعدهم في عملياتهم الارهابية فيما بعد ضد الفلسطينيين العرب وأيضا ضد الانكليز.
بن غوريون والنازية
يذكر د.عبدالوهاب المسيري: حدد بن غوريون القضية بشكل قاطع (في 7 ديسمبر 1937) حين أكد أن المسألة اليهودية لم تَعُد مشكلة آلاف اليهود المهدَّدين بالإبادة وإنما هي مشكلة الوطن القومي أو المستوطن الصهيوني. وقد أدرك بن جوريون خطورة فصل مشكلة اللاجئين اليهود عن المشروع الصهيوني والتفكير في توطين اللاجئين في أي مكان إن لم تستوعبهم فلسطين. وأكد بن جوريون أنه إن استولت "الرحمة على شعبنا ووجه طاقاته إلى إنقاذ اليهود في مختلف البلاد" فإن ذلك سيؤدي إلى "شطب الصهيونية من التاريخ". وفي العام التالي صرح بن غوريون أمام زعماء الصهيونية العمالية: «لو عرفت أن من الممكن إنقاذ كل أطفال ألمانيا بتوصيلهم إلى إنجلترا، في مقابل أن أنقذ نصفهم وأنقلهم إلى فلسطين ـ فإني أختار الحل الثاني، إذ يتعين علينا أن نأخذ في اعتبارنا، لا حياة هؤلاء الأطفـال وحسـب، بل كذلك تاريخ شعب "إسرائيل" ». [4]
ذكر ناحوم جولدمان[5] في مذكراته أنه حينما قابل رئيس وزراء تشيكوسلوفاكيا عام 1935، اتهم الرئيس الصهاينة برفضهم الاشتراك في المحـاولات الراميـة إلى مقاطعـة هتلر، بل تخريبها بإبرامهم اتفاقية الهعفراه (اتفاقية تهجير اليهود مقابل فك المقاطعة اليهودية للبضائع الألمانية). وكان تعليق جولدمان الوحيد على ذلك أنه شعر حينذاك بالبؤس والخجل إلى درجة لم يشعر بها من قبل، وأن رئيـس الوزراء كان على حق فيما يقول. ومما يجدر ذكره أن اتفاقية "الهعفراه" ظلت سارية المفعول حتى عام 1939 مع نشوب الحرب العالمية الثانية، ثم توقف العمل بموجبها ولكن دون أن تُلغى رسمياً.[6]
التعاون مع بريطانيا، وقيام "اسرائيل"
دعا بن غوريون صهاينة العالم -رغم معارضته للكتاب الأبيض- إلى التعاون مع بريطانيا في الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) وتأييدها في الحرب "كما لو لم يكن الكتاب الأبيض موجودا"، وفي الوقت نفسه دعاهم إلى محاربة الكتاب الأبيض "كما لو لم تكن الحرب مشتعلة".
بعد إقامة دولة الكيان الصهيوني عام 1948 أصبح بن غوريون أول رئيس وزراء لها، وعمل فور توليه منصبه الجديد عام 1948 على توحيد العديد من المنظمات الارهابية الصهيونية التي كانت موجودة آنذاك (عصابات (الارغون=الايتسل) و(الليحي=شتيرن) و(سرايا البالماح=سرايا التحطيم)) في قوات واحدة تحت لواء جيش الحرب الصهيوني.
بن غوريون والمذابح ضد العرب الفلسطينيين
لم تكن مذبحة دير ياسين هي الوحيدة رغم أنها الأشهر في قيادة بن غوريون بل سبقها وتلاها عديد المذابح الدموية وفي ذلك قال المورخ "آدم راز" للإذاعة الصهيونية عام 2021 [7]إلى أنه من بين المذابح البارزة فظائع شهدتها قرية صلحة وقرية الصفصاف وقرية الدوايمة، موضحا أنه في شهري تشرين الثاني – كانون الأول 1948، عندما هدأ ضغط الحرب، تفرغت الحكومة الإسرائيلية لمناقشة التقارير حول المذابح، التي وصلت إلى علم الوزراء بصور مختلفة.
وفي جوهر استخلاصاته يؤكد المؤرخ الإسرائيلي أن هناك سياسات منهجية خلف المذابح بقوله: “إن الاطلاع على محاضر الجلسات لا يترك أي مكان للشك: قيادة الدولة عرفت في الوقت الحقيقي عن الفظائع التي رافقت أكثر من مرة احتلال القرى العربية”.
وقّع بن غوريون مع ألمانيا الغربية عام 1952 اتفاقاً لتعويض اليهود المتضررين من العهد النازي (الهولوكوست). ويذكر ناحوم غولدمان في مذكراته أن سياسة بن غوريون قامت على التفوق العسكري والتخويف معًا.[8]
اعتزل الارهابي بن غوريون الحياة السياسية عام 1970 وألف العديد من الكتب منها "إسرائيل.. تاريخ شخصي" Israel A Personal History الذي أصدره عام 1970، و"اليهود في أرضهم" Jews in Their Land الذي صدر له بعد عام من وفاته عام 1973 عن 87 عامًا.
ناحوم غولدمان في رواية له عما دار معه من حديث في أحد الليالي في بيت بن غوريون، يقول: بدا عليَّ التفاؤل، وكان بن غوريون متشائمًا. سألته عن سبب ذلك، فقال: “أعرف تماما أين سأُدفن: في دولة "إسرائيل". وعندي تقدير: احتمال كبير أن يدفن ابني عاموس في دولة "إسرائيل" أيضا. أما حفيدي ألون، فليس لي ثقة بأنه سيدفن هنا (في دولة "إسرائيل"). عندها سأله غولدمان: "كيف تنام وكل هذا التشاؤم في رأسك؟"، فردّ عليه بن غوريون: "من قال لك إنني أنام".!؟[9]
الحواشي الهامة:
[1] كان والد بن غوريون منتميا الى منظمة أحباء صهيون.
[2] لمراجعة موسوعة المصطلحات في مركز مدار للدراسات الإسرائيلية.
[3] الييشوف كلمة عبرية معناها الاستيطان حسب الموسوعة الفلسطينية. وتطلق في الكتابات الصهيونية على التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين قبل قيام الكيان الصهيوني. وتقسم الكتابات الصهيونية تاريخ الييشوف إلى مرحلتين:
1) مرحلة ما قبل عام 1882، وفيها الييشوف القديم ويتكون أساسا من يهود متدينيين لم يتجاوز عددهم في نهاية هذه المرحلة 24 ألف نسمة كانوا موزعين في أربع مدن هي القدس* والخليل* وصفد* وطبرية*. وكانت غالبيتهم تعيش على الصدقات والمعونات المرسلة اليهم من يهود أوروبا وتعرف باسم “الهالوكا”. وقد تكون الييشوف القديم من فئتين منفصلتين هما السفرديون* والأشكنازيون*، ولكل طائفة مؤسساتها الدينية الخاصة.
2) مرحلة ما بين 1883-1948، وفيها الييشوف الجديد، وهو التجمع الاستيطاني الذي نشأ بعد عام 1882 من الهجرات الصهيونية المتتالية إلى فلسطين بهدف تنفيذ المشروع الصهيوني.
[4] د.عبدالوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، المجلد الثاني ص694
[5] ناحوم غولدمان: ولد العام 1895 في بيلاروسيا، وهو أحد مؤسسي المركز اليهودي العالمي، ومن أشد أنصار إقامة "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين حماسة. حضر جميع دورات المؤتمر الصهيوني، وتولى رئاسة المنظمة الصهيونية العالمية منذ 1956 حتى 1968. وبعد حرب 1967 أخذ غولدمان ينادي بعدم جدوى تحقيق أمن (إسرائيل) عن طريق القوة العسكرية وبضرورة التفاهم مع العرب. ومن هذا القبيل يأتي مشروعه لحل القضية الفلسطينية. ودعا الحكومة الاسرائيلية الى الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية والشروع في مفاوضات معها. توفي العام 1982 في القدس.
[6] المسيري، المصدر السابق، ص 700
[7] القدس العربي عام 2021 في مقال وديع عواودة بعنوان: مؤرخ إسرائيلي: هكذا دفن بن غوريون قضية المذابح بحق الفلسطينيين.. وهكذا “شجع العرب على الهرب”. ويمكن الرجوع لتفاصيل مرعبة في كتاب التطهير العرقي في فلسطين للكاتب الإسرائيلي التقدمي إيلان بابيه وترجمة أحمد خليفة.
[8] مذكرات ناحوم غولدمان، ترجمة دار الجليل، ص308
[9] كما ورد في مقال عماد شقورفي صحيفة القدس العربي عام 2022 تحت عنوان: من "إسرائيل" حتى أمريكا: هكذا تنهار الدول والإمبراطوريات.
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio