مارون سَامي عَزّام في مقاله:
أصبح الفيسبوك مصدرًا لأي خبر هام أو غير هام، المهم أن ينشُر النّاس أي شيء، للفت انتباه الجميع، ليغدو نجوم الإعلام الجديد بأي ثمن
فَقَدَ العديد من النّاس الحياء، بعد أن أدخَلوا الفيسبوك إلى خصوصيّاتهم الاجتماعية التي أصبحت علنيّة في ثوانٍ، باتت حديث المجتمع، لأنهم يحبّون صناعة حدثٍ مُدهش، يلقى صدى واسعًا
خلاّط الفيسبوك فَرَضَ علينا مُكرهين أن نعيش في واقع وهمي، يعجُّ بالتناقضات في كافّة المجالات، خلَطَ فيه المشاعِر الدّينيّة، بعد أن أضاف البعض "ركنًا للصّلاة" فيه، كي تخشع فيه نفوسنا!
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });إن شعار "الإعلام الاجتماعي الجديد"، الذي يقوده بقوّة الفيسبوك، بات اليوم يسكُن بيننا، سواء على جهاز الكومبيوتر الشّخصي، أو كتطبيق مُدمَج بهواتفنا الذكية، غيّر نظام العالم الذي كان سائدًا قبل عقد من الزّمن، لقد قلَبَ الأحداث العالمية والعربية وحتّى المحلية والشخصيّة، إلى أن جعله العالم خلاّطًا ضخمًا للأحداث المتنوّعة.
أصبح الفيسبوك مصدرًا لأي خبر هام أو غير هام، المهم أن ينشُر النّاس أي شيء، للفت انتباه الجميع، ليغدو نجوم الإعلام الجديد بأي ثمن... أن يجعلوا من أنفسهم شخصيّات اعتباريّة مؤثّرة من خلال صفحاتهم على الموقع! هكذا تفشّى هذا الوباء التكنولوجي المدعو "فيسبوك" في كل طبقات مجتمعنا، لا يمكن للنّاس الشّفاء منه، لم يعُد حكرًا على أحد!
أدمنوا عليه، وبدأوا يهلوسون بمضامين منشوراتهم اليوميّة، بالأخص عندما يترك العديد من المنتسبين آثار بصمات "إعجابهم" بوفاة شخصٍ ما، وكأنّ موته نال استحسانهم، بعد أن وصَل سنّه خلال فترة زمنية قياسيّة إلى خط نهاية عُمره، لذلك استحقّ تقديرهم، أليس هذا مؤسف حقًّا!! لكن في كثير من الأحيان نجد العاقل الذي يكتب "الله يرحمه".
المولِّدون الرئيسيّون لهذا الخلاّط، هُم الأشخاص المتواجدون يوميًّا على الفيس، من حمَلَة الهواتف الذّكية التي تحوّلت إلى آلات تصوير بتقنيّة عالية، وجودة فيديو عالية الجودة، منحت أصحابها "فرصة التسلية"، بالتقاط الصّور لأي جَلسَة عائلية أو جلسة انبساط مع الأصدقاء، ومع انتشار الإنترنت الخليوي في كل مكان، أصبح من السّهل نشر أي شيء على الميدان الإعلامي للفيس!! ومن هنا بدأت الأحداث الشخصيّة والعامّة والإخباريّة، تتداخل ببعضها البعض في هذا الخلاّط الحديث، الذي لخبط كياننا.
فَقَدَ العديد من النّاس الحياء، بعد أن أدخَلوا الفيسبوك إلى خصوصيّاتهم الاجتماعية التي أصبحت علنيّة في ثوانٍ، باتت حديث المجتمع، لأنهم يحبّون صناعة حدثٍ مُدهش، يلقى صدى واسعًا، فيقومون بالتقاط الصّور التذكاريّة، أو تصوير لقطات فيديو قصيرة لأي حدث عائلي خاص، الذي أخرجوه بتلقائية لا مثيل لها ومنتجوه بعفويّة! ويبقى السّؤال يا ترى من هُم الذين لعبوا الأدوار الرّئيسيّة في موقع التّصوير؟!...
... الإجابة سهلة، أهاليهم وأصدقائهم ومعارفهم، الذين لمعوا في الرّقص، "وتميّزوا" باستعراض أزيائهم، فهذه الأمور تُدهش مُحبّي الاستطلاع في الفيسبوك، الذي يمثّل مجتمعنا، فتنهال على الحدث التعليقات السخيفة، والكلمات التعبيريّة، التشجيعيّة الأكثر استعمالاً في عالم صحافة الفيسبوك الفوريّة، مثل "منوّرين"، "يمّا محلاكو"... "مبروك" وغيرها. أصاب الفيسبوك الإنسان بانفصام في حياته، فخلال النّهار يظهر بحياته العامّة، وفي الليل يعيش حياته الخاصّة التي خصّصها لساكني دولة الفيسبوك.
هناك خلطة جديدة نجدها في خلاط الفيسبوك، اسمها الخلطة الشفائيّة، أشاهد أحيانًا مريضًا يقوم بنشَر صورته، يتلقى العلاج في المستشفى، ليبدأ "أطباء وممرّضات مستشفى الفيسبوك"، بحقن وريده بجهاز المعنويّات، يتمنّون له الخروج بسرعة من ضائقته الصّحيّة، هكذا أنشأوا قسمًا خاصًّا للطوارئ، والحالات المَرَضِيّة المستعصيّة. الفيسبوك يحتوي اليوم على مليار منتسب، وفي إسرائيل القوة التكنولوجيّة العُظمى، لغاية شهر أيلول 2016، بلَغ عدد الإسرائيليين في منتدى الفيسبوك 4 ملايين منتسب.
إن هذا "الإعلام الاجتماعي الحضاري"، أحاط حياة البشر بأسوار وهميّة من الحياة الافتراضيّة التي بنوها على بنية الفيسبوك، فإذا اخترقوها، سيرون وجههم الحقيقي، وليس كل ما يُنقَل إليه يكون واقعيًّا، قد تكون أحداثًا مُفبركة وأخبارًا كاذبة، لا تعكس الواقع الحقيقي الذي يعيشه النّاس، فهُم يعكسون ما يريدون أن يراه المجتمع فقط...
... لا يعلمون أن موقع الفيسبوك جعلهم عبيدًا عنده، ركّز بؤرة تركيزهم على أيقوناته الشّعوريّة الشّهيرة. في عصر تكاثر خلايا الأخبار الكاذبة التي يُطلقها الفيسبوك وجميع وسائل التواصُل الخبيثة... عفوًا الحديثة، طفَا على وجه محيط الإنترنت مصطلحٍ جديد اسمه الـ Fake News، يعني الأخبار الكاذبة، كالتي يُروّج لها بعض قراصنة هذه المواقع، لخلقِ بلبلة تواصلية بين البشر.
أكثر الخلطات إبهارًا، لها نكهة غير شِكِل في الفيسبوك، تبقى ملتصقةً بصفحاتنا لفترة ما، ألا وهي الاستعدادات الأخيرة لرحلة اكتشاف سِحِر السّفر إلى خارج البلاد، فنقطة الإقلاع لا تبدأ من المطار، بل من محطة الفيسبوك، ويُخبِر هؤلاء المسافرون طاقم العاملين أن عليه الاستعداد لوداعهم، بكتابة تعليقاته مثل "انبسطو"، "نيّالكو"، التي يكتبها عادةً، وكأنهم يهاجِرون وطنهم، مع أنّهم هَجَروا وطن العقلانيّة.
خلاّط الفيسبوك فَرَضَ علينا مُكرهين أن نعيش في واقع وهمي، يعجُّ بالتناقضات في كافّة المجالات، خلَطَ فيه المشاعِر الدّينيّة، بعد أن أضاف البعض "ركنًا للصّلاة" فيه، كي تخشع فيه نفوسنا!! وعندما نُغلق ديوان الفيس نُصاب بغيبوبة جديدة، أسمّيها غيبوبة اليقظة، لبضع لحظات، لنعود إلى واقعنا، كأنّنا كنّا نعيش على كوكب حدَثِي آخر!!
هذا سَرد لميزات الخلاّط العصري للأحداث، الفيسبوك، الذي يعتمد عليه العالم بأسره، يُعتبر اليوم وسيلة تأثيرية مصيريّة، تُحدّد مصير الشّعوب، كما تستطيع أن تقضي على مستقبل أي شخص بمجرّد التّشهير به، لكن هذا الموقع المتحكّم بحياتنا، لم يعُد يجذب الجيل الصّاعد، ويعتبرونه بالغًا في السّن، بعد اكتشافهم لمواقع برّاقة وحيويّة أكثر، مثل الإنستجرام، واتس أب، سناب تشات... فيا ليت الجميع يكتشف أن هذا الخلاّط العملاق، ليس إلاّ مستوطنة إعلاميّة أمريكيّة مهولة، استوطنت جميع جوانب حياتنا، يجب اتّخاذ الحذر منها!!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio