فادي عباس في مقاله:
العُنف المستشري والأزمات الاجتماعية التي تعصف بمجتمعنا، ما هي إلّا نتاج تقطّبات وعصبيّات متجذّرة في النفوس
يعتقد الكثيرون أن دور الأحزاب الحقيقيّ على الساحة السياسية يحب أن يكون على المستوى القطري والبرلمانيّ، ولكن الواقع والحقيقة غير ذلك
ربّما كانت ساحات العمل البلدي هي الحلقة الأولى والحقيقيّة للنضال ضدّ عدائنا لأنفسنا أوّلًا واحتياجاتنا اليومية السياسية والاقتصادية والاجتماعية
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });إنّ الأزمة الانتخابية التي يعاني منها المجتمع العربي في الداخل، والتي تتلخص باختصار شديد بالمصالح الضيّقة، سواء شخصيّة أو حزبيّة أو عائلية، أو لأيّ مجموعة سياسيّة أو شِبهَ سياسيّة، تتّضِحُ جَلِيًّا وبِشَكلٍ صارخٍ وفاضحٍ في انتخابات السلطات المحلّيّةِ على وجه الخصوص، وإن كانت تجلّياتها واضحةً في بعض الأحيان في الصراعات والنزاعات الحزبيّة على المستوى القُطري، سواء كانت في فترة انتخابات الكنيست، أو في المفاوضات والمشاحنات والنزاعات الحزبيّة خلال ما شهدناه من مفاوضات إبّان تشكيل ما سُمّيَت - مجازًا - القائمة المُشتركة، ولا ننسى الخلافات التي طغت على العمل السياسي والجوّ العام لمدة سنة تقريبًا، خلال "الملحمة الأسطورية" التي شهدناها في الأشهر السابقة، ألا وهي "إلياذة التناوب"، أو حتّى على مستوى التصريحات والمواقف المتفرّقة خلال العديد من المحطّات في تاريخنا السّياسيّ المحلّي المعاصر.
المشكلة في السلطات المحلية خاصة، وفي الانتخابات في الوسط العربي عامّةً ليست في الانتخاب بقدر ما هي في الوعي، وهناك فجوة في ما يستطيع رئيس البلدية ان يفعله وبين ما يتصوره الناس، فضلًا عن الرؤية الضيقة للغالبية العظمى، سواء مرشحين او ناخبين، وفي المحصلة ففي حالة السلطه المحلية ابن البلد يستطيع ان يعمل لمصلحة البلد ولحل مشاكلها اكثر من غيره لانه يعيشها، ولكن بين الاستطاعة وبين الإعتبارات الكثيرة للرئيس والاعضاء والمرشحين والناخبين، والدعم او الاعتراض على اسس شخصية او حزبيه لا مبدئية كثيرًا ما تعيق اقرار ما هو مفيد، وكثيرًا ما تقرر تنفيذ أمورًا إما أقل فائدة في أحسن الأحوال، وفي أسوئها تكون ذات ضرر كبير، وهذه المشكلة الأخيرة كثيرًا ما تنعكس في كثير من البلديات والمجالس المحلية، وكذلك بين الأحزاب والمؤسسات القطرية، ويصبح التصويت على أي اقتراح على أساس شخصي أو حزبي دون اعتبار للاقتراح نفسه، يصبح أكثر مأساويّةً حين يصدر ممّن ما فتِئوا يعتبرون أنفسهم أصحاب الوعي والثقافة والثوابت، مدّعين أنهم متنوّرون وتقدّميون وينادون بنبذ الطائفية والحمائلية والمنطقية، ثمّ تكون المأساة فيهم على الجمهور حين يستبدلون العصبيّات المذكورة بالعصبيّة للحِزب، سواء كان موقفه صحيحًا أم لا.
إنّ العُنف المستشري والأزمات الاجتماعية التي تعصف بمجتمعنا، ما هي إلّا نتاج تقطّبات وعصبيّات متجذّرة في النفوس، وتغذّيها موارد عِدّةٌ بعضها نابعٌ من الفراغ الثقافي والسيكولوجي المتراكم الذي غذّته قرون من الاستغلال والاستعباد والتخويف والتجهيل، والذي مورس على مجتمعنا طوال مئات السّنين، ثمّ تلاه انفتاحّ سريعّ وغير محسوب من ناحية، ومن الناحية الأخرى، فقد قامت المؤسسة الحاكمة بتغيير الكثير من المعالم الاجتماعية والعادات والتقاليد التي كانت مألوفة ومتعارف عليها لدى الآباء والأجداد، وفي نفس الوقت، لم تقم بدورها وواجبها القانوني بحفظ الأمن والأمان بين السكان العرب على الوجه المطلوب.
إن المُشكلة الأكبر التي يعاني منها مجتمعنا ليس في كلّ ما تقدّم شكره، ولكن في غياب الوعي والحرص على الوحدة الاجتماعية لدى من يُعتبرون "النخبة" أو القيادة من أبناء مجتمعنا، وعلى رأسهم وفي مقدّمتهم الأحزاب السياسية العربيّة التي لها مساهمة كبيرة في هذا الصدد، بصرف النظر عن النوايا التي يُضمرها أصحابها وقادتها في نفوسهم.
لقد أجمع جميع فلاسفة المجتمع والقانون على مرّ التاريخ، منذ سقراط وأفلاطون وأريسطو، وحتّى جون لوك وهوبز وكانت وغيرهم، على أنّه لا يمكن أن تترك للناس في أيّ مجتمعٍ بشريّ الحرّيّة المطلقة دونما نظام أو رادع أو قانون يحكمهم، وإن تباينت آراؤهم بالنسبة للمصدر المطلوب لهذه القوانين والقواعد التي من المفروص أن تحكم تصرفاتهم وعلاقاتهم، وليس هذا فقط، ولكن في وجوب سلطة تمتلك القوّة والشرعيّة لفرض هذه الأسس والقوانين.
بالعودة إلى مجتمعنا العربيّ، فبعد أو عانى مجتمعنا ما عاناه على مرّ التاريخ، فقد كانت هناك الكثير من العادات والتقاليد وأصول التصرّف الاجتماعي التي حكمته العائلية والقبلية وأنظمة ما يسمّى : الشرع العشائري، والذي فيه ما فيه من العلل والنواقص، وخاصّة، في الاحتياجات والمتطلبات اليومية للمجتمعات الحديثة.. ولكن ما يهمّنا من ذلك أن السواد الأعظم من أبناء هذا المجتمع كان يحترم قرارات قضاة الصلح العشائري وتوجيهات زعماء القبائل والحمائل، ويصرف بموجب أوامر "كبير العائلة" سواء أكان راضيًا أو مغلوبًا على أمره، وبالتالي، فإنّ سطوة وسلطة هؤلاء الزعماء كانت قرارات ملزمة ويمكن فرضها على المجتمع، ورغم كلّ ما عليها من ملاحظات، فإنّ كونها ملزمة وقابلة للفرض على أبناء العائلة من قبل كبيرهم كان يعني الالتزام ومنع العديد من المشاكل والاحداث من الحدوث، وإن حدثت فمنعها من التفاقم (وجب التنويه هنا إلى أن احترام القوانين لا شكّ أنه نابع لدى الكثيرين من الخوف من طائلة القانون وعقوباته وليس من نظرة شمولية للمصلحة التامة التي ستعود بالفائدة على الجميع).
وبناء على ما تقدّم، فقد كان من المفروض على الأحزاب العربيّة والشخصيات السياسية العمل بأقصى جهدهم على محاربة العصبيّة العائليّة وبناء الإنسان والمجتمع على أسس حديثة يحترم فيها الإنسان كإنسان بصرف النظر عن انتماءاته العائلية والطبقية، من أجل النهوض بالمجتمع وانهاء حالات العصبية المقيتة، مع المحافظة على احترام الانتماءات والحلقات والدوائر الاجتماعية والعائلية.
ولكن ما حدث على أرض الواقع لم يكن كذلك، ولكن أحزابنا الموقّرة بدلًا من أن تحارب العصبيّة وتبقي على احترام الروابط الأسريّة، فقد قامت بمحاربة وتفكيك الروابط الأسريّة والاجتماعية، وفي نفس الوقت، فقد تبنّت العصبيّة وجيّرتها لصالحها بدلًا من محاربتها، والشواهد كثيرة ومتعدّدة على الكثير من احداث العنف والمعارك الضارية بين أشخاص أو مجموعات لا يوجد أيّ شيء في الدنيا يمكن أن يختلفوا عليه، سوى اختلاف انتماءاتهم الحزبيّة، فضلًا عن تأييد قرارات واقتراحات، ومعارضة قرارات او اقتراحات فقط بموجب تأييد صاحب الاقتراح او معارضته وبحسب انتمائه الحزبي، ودونما تفكير بالمقترح، وعدم الاتيان بمقترح بديل او اقتراح تعديل مبني على دراسة او تجربة او حوار مهني وموضوعي على سبيل المثال، ما هو إلا أحد الشواهد والدلائل الكثيرة على ذلك، ولو نظرنا إلى معظم البلدات العربيّة، وتابعنا الحملات الانتخابيّة، لوجدنا في كلّ واحدة منها من يطرح شعار التغيير، وهو مطروح من الجميع، ودون استثناء تقريبًا (مضافًا إلى مصلحة البلد طبعًا).
السواد الأعظم منهم لا تدري ما التغيير الذي يقصده بالضبطّ، سوى أنه يريد تغيير شخص الرئيس، ولا يقدّم أي برنامج واضح ومحدّد، وربما لا يملك هكذا برنامج من الأساس، وهذا - بالطبع - فضلًا عمن يطرح شعار المهنيّة، ولكنك لا تدري عن أي مهنيّة يتحدّث، وخاصّة حين تكون مهنيته ودراساته وخبرته هو بالذات لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بعمل السلطات المحلّيّة، كذلك، فإنّ تراجع الوجود الحزبي والدور الحزبي (الذي كان هزيلًا أصلًا) في معظم البلدات العربية في السنوات الأخيرة واضح أمام الجميع، ولكنه - على ما يبدو - ليس أزمةً عابرةً وإنّما انتكاسةً حقيقيّة ومتجذّرة، ولعلّ "خير" دليل على ذلك هو ما يحدث في مدينة الناصرة في هذه الأيّام، فبصرف النظر عن الموقف من أيّ من المرشحين، وبصرف النظر عن الموقف السياسيّ من الجبهة، فإنّ تراجع حزبٍ كالجبهة عن طرح برنامج بديل موضوعي ومهني، بصرف النظر عن مدى تأييد الجمهور له، واقتصار حملتهم الإنتخابيّة على عمل كل ما يمكن عمله من أجل إفشال مرشّح آخر - أي مرشّح - سواء كان رئيسًا حاليًّا أم لم يكن، وبصرف النظر عن اسمه، لا يدلّ سوى على إفلاس فكري وسياسيّ للحزب صاحب الأسبقية الزمنيّة - على الأقل - من بين جميع الأحزاب السياسية الفاعلة في المجتمع العربيّ، ولا يبدو، من قراءة الأحداث أنّ الأحزاب الأخرى أوفر حظًّا أو أفضل أداءً في النتخابات البلدية التي حتّى عندما كانت الأحزاب تخوضها فقد كانت تفعل ذلك من خلال ائتلافات عائلية ومبنيّة على تغيير الشخص لا النهج، وكانت ترافق العملية الانتخابات فيها العصبية ذاتها، ولكن العصبية الحزبيّة.
يعتقد الكثيرون أن دور الأحزاب الحقيقيّ على الساحة السياسية يحب أن يكون على المستوى القطري والبرلمانيّ، ولكن الواقع والحقيقة غير ذلك، فلربّما كانت ساحات العمل البلدي هي الحلقة الأولى والحقيقيّة للنضال ضدّ عدائنا لأنفسنا أوّلًا واحتياجاتنا اليومية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، قبل المطالبة النظريّة من على المنابر البرلمانية والدوليّة ب-"حقوقنا الشرعيّة"، ثمّ إن هذا لا يتناقض مع ذلك، ولكنه - على ما يبدو - يتناقض مع المصالح الحزبيّة، المبنيّة - أساسًا - على الخطابات الناريّة والمواقف العاطفيّة، والعصبيّات الشخصيّة الفرديّة والحزبيّة.
نحف
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio