لم يخطر على بالي، أن الأغنية التي أعشقها، لعبدالوهاب ياما بنيت قصر الأماني، من تأليف محمود حسن إسماعيل، والتي تنتهي بمقطع يا نوال فين عيونك، ستكون يوما سؤالا يسكن قلبي. ولكن هذه هي الحياة، التي نتشبث بها، رغم شكوانا من قسوتها، وعدم عدالتها.
نحن نصحو من النوم، ولا نعلم ماذا تخبئ لنا شمس الصباح، وما الذي ترتبه لنا الأقدار في هذا اليوم. نصحو من النوم، وربما من عدم النوم، وإرهاق الأرق، لا ندرك ماذا سيأخذ منا هذا التاريخ الجديد، منْ سنفقد من الأحباء، وكم هي درجة الزلزال الذي ستتعرض له، أحلامنا قبل بيوتنا.
وها هو اليوم، صحوت من النوم، أرتشف قهوة الصباح، كالعادة لامحوجة، كالعادة متوجسة. مع كل رشفة، أحاول استعادة طاقتي التي فقدتها على وسادة الليل.
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });المرأة التي أضاءت لي عتمة الدروب، المرأة التي لم تغمض عينيها في عالم لا يحب إلا النساء المغمضات، المرأة التي وهم يغلقون عليها الأبواب، وزنزانة السجن، لم تغلق عينيها، وحينما انطفأت كل الأشياء في حياتها بقي بريق عينيها يهبها الشجاعة والثبات على المبدأ، أحد كتبها أعطته عنوان «امرأة تحدق في عين الشمس»، واصفا شخصيتها في مواجهة العالم. وكيف لا تحدق في الشمس، وقد قالت عن نفسها: «أنا ابنة الشمس».. وحين وصفها يوسف إدريس، كتب قائلا: «نوال قطعة ملتهبة من الشمس، انفصلت عنها ولا أظن أنها ستعود». عشت معها كل العمر، ولم أرها تستعمل «نظارة الشمس»، مهما كانت قوة الشمس، وحرقة أشعتها. فكيف يمكن للشمس، أن تحتجب عن ذاتها؟، وهل يمكن للضوء أن يهرب من نفسه؟.
جاء يوم أصحو فيه من النوم، مستعدة، مهيأة، لأن أرى الدنيا من جديد، فإذا بها، لا ترى ما كانت تراه، بدقة، وحدّة. الكلمات، التي هي حياتها، ورئتاها، وأنفاسها، تختفي.. السطور التي تودعها أفكارها، وتمردها، وفلسفتها، لا تنعكس على عدسة عينيها.
جاء يوم، أصحو فيه من النوم، فلا أجد الشمس التي غمرتني بفيض الدفء، وكرم النور المبهج. كانت في شبابها، فاتنة سمراء ممشوقة القوام، متفوقة، صعبة الأحلام.. يقع كثيرون من طلبة الطب، في غرامها. يكرهون التمرد، والحرية في النساء. لكن معها، عشقوا التمرد، وأحبوا الحرية، من أجل «عينيها» السوداوين.
لكن عيناها السوداوان، اختارتا زميلها، زعيم الكلية، هادئ الصوت، وسيم الملامح، مؤسس مجلة «شعلة التحرير»، قائد المظاهرات الشبابية. يجلسان معا على شاطئ النيل، يتحدثان عن الكتابة، والفن، والأدب، وفساد النظام، وقراره بالانضمام إلى كتيبة الفدائيين في الحرب، وأيضا عن الحب، وكيف وجد في بريق عينيها الحرية التي يحلم بها. كان هذا الرجل «أبي»، أحمد حلمي، الذي أحمل اسمه، ولم أعش معه.
هي التي عشت معها، كل سنوات عمري. كنت ألقي بنفسي في الجحيم، أخوض التجارب الصعبة، أسافر إلى الغابات والأدغال، أواجه الأخطار، أعلن التمرد، كل هذا وأنا «مطمئنة». لأنها دائما هناك، موجودة، تستقبلني، تشاركني، تقويني، تشجعني، تفهمني، تقرؤني، تمدحني. لم أكن أشيل أي هم. لأن عينيها، دائما تحرسانني، وتنيران لي طريقي، وبصيرتي، وتفخران بي حتي لو أخطأت، أو ارتكبت الحماقات.
الأمومة عندها، هي أن تجعلني حرة، استثنائية، فريدة، مبدعة، أؤمن بذاتي، وعقلي، وعواطفي، مكتفية بنفسي، أعشق الأمومة كما تفهمها، هي أن تجعلني أنا ابنتها، أما، لنفسي. أنا التي أحدد ملامحي، وغاياتي. أنا التي أفرض القيود، وأرسم الانطلاق والجموح.
هي لا تحتاج شيئا، أو أحدا. وهكذا علمتني الاستغناء عن كل الأشياء.. عن الفلوس، والرجال، والأزواج، والشهرة، ومديح الناس، والأصدقاء، والصديقات. شيء ما بها، أو فيها، يؤكد لها وهي في أصعب الأزمات، أنها ستنجو، وستنتصر، وستبقى مرفوعة الرأس، والكرامة.
لولا هذا الاستغناء، الذي ربتني عليه أمي، أعتقد أنني كنت سأنهزم في هذه الحياة. بل كنت سأنقرض، ولن يعود لي وجود. نعم، أنا «ابنتها الوحيدة». لكننا أحيانا نتبادل الأدوار. فأصبح أنا أمها، وتصبح هي ابنتي. وعند ذلك، أكتشف كم هي طفلة صغيرة، لم تغادر رغم الزمن محطة الطفولة، بكل تلقائيتها، ونقائها، وعنفوان صدقها، ورغبتها الفطرية في الرقص والغناء واللعب.
جاء يوم أصحو فيه من النوم، لأجدها تبحث عن نعمة الإبصار، كما وُلدت بها، فلا تعثر عليها. جاء يوم، أصحو من النوم، على هذا الكابوس.. «أمي»، نوال، التي تتنفس بالكتابة، لم تعد عيناها تسعفانها لأن تكتب. ولا أملك إلا أن أغني لها، مع عبدالوهاب «يا نوال فين عيونك».
من بستان قصائدي
جئت في الزمان الخطأ..
قُذفت إلى المكان الخطأ..
لكنني لا أتذمر..
ورغم عدم الارتواء..
لا أشكو الظمأ.
هذه كانت رسالة ابنتها لها، بعد خبر فقدانها للبصر بسبب خطأ طبي بعد جراحة استبدال عدسات، هذا وكشفت منى حلمي أن والدتها تلقت اتصالا من وزير الثقافة المصري قبل أن يوافق وزير الدفاع على علاجها على نفقة الدولة. ولكنّ نوال السعداوي رفضت ذلك رفضًا قاطعا وأكّدت بأنها لا تريد العلاج على نفقة الدّولة.
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio