كان الاعلان الإماراتي الاسرائيلي بتطبيع العلاقات بين الطرفين، بمثابة اخراج للنور لأمر كان لسنوات بالخفاء، وأهمية وخطورة هذه الخطوة نابعة من هذا التحول، فالتصريح العلني بالعلاقات بمثابة كسر لطابو في العالم العربي يُجرّم السلام مع اسرائيل، ويجعله غير متعلقاً بحتمية حل القضية الفلسطينية كقاعدة انطلاق لتغيير التوجه من قبل الدول العربية تجاه المؤسسة الاسرائيلية كما كانت تصريحات الأنظمة العربية لسنوات (لا أتحدث عن الشعوب العربية التي بمجملها لا ترى بالسلام مع المؤسسة الاسرائيلية، أياً كان، أمراً مقبولاًـ مع أن تغيراً في هذا الاتجاه يمكن أن يكون قد نشأ في السنوات الأخيرة ولكنه ما زال محدوداً وبحاجة لدراسة أعمق).
إلّا أن تأثير هذا الاتفاق المتوقع على فلسطيني الداخل هو الاخر موضوع مهم ويجب دراسته. ويتضح أن هذه العلاقة يمكن أن يكون لها تبعاتها في عدة اتجاهات:
- الارتهان والدخول في لعبة المحاور: لا شك أن لعبة المحاور الدولية والإقليمية واضحة في السنوات الأخيرة، ولأبو ظبي دور واضح في هذا الاتجاه، والخشية أن يتصاعد هذا الدور ليشمل فلسطيني الداخل من خلال استخدام المال السياسي وتوزيعه لشراء بعض الولاءات السياسية والمواقف في صفوف الاحزاب والحركات السياسية الفلسطينية في الداخل.
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });حالة كهذه ممكن أن تجر بعض فلسطيني الداخل للمنافحة عن الإمارات، تيارها وأجندتها السياسية بمعزل عن أولويات القضية الفلسطينية والانتماء الفلسطيني.
- الانتماء: لا شك أن التراجع الذي أصاب المشروع الوطني الفلسطيني، وحالة خصوصية الهوية (إن صح تسميتها) التي يعيشها فلسطينيو الداخل منذ النكبة، مع انتمائهم الفلسطيني وواقع معيشتهم في ظل المؤسسة الاسرائيلية، يتعقد في السنوات الأخيرة ويبدو أن توجهاً في تجاه زيادة تبني الهوية الإسرائيلية على حساب تراجع الفلسطينية بات يظهر، وخصوصاً مع تركيز عدد من الأحزاب العربية في الداخل على الشؤون الحياتية لفلسطيني الداخل والاندماج في السيرورة الاسرائيلية وضعف ممثلي المشروع الوطني الفلسطيني. ويبدو أن اتفاقاً كهذا بين المؤسسة الاسرائيلية والامارات، مع تراجع المشروع الوطني الفلسطيني، يمكن أن يساهم في هذا التوجه، خصوصاً إذا ما رافق ذلك فوائد اقتصادية. ما ذُكر انفاً لا يعني أن هناك تحوّلاً قد تم وأن الانتماء الفلسطيني بات من مخلفات الماضي، بل يشير إلى حالة اخذة بالتبلور والازدياد من شعور لدى بعض فلسطيني الداخل أنهُم ليسوا إلّا متعاطفين مع الفلسطينيين في الضفة وغزة وليسوا جزءاً من هذه القضية.
كما يمكن لهذا الاتفاق أن يُساهم في زيادة الشعور بالإحباط من الوضع العربي العام وإمكانية التغيير في العالم العربي وبالتالي انغماس أكثر في الحياة "الاسرائيلية" من قبل فلسطيني الداخل.
- التطبع على التطبيع: مع حقيقة الوعي الجمعي الفلسطيني في صفوف فلسطيني الداخل الرافض لتطبيع العلاقات بين المؤسسة الاسرائيلية وأي دولة عربية والذي كان لسنوات، ورؤية خطوة كهذه كخيانة للقضية الفلسطينية، فيبدو أن زيادة الخطوات بهذا الاتجاه وارتباطها بفوائد معينة يمكن أن يحصل عليها الفلسطينيون في الداخل، يمكن أن تُقلل من درجة رفض هذا التطبيع، أو أن تؤدي بهم بالشعور بأن التطبيع أمر طبيعي وبالتالي التطبع على واقع التطبيع وتراجع استهجانه.
- تصاعد خطاب المصالح والابتعاد عن الخطاب المبدئي: خطاب المصالح الضيقة ما انفك يحاصر فلسطيني الداخل في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع الواقع الاجتماعي، الاقتصادي والسياسي الذي يعيشه الفلسطينيون وتراجع الأصوات المنادية بالحفاظ على الثوابت وارتفاع الأصوات المنادية بالبراجماتية والالتفات لشؤون الحياة بدون ربطها بحقيقة دور المؤسسة الاسرائيلية، القضية الفلسطينية والانتماء الفلسطيني. وبالتالي مع هكذا واقع ستقل صعوبة قبول التطبيع وخصوصاً اذا جلب بعض التغيير على الصعيد الاقتصادي للفلسطينيين في الداخل، أو على الأقل، مع هذا الفردانية المرتبطة بالنجاح على الصعيد الشخصي وارتباطها بالنجاح الاقتصادي والتطور ضمن اسرائيل وليس بتحدٍ للمنظومة السياسية الموجودة، ستكون هناك حالة من الصمت او عدم الاكتراث لحالة التطبيع بالحجم المتوقع، أو كحالة الرفض الذي كان مع الاتفاقات السابقة بين المؤسسة الاسرائيلية وأطراف عربية أخرى.
- المكسب الاقتصادي: وفقاً لهذا الاتفاق من الممكن أن يكون للفلسطينيين في الداخل فرصة للعمل في الإمارات ولكن هذه الاستفادة ستكون محدودة ولقطاع جداً محدود، في مقابل الاستفادة الاسرائيلية الاقتصادية والسياسية من هذا الاتفاق. فيما ستكون وجهة سياحية كالإمارات شغلاً شاغلاً لبعض الفلسطينيين في الداخل، لتجعل البعض منهم غير مكترثاً بالتطبيع.
بالمحصلة فإن اتفاق التطبيع هذا بين اسرائيل والإمارات وخطورته مرتبطة قيمياً بواقع القضية الفلسطينية والموقف منها وسُيضعف الخطاب الفلسطيني والمناصر للقضية الفلسطينية في مواجهة الخطط والخطوات الاسرائيلية الساعية لتصفية القضية الفلسطينية، فيما سيكون فلسطينيو الداخل بين مطرقة الانتماء الفلسطيني وبين البراجماتية المفرطة!
* د.ابراهيم خطيب - باحث سياسي ومحاضر جامعي
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio