روّجت حركة حماس مصطلح "الثّوابت" في العقد الأوّل من القرن الواحد والعشرين، في حرب المزاودات بينها وبين حركة فتح، لتتّهم الأخيرة أثناء مفاوضات السّلطة الفلسطينيّة مع إسرائيل بأنّها بصدد التّنازل عن "الثّوابت" الفلسطينيّة.المقصود بالثّوابت الفلسطينيّة طبعا هي الخطوط الحمراء الّتي لا يمكن لأيّ مفاوض فلسطينيّ التّنازل عنها أمام إسرائيل، كحقّ عودة اللّاجئين وقيام الدّولة الفلسطينيّة، وكون القدس عاصمة لها. وبقي خطاب الثّوابت يغذّي نار الفرقة بين الفصائل الفلسطينيّة بعد الانفصال بين غزّة والضّفّة. لكن لا يوجد إلى اليوم أيّ دليل بأنّ أيّ فصيلٍ فلسطينيّ تنازل عن الثّوابت، رغم كثرة التّهم وارتفاع نبرة التّخوين.
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });في مرحلة لاحقة، أُعجب "عرب الدّاخل" بمصطلح "الثّوابت"، سحرتهم العبارة وغرّرت بهم، فشرعوا في استخدامها وترويجها في خطاباتهم. استعمل هذا المصطلح بكثرة تحديدًا في الشّهور الأخيرة، بعد أزمة القائمة المشتركة والصّدام بين الجبهة والتّجمع من جهة وبين النّائب منصور عبّاس والموحّدة على خلفيّة العمل البرلمانيّ. لكن بينما كان مصطلح "الثّوابت" في مزاودات حماس وفتح واضح المعنى والدّلالة، بغض النّظر من وقوعه حقيقة أم لا، إلّا أنّه ليس كذلك عند "عرب الدّاخل"، فالمصطلح لا يحمل معنًى واضحًا عند أحد، بل مجرّد عبارة ضبابيّة تُستعمل للغمز واللّمز وكيل التّهم بين الأحزاب. فالمشترك بين الاستعمالات، هو المزاودات الفارغة والتّجريح من خلال تأسيس خطاب تخوينيّ مشابه لخطاب الفصائل الفلسطينيّة لا أكثر. ناهيك عن أنّ موقع النّيابة في الكنيست الإسرائيليّ لا يخوّلك أصلا للتّنازل عن الثّوابت أو التّفاوض عليها. نائب عربي في الكنيست الإسرائيليّ، هو نائب عربيّ في الكنيست الإسرائيليّ، وليس مفاوض ولا مخوّل بالتّفاوض على القضيّة الفلسطينيّة؛ لا الشّعب الفلسطينيّ يراه كذلك، ولا إسرائيل تراه كذلك.
لكنّ بعض القيادات ونشطاء الأحزاب لا يتنازلون عن استخدام العبارة، حتّى غدت شرعيّة ومقبولة، دون أن تكون ذات معنًى أو دلالة في السّياق العام. بل وبدأ الإعلام باستخدامها في الحوارات وكأنّها حقيقةٌ واقعةٌ معلومةٌ ومفهومةٌ ضمنًا. عبارة تشقّ طريقها في غمار الحوارات والمقابلات، دون أن يسأل أحد، من أين جاءت؟ لم يتمّ استخدامها؟ وما المعنى الّذي تحمله؟!
عبارة نستسيغها ونروّج لها، في وقت ندّعي فيه أنّنا في أمس الحاجة إلى الوحدة، دون أن نشعر أنّها عبارة لم تجلب في استخداماتها إلّا الإنقسامات الفصائليّة وزيادة البغض والفرقة، والتّجربة حيّة أمامنا لمن استخدموها.
لا يمكن لقيادة واعية لعرب الدّاخل الإستمرار في استعمال هذه العبارة وترويجها من ناحية، وأن تدّعي أنّها تسعى لوحدة شعبها ووحدة قراره السّياسيّ من النّاحية الأخرى، ناهيك عن العودة لإحياء مصطلحات قديمة أخرى ظننّا أنّها انقرضت من قاموس بعض الأحزاب ولا تُستخدم في حقّ الفئات السّياسيّة الأخرى.
لغة الخطاب تدّعي أنّها تعبر عن الواقع ولها دور في إعادة صياغته من جديد؛ ومن يسعى إلى الوحدة لا يمكن أن يستخدم عبارات التّفرقة والتّخوين في لغته الخطابيّة وبياناته من خلال ممارسة خطاب "الثوابت" واتّهام الغير بـ"التّواطؤ".
يحيى دهامشة – محامٍ وقانونيّ
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio