عشت في ألمانيا سنوات طويلة، وشاركت في الانتخابات أيضاً كمواطن ألماني، ولفت انتباهي الطريقة الحضارية في المنافسة بين الأحزاب. فكل حزب ينشر دعاياته الانتخابية في أماكن مخصصة للدعايات فقط، مثل لوحات معلقة في الشوارع، لوحات كهربائية في محطات الباصات ومحطات الترام أو على لوحات ج درانية داخل محطات مترو الأنفاق المتعددة الخطوط المسمى (U-Bahn) أو المترو الأرضي المسمى (S-Bahn) .
اللافت للنظر في الحملات الانتخابية الألمانية، أن كل حزب يختار أماكن متفرقة في المدينة، حيث تقف مجموعة من ثلاثة أو أربعة أشخاص ينتمون للحزب وأمامهم طاولة عليها منشورات الحزب ويتبادلون الحديث مع المارة ويسمعون وجهات نظرهم حول برنامج الحزب. يعني كل حزب يهتم بشرح برنامجه وكيفية تنفيذه فيما لو تمكن من الفوز. والمواطن بدوره يسمع ويناقش. منتهى الرقي.
document.BridIframeBurst=true;
var _bos = _bos||[]; _bos.push({ "p": "Brid_26338945", "obj": {"id":"19338","width":"100%","height":"320"} });وللأسف ما يحدث عندنا في الحملات الانتخابية، يوحي بشكل واضح أننا لا زلنا بعيدين كل البعد عن مستوى الحضارة وحتى عن العقلانية في المنافسة. في العاشر من الشهر الحالي نشر موقع "العرب" مقالاً لي بعنوان ""كونوا على مستوى الحضارة...رسالة للقوائم العربية" خاطبت فيه القوائم العربية الثلاث المتنافسة في انتخابات الكنيست المقبلة. والقوائم الثلاث هي "المشتركة الثلاثية"، " الموحدة" ومعاً لعهد جديد". وكانت الرسالة موجهة بصورة خاصة للقائمتين الكبيرتين "المشتركة و"الموحدة" لأن التراشق الكلامي في حملتهما الانتخابية وصل إلى حد يستدعي توجيه انتقاد لهما، لأن الاتهامات هي سيدة الموقف في المنافسة، كما أن إظهار ما يراه طرف عيوباً في الطرف الآخر هو نقطة مركزية في الحملة الانتخابية.
مقالي مكتوب بأسلوب واضح جداً، بصيغة نصيحة وتمنّي على الطرفين أن يكونا مثالاً طيباً في المنافسة. لكن كلماتي لم تلق آذاناً صاغية، وهذا الأمر يعود لثلاثة أسباب: فإما أن يكون أصحاب العلاقة لم يقرأوا المقال وهذا أمر مستبعد جداً، وإما أن يكون المعنيين بالأمر لم يستوعبوا مضمون المقال، وهذا أيضاً غير معقول، أو أنهم يعتقدون بأن توجيه الاتهامات للطرف المنافس واستخدام العنف اللفظي يجلب أصواتاً أكثر. وأعتقد بأن هذا هو السبب الحقيقي والدليل على ذلك التركيز على هذا النمط الهجومي في المنافسة.
الكاتب عمر مصالحة، على حق عندما يتساءل في مقال له نشره موقع "العرب" تحت عنوان"ما بعد العنف السياسي" في السادس والعشرين من الشهر الحالي:" هل الصراع الحالي بين مركبات القائمة المشتركة وبين القائمة الموحدة، هو صراع سياسي بالمفهوم المعرف علمياً؟ وما مدى خطورة التراشق الكلامي بين ناشطي الأحزاب على أبناء الشبيبة ونحن نغرق في مستنقع العنف؟"
صحيح أن الكاتب لم يدخل مباشرة في بداية المقال في انتقاد "المشتركة "و"الموحدة" لأنه استخدم الأسلوب الصحيح في معالجة هذا الأمر، إذ بدأ المقال بالحديث عن العنف اللفظي ورأي العلماء في هذا العنف، وأطال الشرح في ذلك حتى وصل إلى الفقرة الأخيرة في مقاله، والتي يطرح فيها مجموعة من الأسئلة تتعلق بالقائمتين المذكورتين.
وقد أعجبتني بالفعل أول جملة في بداية المقال والتي يقول فيها:" أن العلماء يعرّفون العنف اللفظي بأنه استعمال عبارات مخلة بالآداب والأخلاق". وهذا يعني بوضوح أن أسلوب استخدام العنف اللفظي في المنافسة الانتخابية هو أسلوب لا أخلاقي، كما يراه العلماء.
ما يتم نشره من فيديوهات ونصوص في وسائل التواصل الإجتماعي هو أمر مريب حقاً، ولا يمت إلى المنطق بصلة، أي منطق المنافسة الشريفة في الانتخابات. المنافسة بصيغتها الحالية غير شريفة وغير مقبولة في معظمها. أين البرامج الموضوعة للمواطن؟ لماذا لا يتم التركيز عليها وعلى التحذير من اليمين ولا سيما من نتنياهو والقيام بشرح وافٍ عن أهداف نتنياهو وطبيعة اليمين الإسرائيلي الذي يمثله نتنياهو.
يخيل لي وأنا أتابع ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي، عدم وجود منافسة ديمقراطية بين القائمتين، إنما هناك صراع ديني بينهما أي صراع قوي بين قائمة تتمسك بالدين وقائمة تتمسك بالعلمانية. ولكن أين مصلحة المواطن؟ ولذلك أقول للمتنافسين مرة أخرى: كونوا على قدر المسؤولية تجاه أنفسكم وتجاه الناخب، وابعدوا فيديوهات ودعايات التجريح في منافساتكم، فذلك خير لكم إن كنتم تعقلون.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com
عنوان: اختبار طريقة اختبار الشارع P.O. 60009 دولور / ألاسكا
الخامس +1 234 56 78
فاكس: +1 876 54 32
البريد الإلكتروني: amp@mobius.studio