الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 12:01

موقف الإسلام من تطبيق السلامة والصحة المهنية

بقلم: ا. مالك محمد سلهب

ا. مالك محمد
نُشر: 01/02/21 14:29,  حُتلن: 17:19

نظراً للثورات التقنية والصناعية التي شهدها العالم، وما صاحب ذلك من تطور الصناعات المختلفة، فقد نتج عن هذا التطور الكثير من المخاطر التي ينبغي على الإنسان إدراكها وأخذ الحيطة والحذر من الوقوع في مسبباتها.

"حفظ النفس والمال" من مقاصد الشريعة الإسلامية
جاءت الشريعة الإسلامية لتحفظ هذه الضرورات: النفس والدين والنسب والعقل والمال، وتركيزي هنا عن حفظ النفس والمال، حيث أوجب الشرع العناية بتوفير كل ما تتحقق به حمايتها وبقاؤها، قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، وكذلك الحفاظ على ممتلكاتنا وأموالنا من الهدر والاتلاف.

وحيث أرشدنا المولى عز وجل إلى الأخذ بكل الوسائل المؤدية للنهوض في كل مجالات الحياة، وقد نبَّه إلى أهمية العمل، وبين أنه سبحانه يطلع على كل ما يعمله الإنسان، قال تعالى: (وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ)، وأمرنا بالتعاون على البر والتقوى، ونهانا عن التعاون على الإثم والعدوان، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
وقد خلق الله عز وجل البشر واستخلفهم على هذه الأرض التي أودع فيها الخيرات والثروات، طالبًا منهم عمارتها واستخراج أرزاقهم منها بما وهبهم من قدرات وإمكانات، قال سبحانه: (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فيهًا). وقال عز وجل: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، وقد امتنّ علينا بخلق ما يحمينا ويحفظنا؛ فقد خلق الظلال التي نتقي بها أشعة الشمس، والمنازل التي نتقي بها الريح والمطر وتحفظنا آمنين؛ والملابس التي تقينا أضرار الحر والبرد؛ والدروع التي نتقي بها الحروب؛ فقال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾.

وسأستعرض هنا ما ورد في فتوى أمانة مجمع الفقه الاسلامي الدولي حول أهمية السلامة والصحة المهنية للعاملين ومشروعية أهدافها، ولزوم الالتزام بمعاييرها ووجوب تطبيق إجراءاتها، وعليه فإن أمانة مجمع الفقه الاسلامي الدولي تؤكد على التالي:

أولا: إن من المصالح المعتبرة شرعا وجود المؤسسات والهيئات والمنظمات المتخصصة التي ترعى قضايا السلامة والصحة المهنية للعاملين. وتتابع شؤونها؛ وتوليها الاهتمام اللائق بها، ولعلها تدخل ضمن الداعين إلى الخير الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الذين وصفهم المولى عز وجل بالمفلحين. قوله سبحانه: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ).

ثانيا: إن وضع الإجراءات والمعايير والاشتراطات المتعلقة بسلامة العاملين وصحتهم أمر مطلوب شرعا وإن تنفيذ هذه الاشتراطات واتباعها واجب على كل ذوي الشأن؛ من عاملين وإداريين وأصحاب العمل على جميع المستويات. حيث قد أمرنا المولى عز وجل بالإحسان وحذرنا من الوقوع في التهلكة بشتى أنواعها قال تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). وورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان بسنديهما عن ابن عمر عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).

ثالثا: تهيب أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي بالمؤسسات والمنظمات والهيئات ذات العلاقة بالاستمرار في بذل الاهتمام اللائق بكل قضاياها، وتدعو حكومات الدول الإسلامية إلى العمل على استصدار الأنظمة والقوانين واللوائح التي تراعي قضايا السلامة والصحة المهنية بما يتناسب مع المصلحة العامة للعاملين في كل المجالات، مع العمل على وضع الآليات اللازمة لمتابعة تنفيذها، فهذا كله يدخل ضمن حفظ اثنتين من الضروريات الخمس, وهما: حفظ النفس وحفظ المال، ومقصود الشرع من الخلق خمسة؛ وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم؛ فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة"، والقاعدة الفقهية تنص على أن تصرف الراعي على الرعية منوط بالمصلحة.

وفي النهاية، وبناء على هذه الفتوى، فإن تطبيق إجراءات السلامة والصحة المهنية أمر واجب شرعاً من حيث المبدأ، وينعكس هذا التطبيق في الحفاظ على العمالة الماهرة، وزيادة الإنتاجية، وتقليل وقت العمل الضائع، وخفض التكلفة المباشرة وغير المباشرة للحوادث؛ والذي بدوره يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية العادلة.

ا. مالك محمد سلهب
مدرب واستشاري السلامة والصحة المهنية وادارة البيئة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     


مقالات متعلقة