الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 13:01

مقال بعنوان: عن الإضراب والمتابعة.. بقلم: رجا زعاترة

كل العرب
نُشر: 16/10/09 15:23,  حُتلن: 15:25


* يتوجّب على تلك القوى محاسبة ذاتها وإعادة النظر في التقوقع كفكر وخطاب وممارسة

* نجاح الإضراب يؤكد أنّ مبدأ "الإقناع والإجماع" في لجنة المتابعة هو الضمان الوحيد لوحدة نضال الجماهير العربية، ولنجاعته وقوته

لعلّ السمة الأبرز للإضراب العام للجماهير العربية مطلع الشهر الحالي كانت عنصر الإبتدار. فلم نُضرب هذه المرة كردّ فعل عيني على حدث عيني، تغلب عليه النزعة العاطفية الآنية. وإنما حمَل الإضراب رسالة سياسية هامة وواضحة، مفادها أن هذه الجماهير لا تملك في إزاء مُجمل التصعيد العنصري الفاشي إلا خيارًا واحدًا، هو خيار البقاء وحماية حقوقها وصون إنجازاتها بكلتا يديها، مثلما فعلت في أيام أقسى من هذه.
ولأول مرة منذ تسعة أعوام، نجح الإضراب في الارتقاء بالمعنى السياسي لذكرى يوم القدس والأقصى وأكتوبر الأسود، من ذكرى شهداء لهم شعب وقضية، إلى قضية شعب له، فيما له، شهداء ومقدّسات وأيام ومحطات. إنّ أكبر إساءة أخلاقية للشباب الثلاثة عشر، لهؤلاء الشهداء-الضحايا، هي اختزال القضية فيهم، وتحويل دمائهم إلى وقود لصراعات وتناحُرات حزبية يجب أن يظل الشهداء، وذووهم، في منأى عنها؛ وأكبر تمثيل بذكراهم هو نسج روايات وفبركة أجواء تصبح فيها دولة إسرائيل وشرطتها وقنّاصتها الضحيةَ وهُم الجناة.
إنجاز آخر لا يقل أهمية، تمثّل في نهاية المخاض بمشاركة المؤرّخ التقدّمي إيلان بابيه في المهرجان الخطابي المركزي في عرابة. ورغم الصيحات الغوغائية - التي إن عبّرت فتعبّر عن احتمالية الانزلاق الشوفيني الكبيرة والخطيرة - فقد رجّحت مركّبات لجنة المتابعة (بما فيها المركّب الذي صدرت الصيحات عن عناصره) الخيارَ القائل بأنّ المعركة ضد الفاشية والعنصرية لا تحتمل نهج العزل الذاتي، الذي لم يؤت أية ثمار على مدار السنوات التسع الماضية، وبات عبئًا على نضال الجماهير العربية العادل والديمقراطي. هذا النضوج، الاضطراري ربما لدى بعض القيادات، لم يتغلغل لدى الكوادر. ويتوجّب على تلك القوى محاسبة ذاتها وإعادة النظر في التقوقع كفكر وخطاب وممارسة.
لقد كان نجاح الإضراب واضحًا وملموسًا، داحضًا مختلف محاولات التشكيك في شرعية لجنة المتابعة العليا، وفي قدرتها على تشكيل سقف وحدوي جماعي للجماهير العربية. وهي محاولات ليست بجديدة من طرف السلطة، لكن الخطير في السنوات الأخيرة هو تحوّلها إلى ادعاء مركزي في مشروع برلمنة لجنة المتابعة، على تنوّع مشاربه وتضارُب مضاربه.
وأكثر من ذلك، يؤكد نجاح الإضراب أنّ مبدأ "الإقناع والإجماع" في لجنة المتابعة هو الضمان الوحيد لوحدة نضال الجماهير العربية، ولنجاعته وقوته. تصوّروا مثلا لو أيّد ثلثا مركبات المتابعة الإضراب وعارضه الثلث الثالث؛ هل كان يمكن ضمان نجاح الإضراب في جميع المدارس والسلطات المحلية والمحال التجارية؟ هل تملك لجنة المتابعة سلاحًا أقوى، داخليًا وخارجيًا، من سلاح الإجماع، ولو على الحد الأدنى؟ لقد ثبت مجددًا أنّ "نقطة الضعف" هذه هي نقطة القوة بعينها، وأنّ المشكلة ليست في الإناء بل في ما ينضح به.
إنّ السؤال الملحّ اليوم هو كيفية تحويل نجاح هذا الإضراب إلى رافعة نضالية على جميع الجبهات الحارقة: من مشاريع التهجير والتهويد في النقب والجليل والمثلث والساحل، إلى إجهاض الدولة الفلسطينية ومأسسة الفاشية، إلى العنف والجريمة اللذين ينخران جسد المجتمع العربي ويقوّضان مناعته الوطنية وجهوزيته الكفاحية.
 

مقالات متعلقة