الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 21:02

الشركات المساهمة المختلطة المدرجة في البورصة/ بقلم:د.أنس سليمان أحمد

كل العرب
نُشر: 19/01/14 10:00,  حُتلن: 08:09

د. أنس سليمان أحمد في مقاله: 

مسألة المساهمة في الشركات المساهمة المختلطة وهي ذات السواد الأعظم المنتشرة في واقعنا المعاصر وفي الأسواق المالية (البورصة) المحلية والعالمية والمقصود بالشركات المختلطة هي الشركات التي ينص نظام تأسيسها على أنها تزاول عملاً مشروعاً

التعامل مع هذه الشركات برأي من جوّز التعامل بها ومعها يكون من باب الحاجة ووجه ذلك أن أصحاب هذه الآراء استدلوا على صحة ما ذهبوا إليه بدليل الحاجة ومن ذلك على سبيل المثال ما جاء في قرار الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية

تلمّسنا على أرض الواقع الشركات الحيوية المساهمة المتعاملة مع المصارف الربوية أخذاً وإعطاءً لوجدناها حقيقة ومتعينة يقيناً ولا يوجد سبيل آخر واقعي ومشروع سوى التعامل مع هذه الشركات لأننا نعيش عصراً لا يطبق فيه المنهج الإسلامي بكامله وإنما نعيش في كنف عصر يسوده النظام الربوي الرأسمالي

إن مسألة المساهمة في الشركات المساهمة المختلطة وهي ذات السواد الأعظم المنتشرة في واقعنا المعاصر، وفي الأسواق المالية (البورصة) المحلية والعالمية، والمقصود بالشركات المختلطة هي الشركات التي ينص نظام تأسيسها على أنها تزاول عملاً مشروعاً، أي أن نشاطها الذي تتعامل به مباحٌ في الأصل، وتؤدي خدمات عامة للإقتصاد، لكن طرأ على بعض تعاملاتها شيء من الممارسات المحرمة كالتعامل مع البنوك الربوية بالفائدة، فتضع أموالها في هذه البنوك، وتتقاضى عليها فوائد ربوية تدخل في مواردها أو أرباحها، كما تقترض منها في بعض الحالات، ما تحتاج إليه لقاء فائدة تدفعها، وتدخل هذه القروض في إنتاج ما تنتجه وفي الربح الذي تحققه. فالربا يدخل في بعض أعمالها أخذا وإعطاء، أو تتم بعض معاملاتها من خلال عقود فاسدة.

التعامل مع الشركات 
فالتعامل مع هذه الشركات برأي من جوّز التعامل بها ومعها يكون من باب الحاجة، ووجه ذلك أن أصحاب هذه الآراء، استدلوا على صحة ما ذهبوا إليه بدليل الحاجة، ومن ذلك على سبيل المثال ما جاء في قرار الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية، وفيه: " فانطلاقًا من قاعدة الحاجة هذه، ترى الهيئة أن شركات المساهمة التي ظهرت في العصور الحديثة نتيجة لتطور الحياة المعاصرة ومنجزاتها العلمية، وظروفها الاقتصادية، وتأمين المرافق الكبرى كالكهرباء وشبكات المياه والهاتف والنقل واستثمار الثروات الطبيعية المختلفة على النطاق المجدي اقتصاديًا، كل ذلك يجعل تأسيس شركات المساهمة حاجة حيوية عامة. وهذا يستلزم جواز امتلاك أسهمها وتداولها بيعاً وشراء وتوسطًا. وذلك لأنه بعد تقرير جواز تأسيس هذا النوع من الشركات للحاجة العامة، يصبح امتلاك أسهمها للاستثمار وأخذ أرباحها حاجة عامة أيضاً، ولاسيما بالنسبة إلي صغار المدخرين، وأموال الأيتام والأرامل وسائر العاجزين عن استثمار ما لديهم من وفر، ولا يكفي ما لديهم لمشروع تجاري، أو شراء عقار واستغلاله كما سبقت الاشارة إليه، فيجد هؤلاء جميعاً في أسهم هذه الشركات مستثمرًا بما لديهم من وفر، كل بقدر ما يستطيع، ولكن بالشرط الذي سبق بيانه، وهو إخراج العنصر الحرام المتحصل من بعض تعاملها الربوي بحساب ولو تقريبيًا، وصرفه في أوجه الخير، دون أن ينتفع به مالك الأسهم أية منفعة" ، وجاء في موضع آخر: "وهذا النوع من الشركات، قد أقرّت الهيئة جواز الاستثمار والمتاجرة بأسهمها، بضوابط معينة... واستندت في جواز ذلك إلى عموم البلوى، ورفع الحرج والحاجة العامة".

حاجة المجتمع 
وهناك العديد من الباحثين والفقهاء المعاصرين، ممن بنوا جواز التعامل مع هذه الشركات على أساس الحاجة، ومن ذلك:
1- ما قاله ابن منيع بشأن الحاجة في المساهمة بهذه الشركات: "ووجه الاستدلال بهذه القاعدة ( يقصد قاعدة الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة) القول بجواز تداول أسهم الشركات المباحة في الأصل بيعاً وشراء، وأن حاجة الناس تقتضي الإسهام في هذه الشركات الإستثمارية لإستثمار مدخراتهم... كما أن حاجة الدولة، تقتضي توجيه الثروة إلى إستخدامها فيما يعود على البلاد والعباد بالرفاهية والرخاء..." وقال في موضع آخر: " ... ونظراً إلى أن الحاجة العامة سواء كانت للمجتمع أو للدولة، تنزل منزلة الضرورة للأفراد، فإن حاجة المجتمع إلى تداول أسهم هذه الشركات بيعاً وشراء وتملكاً، حاجة ملحة ظاهرة لا ينكرها ذو نظر عادل وبعيد، كما ان حاجة الدولة إلى توجيه الثروات الشعبية للإسهام في توفير الخدمات العامة لأفرادها، حاجة تفرضها عليها مسؤولياتها.... لذلك كله نستطيع القول بجواز تداول أسهم هذه الشركات".
2- ما قاله الزرقا بشأن الحاجة في المساهمة بهذه الشركات: " لا ينبغي أن نحرم على الناس اقتناء أسهم هذه الشركات بصورة مطلقة، ولا أن نبيحها لهم بصورة مطلقة، بل نراعي ضرورة قيام هذه المؤسسات في المجتمعات، ومنها المجتمعات الإسلامية، وحاجة كثير من الناس إلى إقتناء أسهمها، ولا سيما الذين لا يجدون طريقاً آخر لاستثمار مدخراتهم الصغيرة، دون أن يجمدوها حتى تتآكل.... وهذا يدخل في عموم البلوى، وبهذا نيّسر على الناس". 
3- ما قاله القره داغي بشأن الحاجة في المساهمة بهذه الشركات: " وتنزيل هذه القاعدة (أي قاعدة الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة) على موضوعنا، من حيث أن حاجة الناس إلى أسهم الشركات في عالمنا الإسلامي ملحة، فالأفراد كلهم لا يستغنون عن إستثمار مدخراتهم، والدول كذلك بحاجة إلى توجيه ثروات شعوبها إلى إستثمارات طويلة الاجل، بما يعود بالخير على الجميع، ولو امتنع المسلمون من شراء أسهم تلك الشركات، لأدى ذلك إلى توقف هذه المشروعات التي هي حيوية في العالم الإسلامي".

إحتمالات 
تتضح من هذه الأقوال معالم وجه الحاجة التي كانت من منطلقات المجيزين في تسويغهم لإباحة المساهمة في الشركات المختلطة، وهذه الحاجة التي لا تخرج عن الاحتمالات التالية:
1- حاجة الأمة إلى هذا النوع من الشركات لرفد اقتصادها مما يؤدي إلى انعاشه، أو حاجتها إلى الشركات الحيوية التي لا قوام لاقتصاد الأمة وانتعاشه، إلا بوجودها، مثل شركات الماء، والكهرباء والنفط والغاز والإتصالات، وحينئذ تحل المساهمة للحاجة العامة، قياماً باقتصاد الأمة وتحقيقاً لديمومتها وقوتها.
2- حاجة هذه الشركات المساهمة إلى التعامل مع البنوك الربوية، إيداعاً أو إقراضاً أو إستقراضاً، من أجل حفظ أموالها، أو تمويل مشاريعها، لعدم وجود مصارف إسلامية تقوم بهذه الأدوار.
3- سد حاجة فردية لصغار المساهمين لحفظ أموالهم من الضياع، لعدم وجود مجالات إستثمارية لأموالهم بسبب قلة مدخراتهم، وعجزهم عن الاستثمار بأنفسهم، بالإضافة إلى عدم الثقة بكثير ممن يقومون بالمشاركات الأخرى كالمضاربة، لفساد ذممهم وقلة أمانتهم، وفي منع هؤلاء من المساهمة في الشركات المختلطة، تعطيل لأموالهم وإهدار لها.
4- قلة الشركات التي تلتزم الحلال في جميع تعاملاتها، ولو منع الناس من المساهمة في الشركات المختلطة لأصابهم الحرج والضيق بسبب ذلك.
يجدُ الناظر إلى هذه المسوغات أن انطلاق مجيزي المساهمة في الشركات المختلطة، كان من الحاجة العامة من جهة ومن الحاجة الخاصة من جهة أخرى، ولكنهم لم يحددوا مفهموماً للحاجة، فأطلقوا لفظ الحاجة دون أن يوضحوا ماهيتها أو المقصود بها، أو حدودها ونطاقها، بل كانت كلمة عامة فضفاضة.

أرض الواقع 
ولو تلمّسنا على أرض الواقع الشركات الحيوية المساهمة المتعاملة مع المصارف الربوية أخذاً وإعطاءً، لوجدناها حقيقة ومتعينة يقيناً، ولا يوجد سبيل آخر واقعي ومشروع سوى التعامل مع هذه الشركات، لأننا نعيش عصراً لا يطبق فيه المنهج الإسلامي بكامله، وإنما نعيش في كنف عصر يسوده النظام الربوي الرأسمالي، ولا يمكن أن يتحقق ما نتطلع إليه بين عشية وضحاها، فهل يعقل الإمتناع عن المشاركة في الشركات المختلطة ذات الخدمات العامة التي تتوقف عليها حياة الناس، كشركات الكهرباء وشبكات المياه؟! ولو قلنا بمنع بيع الأسهم أو شرائها في هذه الشركات، لأدى ذلك إلى إيقاع جلّ أفراد المجتمع في حرج وضيق.
وحول هذا المعنى يقول العز بن عبد السلام: " لو عمّ الحرام الأرض بحيث لا يوجد فيه حلال جاز أن يستحل من ذلك ما تدعو إليه الحاجات، ولا يقفُ تحليلُ ذلك على الضرورات، لأنه لو وقفَ عليها لأدّى إلى ضعف العباد، وإستيلاء أهل الكفر والعناد على بلاد الإسلام، ولانقطع الناس عن الحِرف والصنائع والأسباب التي تقوم بها مصالح الأنام" .
ومع ذلك أن جواز التعامل مع الشركات المساهمة في الاسواق المالية (البورصة) ليس على إطلاقه فهناك ضوابط وشروط شرعية لجواز المشاركة في هذه الشركات .
وعليه فلنا وقفة أخرى مع ضوابط وشروط التعامل مع الشركات المساهمة المختلطة حتى يكون تعاملنا مع هذه الشركات مباح شرعاً .
في نهاية هذا المقال نتوجَّه إلى الله بالدُّعاء أن يَهدِيَنا جميعًا سواء السبيل، وأن يجمع على الحقِّ خُطانا، وأن يُعطِيَنا القوَّة للتغلُّب على حالة اللامُبَالاة التي أصابَتْنا، ليس فقط في ديننا، وإنما في سائر أحوال حياتنا.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة