الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 30 / أبريل 04:01

آلة كذب وتضليل اسمها: نتنياهو/ بقلم: ب. جوني منصور

كلّ العرب- النّاصرة
نُشر: 23/10/15 12:34,  حُتلن: 16:30

ب. جوني منصور في مقاله:

ليس دفاعا عن المفتي فهو الشخصية الوطنية المرموقة التي لعبت دورا مفصليا في تاريخ الشعب الفلسطيني

تفوهات نتنياهو تنم ليس عن جهل في الواقع التاريخي بقدر ما أنه غارق حتى أذنيه بكراهية العرب الفلسطينيين الذين يشكلون شوكة كبيرة في حلقه

نتنياهو كشف عن عورته بموقفه المضلل هذا وكشف ايضا الشرخ الكبير الذي يعيشه الاسرائيلي في ظل الانتفاضة أو الهبّة التي تجري في القدس

أطلق بينامين نتنياهو رئيس حكومة اسرائيل في خطابه الذي ألقاه في المؤتمر الصهيوني في القدس قنبلة معلوماتية خطيرة تندرج ضمن مسلسل الأكاذيب والأضاليل الذي يسير فيه هذا الشخص منذ توليه رئاسة حكومة بلده. ولكن القنبلة هذه بدأت تنفجر بوجهه وبوجه من يسيرون على دربه من قيادات سياسية في اليمين الاسرائيلي والاعلام الاسرائيلي المُضلّل. إن إدعاء نتنياهو أن المفتي الفلسطيني الحاج أمين الحسيني هو الذي اشار على هتلر وحثه على تصفية اليهود في بلده وبلدان اخرى لهو تضليل ما بعده تضليل. وسنفند في هذه المقالة هذا التضليل، وما ورائه من غايات.

لا يختلف اثنان في أن العبارة التي قالها نتنياهو في خطابه تندرج ضمن تزوير الحقيقة التاريخية، وطرح ونشر حقيقة اخرى يدّعي صاحبها انها الحقيقة. إن زيارة المفتي الحسيني إلى برلين في 1941 كانت ضمن نطاق محاولته كقائد وزعيم ديني وسياسي فلسطيني وعربي ومسلم للتقرب من المانيا، بعد ان فقد العرب عموما والفلسطينيين خصوصا ثقتهم ببريطانيا(التي كانوا يطلقون عليها صديقة العرب) من مساعدتهم في تأسيس دولتهم في فلسطين ووضع حد للمشروع الصهيوني، بل بالعكس ساهمت بريطانيا بكل ما لديها من مؤسسات وقوة ونفوذ في تثبيت وتعزيز هذا المشروع الذي أتى على الأخضر واليابس في مجرى حياة الفلسطينيين. وكانت بريطانيا هي السبب في هرب المفتي من وطنه بحثا عن موطن مؤقت يقيم فيه. وليس دفاعا عن المفتي، فهو الشخصية الوطنية المرموقة التي لعبت دورا مفصليا في تاريخ الشعب الفلسطيني، وله – اي للمفتي – دور بارز في نمو وتطور الحركة الوطنية الفلسطينية، وإن كنا نتناقش حول هذا الدور، وهنا ليس المكان لذلك. حيث إن الوحدة الوطنية والتاريخية تدفعنا إلى تصويب افكارنا نحو الاضاليل التي بثها ويبثها نتنياهو ومن حوله. لذلك، فالعلاقة بين المفتي وهتلر وقيادات نازية أخرى لم ترقَ إلى درجة التأثير على صنع القرار الالماني بما يتعلق ومشروع الحل النهائي، أو بما يتعلق وسياسة المانيا الخارجية. كان هتلر بحاجة إلى من يزعزع الوجود والنفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي لبريطانيا في الشرق الأوسط، ويتاح المجال لانتشار النفوذ النازي في المنطقة ذاتها.

لهذا، اجتمعت المصالح العربية التي مثلها المفتي الحسيني (حسب وجهة نظره) مع المصالح الخارجية الالمانية. وبناء عليه واستنادا إلى المنطق البشري والاخلاقي والتاريخي والسياسي لا يمكن للمفتي أن يوعز إلى هتلر بتصفية اليهود في اوروبا. أضف إلى ذلك أن موقف المفتي كرجل دين لا يسمح له بالمرة التفوه بمثل ذلك. فالعرب والفلسطينيون خاصة كانوا ولا يزالوا من أشد المستنكرين للمجازر التي ارتكبتها آلة الموت النازية تجاه اليهود وابناء شعوب أخرى. أضف إلى ذلك أنه لا يمكن ان يتماهى المفتي والعرب والفلسطينيين مع مشروع تصفوي لشعب سامي، وهم من الساميين.

من جهة أخرى، فإن تفوهات نتنياهو تنم ليس عن جهل في الواقع التاريخي بقدر ما أنه غارق حتى أذنيه بكراهية العرب الفلسطينيين الذين يشكلون شوكة كبيرة في حلقه، ويمنعون تحقيق مشروعه الاقتلاعي لهم ولبسط سيطرته على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية. وهو يريد التخلص منهم- من الفلسطينيين - بأي ثمن.

معنى ذلك أنه يعمل على خلق صورة مشوهة وغير انسانية للفلسطيني بعيون الرعاع في اسرائيل والذين بطبيعة الحال يعتمدون نظرية القطيع في رؤاهم السياسية ونشاطهم السياسي. عملية تشويه الحقيقة بهذه الصورة، تندرج ضمن خطة مقصودة وليست عفوية. اي ان نتنياهو لم يقع في خطأ خطابي، حيث ان خطابه قد نشر على موقع مكتب رئاسة الحكومة، ولم يستنكره هو أو غيره من الرازحين تحت إمرته. هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية فإن الوزير يوفال شتاينيتس، وهو تابع لنتيناهو وينفذ ما يأمره به، قد صرّح في الاسبوع الماضي ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يُحرّض على الاسرائيليين أكثر وأخطر مما حرضه النازيون. هل يمكن ان نلحظ تنسيقا بين رئيس الحكومة نتنياهو ووزيره شتاينيتس؟ من الواضح جدا أن هناك تعاون وتنسيق بين الاثنين لخلق صورة شيطانية عن الزعيم الفلسطيني المفتي الحسيني والرئيس الفلسطيني محمود عباس. إن عملية "الشيطنة" هذه تتغلغل عميقا في نفوس وعقول الاسرائيليين المؤيدين لنتنياهو واتباعه وتياره اليميني المتطرف.

هذه العملية ستؤدي إلى مزيد من العنصرية في الشارع الاسرائيلي أكثر مما هي عليه في الاسابيع الأخيرة. وبالتالي ستؤسس لمزيد من عمليات الاعدامات الميدانية المجرمة بحق الفلسطينيين، وستؤدي عن قصد إلى انتشار ظاهرة الهستيريا بين الاسرائيليين تجاه كل من يشكون في كونه عربيا. أصبح لون البشرة هو البوصلة الموجهة للاسرائيلي في عملية تصفية الفلسطيني، فحمل السلاح واستعماله أمر متاح بعد أن أجازته حكومة نتنياهو. وفي هذا من الدلالات الكبيرة على أن مخططا رهيبا آتٍ ضد المواطنين العرب في اسرائيل، وضد الفلسطينيين في الضفة الغربية الذين يقومون بعرقلة مشروع الاحتلال والاستيطان. فالفلسطيني هو الذي يتحمل مسؤولية الاحتلال لأنه اي الفلسطيني يعمل على وضع العراقيل في عجلة نمو وتطور وتوسع المشروع الاستيطاني في الشفة الغربية.

لم يكن كافيا لنتنياهو أن يُصعد من الكراهية ومن ملاحقة الفلسطينيين وتعكير صفو حياتهم يوميا من خلال استعمال ادوات الاحتلال القاسية والظالمة والمجرمة، بل إنه يستند إلى التاريخ ليقول مقولة، وهي أن كراهية الفلسطينيين لليهود ليست وليدة اليوم، بل إنها تاريخية، ومتأصلة في أعلى سلطة دينية وسياسية فلسطينية في ذلك الوقت، وأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بكونه زعيما على شعبه يتحمل طائلة المسؤولية كاملة تجاه ما يحدث. معنى ذلك، ان هتلر لا يتحمل مسؤولية المجازر التي ارتكبها تجاه اليهود، وقد برأه نتنياهو منها، وأن الشعب اليهودي ضحية الكراهية الفلسطينية في فترة الحرب العالمية الثانية وحتى الآن.

إنني اعتقد أن أضاليل نتنياهو في هذه القضية العينية ستكون لها تداعيات خطيرة على الشارع الفلسطيني في الأساس، كما أن تداعياتها ستكون كبيرة على الشارع الاسرائيلي. وعليه، يتوجب على الفلسطينيين ألا يردوا ردودا مؤسسة على العواطف والأحاسيس، بل أن يعودوا إلى البحث التاريخي المعمق في هذه القضية لاستخراج المزيد من المعلومات التي تؤسس فعلا لرد قوي وقاطع يتعلق بمن تعاون في الحقيقة مع هتلر، ومن التقى به من صهيونيين وأوروبيين لغايات سياسية واقتصادية مختلفة. ونحن لسنا في معرض التطرق إلى هذه الأمور في مقالتنا هذه، إنما اردنا توضيح ما يقف وراء تصريحات نتنياهو الكاذبة والمشوهة للحقيقة التاريخية.

وأخيرا، لا بد من الإشارة إلى أن مجموعة لا يستهان بها من المؤرخين اليهود والاسرائيليين وغيرهم ردت وسترد على هذا التضليل، ولا يعني ذلك أنه يشفع للفلسطينيين بقدر ما أن هؤلاء وغيرهم يرغبون في الحفاظ على الانجازات البحثية التي حققوها عبر السنين في نقل معلومات تاريخية تؤكد تورط المانيا في المجازر ضد اليهود، ولا يريدون مطلقا ان تتغير.

لقد كشف نتنياهو عن عورته بموقفه المضلل هذا، وكشف ايضا الشرخ الكبير الذي يعيشه الاسرائيلي في ظل الانتفاضة أو الهبّة التي تجري في القدس ومناطق أخرى من الضفة الغربية المحتلة.

من هنا، يتوجب على الشعب الاسرائيلي، وخاصة القوى المستنيرة والصادقة والعادلة، أن تستيقظ وتعمل على وقف هذا التيار اللااخلاقي واللاانساني ضد قيادات فلسطينية تاريخية وحالية، وأن تعمل هذه القوى على تعميق وتعزيز افكار التفاهم والحوار والنقاش من خلال إطلاق مشروع لإنهاء الاحتلال والاستيطان اللذين هما عرابا الدم النازف وغياب أفق التسوية.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة