الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 19:02

عندما يشاء القدر... بقلم: فؤاد خوري

العرب
نُشر: 13/08/08 08:41

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

إنّها الآن تشعر أنَّ الحياة تضحك لها، كلُ شيء من حولها غدا ذا رونق أبهى مِمّا كان، هو، نزار، الذي كلّل حياتها بباقاتٍ من الورود النضرة، أحبته، وهو كذلك، رغم الظروف القاسية، التي سعت لزوال هذا الحب، إلاّ أنّه انتصر على كل الصعوبات، الحب الذي تغلب العفة والعنفوان على طابعه، وتُضفي عليه ألوانًا من الجذل، وأشكالاً من الهيام والوجد، الذي ما أن ولج قلبها حتّى توجّها ملكةً عليه.
  وهو رغم الليل المتجهم، ورغم الظروف العصيبة، إلاّ أنَّ الحب أغدق لحياته فرحًا كان غائبًا عنه، بهجةً كانت تائهة بين مشاعر جياشّة تُولد في قلبه وبين مآسي حاضره الذي أضحى أشبه بذبول الوردة وهي في ريعان عمرها.
  ثروت، وفي الوضع الذي تعيشه الآن، لا تتمنى سوى أن تتحسن الظروف، ولكن، كيف، لهذا السؤال كان وَقْعٌ مريرٌ في نفسها، فعند رؤيتها بين سبعة أخوات وأبٌ مريضٌ لا يعمل، وهي الكُبرى التي حلمت ومنذ طفولتها أن تدرس موضوع الطب، ولكن..... الفقر المتقع الذي كان يلاحقها، هو ما جعلها تُزيل العلم من تفكيرها، والآن ثروت تعمل في الخياطة لكي تُعيل أُسرتها ونفسها، الحياة غدت سوداء في نظرها، كالليل الحالك الذي يتجهم عنه وجه القمر، لولا الصبر الذي استطاع أن يجد منفذًا في قلبها، لأودت بحياتها إلى الهلاك، ولكنّها إنسانة مؤمنة، متحدية، صبورة، والأمل هو الشمعة التي تارة تنطفئ تذوب معه حياتها، يومًا ستنعم بحياةٍ رغيدة، هكذا أملت دومًا.
  في أحد الأيام وبينما كانت ثروت متوجهة إلى العمل وإذ بها ترمق نزار صدفةً وكان خارجًا من سيارته، لأول مرةٍ رأته فيها أيقنت أنَّ هذا الرجل ربّما سيكون مصدر سعادة لها في المستقبل، كان هذا مجرّد هاجس راودها، فبعد كلِّ البؤس والشقاء الذي تعيشه، تتمنّى أن يظهر في حياتها رجلٌ يجعلها تنعم بالسعادة، وهي الآن وبعد أن غابت عنها جميع الفرص لأن تدخل في سلك التعليم، بعد أن طارت أحلام الطفولة والشباب بعيدًا مع ازدياد مشاكلها والفقر، لِحالها لم ينظر أحدٌ البتّة، حتّى من الأقارب والمعارف، أحدٌ لم يبالي بحالها أو يقدّم لها يد العون، لهذا الآن وبعد قساوة الأيام، ستكون أكثر قوةً وصبرًا.
  منذ زمن لم تبّث لأحدٍ مشاعرها ومكنونات قلبها، فليأتِ مَن ستبعث له خفايا قلبها الزاخر بالألم، فليظهر في حياتها مَن حلمت به أن يرسم لحياتها لونًا أخر وحلةً أبهى، هي في انتظاره، وأشواقها سريعًا ستتطاير نحوه، وهتاف قلبها أنّى له أن يسمعه..... لتقول له "أحبك يا من أشرقت عليَّ مع إشراق نهاري، وذاب الليل وأنا أهواك".
كلُّ ذلك وجدته به، وهو الأخر سرعان ما أُعجب بها، هو متزوج، ولكن ليسَ لديه أولادٌ بعد، كم رغبت أن تُكلمّه في تلك اللحظة التي رأته بها، ولكن..... كيف ستجرأ، وهي من تضيع منها الحروف، وتهرب عنها الكلمات حين تراه، ولكن يا لغبطة فؤادها حين رأته متوجهًا نحوها، كَمَنْ يبدو عليه راغبًا بالتعّرف عليها، فلم تمانع على التكّلم معه، فكلمتّه، وتواعدا، وكلُّ يومٍ كانت تخبره عن قصتها مع هذا البيت، قصة الألم الساكن في قلبها سنوات، أبى أن يتحرر من أغلال الفقر، وينادي بالسعادة والأمل.
حدثتّه عن والدها الذي ألمَّ به المرض وأضحى عاطلاً عن العمل، وعن أمّها التي ترأف بحال زوجها وتعتني به ليلاً نهار، وأخواتها الستة، مصيرهم لن يكون مغايرًا لِما عليه، فالأجدر بهم ألاّ يطمحوا أن يتعلموا، وإن كانوا من المتفوقين في المدارس، ثروت، الوحيدة في العائلة التي كانت تعمل، وراتبها بالكاد كان يكفي ثمن ثياب ومصاريف البيت.
  عندما سمع نزار قصتها، تعاطف معها، وقال لها أنَّ الحياة والأيام كفيلة أن تمحو كلَّ حزنٍ وهم، وهو يتكلم وهي تسبح في بحور مفرداته، علَّ شفتاه تنطق كلمة "أحبكِ"، تنادي "أريدك زوجةً لي".
  وفي اليوم التالي تقابلا أيضًا، في هذا اليوم قرََّر نزار أن يُفاتحها بموضوعٍ ولكنّه بدا مترددًا وخائفًا بعض الشيء، ولكن سرعان ما قال لها أنّه ومنذ المرة الأولى التي رآها به، أُعجب بها، عندما سمعته أحاطها الجذل والسرور، فهي أحبته، كلُّ شيء به أضحى مميزًا عندها، وهو كذلك، وجد فيها التواضع، الحنان، وجد بها إنسانة صبورة متفهمة، إنسانة مفعمة بالأمل.
  لكن ما صدمها حقًا، حين اخبرها نزار أنّه متزوج، حينها غدا وجهها شاحبًا، حزنت، وشعرت أنَّ الحزن يلحق بها إلى كلِّ مكانٍ، حتّى مع من تحب، الحزن يأبى إلاّ أن يهدم كلَّ فرحٍ، أيَّ نشوة، وأيّما سرور.
  لكنّه أخبرها أنّه غير سعيد مع زوجته إلهام، فمشاجرات كثيرة تحدث بينهما، وهو نادم على أنّه تزوج بها، ولو انتظر، لكان رأى هذه الزهرة التي تجلس أمامه والتي تتسّم بكلِّ خُلقٍ، كلِّ ميزةٍ حسنة، فالحب الذي كنتّه زوجته له يومًا، أضحى عذابًا يعيشه كل يومٍ، أفكارهما أبدًا تتناقض، والآن شعر أنّه لا يستطيع الاسمرار معها، لكنَّ المشكلة هو أنّه لا يستطيع أن يترك زوجته الآن، فهي تنتظر مولودًا، لكم آلمها ما أخبرها، فبعد أن ارتاحت له وسلمتّه مفاتيح قلبها وخفاياه، إنَّ عينيها الآن تنزف دموعًا، فهي وبعد أن كان نزار حبها الأول، الحب البريء، سوف لن يكون لها وحدها، هنالك من ستُقاسمها عليه.....
  ولكنّها أحبته، حتّى قبل أن تعرف أنّه متزوج، ليته لم يُخبرها، حبّذا لو ظلَّ صامتًا، الأمر الذي جعل النوم يهرب من أجفانها، وهي مع كلِّ يومٍ يمّر تفكر فيه أكثر.
  وهو الآن في مأزق، كيف سيترك زوجته، وهو في انتظار طفل، ما ذنب هذا الطفل، إن لم يتفق والده مع أمّه، وثروت، الفتاة التي لمع ضوءها في حياته، أسيتركها؟ أوَ يستطيع قلبه أن ينساها، وهو من أحبّها، وشعرَ أنّها ملكت عليه، على روحه وكيانه.
  بعد تفكير طال لثلاثة أيام، قررت ثروت أن تخبر أمّها بالموضوع، فأخبرتها، فتفهمت أمّها الأمر، وأقنعتها أن تتزوج منه، رغم انّه متزوج، أن ترضى به، أفضل لها من حياة البؤس هذه، على الأقل زوجها سيحترمها، لكنَّ أباها عندما علم بالموضوع، غضب جدًا، فكان موقفه صارم بحق ابنته، فلا أحد استطاع أن يُغير له رأيه، أو يحاول إقناعه بأن يلين عن موقفه، فأعلن الرفض والرفض القاطع على أن تتزوج ابنته من رجلٍ متزوج.
  لن تستطيع ثروت إقناع والدها العدل عن موقفه مهما حاولت، فهو متمسكٌ بموقفه.
  وفي أحد الأيام، قررّت ثروت أن تذهب مع نزار، وتكون معه وله إلى الأبد، وهو أخذها معه وذهبا إلى مكانٍ..... ناءٍ عن أصوات عائلتها، بعيدٌ عن الجوع الذي ألحق بها الهوان وبعائلتها، غريبٌ عن مواقف صارمة يتمسّك بها والدها، إنّه المكان الذي لا ترتاح إلاّ حين تكون فيه.... 

مقالات متعلقة