الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 01 / نوفمبر 01:01

تداعيات مشتركة - الحالة القيادية أمام الحالة المجتمعية/ بقلم: د. جودت عيد

د. جودت عيد
نُشر: 11/05/19 18:59,  حُتلن: 14:38

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

د. جودت عيد:

دل أن يتصرّف الأشخاص في القيادة بمسؤولية، والقيام بعمل ميداني قيادي لاقناع الناخب واحترامه بشكل يليق به، تمَّ اتِّخاذ الموقف الأسهل تنفيذيا للتَّمحور حول قائمة واحدة تلهب مشاعر الجماهير التَّواقة للوحدة من جهة وبالتالي تضمن البقاء في المقاعد البرلمانية من جهة أخرى

بعد تجربة المشتركة الفاشلة لم نلحظ تحرك واضح لدراسة الوضع الميداني، وأراد كثيرون الخروج منها أبطالا وطنيين رغم تمحورهم الدائم حول ذواتهم، قيادات التي لم تأتِ بخيرٍ كبير للمجتمع واعتمدت المسرحيات والشعارات

منذ تم تشكيل القائمة المشتركة لخوض انتخابات الكنيست السابقة، قسرا، تلقى شعبنا الفلسطيني في اسرائيل ضربة موجعة على الصعيد المجتمعي والتمثيلي البرلماني دون أن يدري واقتنع بالحالة غير المسبوقة من الوهم في الوحدة وكأن المشتركة، التي ظهرت في المناخ الانتخابي بعد جهود ليبرمان لرفع نسبة الحسم، هي الخلاص للشعب وهي التركيبة التي حلم بها هذا المجتمع المكسور والمضطهد. طبعا كل من عارض هذه التركيبة اتُّهم بالعمالة وبالسَّلبية والتنظير وكذلك نُعتَ الكثيرون من الذين قاطعوا أو هاجموا الانتخابات بصفات عديدة، لأنه لا يمكن لأي وطني إلّا أن يقبل بالنَّشوة الزَّمنية لحالةٍ مركَّبة ومربكةٍ ولا يُمكن مُعارضة الإجماع الذي قضى بتشكيل قائمة واحدة تجمع التضاد وتفرض على الناخب ان يكون فئويا اذا ما اراد ان يثبت وطنيته، فلدينا قائمة واحدة تسهم في قهر التَّعددية وقهر معالم المجتمع الذي يصارع قضاياه الوجودية. فكان التَّغني بوحدة مصطنعة ومفتعلة وليست فاعلة وكأن المشتركة تمثل حقّنا في البقاء والوجود والنضال، وهو أرقى حالات النضال التي ننظر اليها بعيون حالمة تتماهى مع فترة المراهقة السياسية التي نعاني منها كمجتمع وكقيادة. هذه التركيبة المشتركة كانت نتاج ضعف قيادي وضعف رؤيا مجتمعية شاملة وصارت كأنها الملاذ الأوحد للتَّصدي والبقاء والتَّحدي! ومن يعارض فهو ليس منا!
بدل أن يتصرّف الأشخاص في القيادة بمسؤولية، والقيام بعمل ميداني قيادي لاقناع الناخب واحترامه بشكل يليق به، تمَّ اتِّخاذ الموقف الأسهل تنفيذيا للتَّمحور حول قائمة واحدة تلهب مشاعر الجماهير التَّواقة للوحدة من جهة وبالتالي تضمن البقاء في المقاعد البرلمانية من جهة أخرى. طبعا اقتنع الناس ودخلوا مرحلة جديدة من الانتشاء حين حصلت القائمة على عدد مقاعد كبير وتوخّى الناس ان يحدث شيء منشود لا نعرف ما هو إذ لم يُعتمَد برنامج معين فالانتصار هو فقط البقاء وكسر "نسبة الحسم" القضية الأشرس. انشغلت "القيادة" بمشاكلها حول المقاعد دون الاكتراث بالناخب الذي انتهت صلاحية مصداقيته بالنسبة لهم. بالتالي وضعت المشتركة أسس الفكر المشوَّه الذي يعتبره البعض "سياسة" تقضي بأن نتحالف مع الشيطان وقت الضَّرورة، الانتخابات الأخيرة مثالا، لنضمن وجود أشخاص تمثلنا في الاحزاب العربية في الكنيست الاسرائيلي وكأن هذا التمثيل سيأتينا بأمطار خير وفيرة وبفكر نيّر وبعمل جاد يحاكي قضايانا.
عدم وجود وجوه قيادية قادرة على الاقناع تكرَّر في الانتخابات الاخيرة ورأينا حالة التَّوتر بعد حلّ المشتركة وعدم استخلاص النتائج لضيق الوقت، إذ مرة أخرى تداهمنا معركة انتخابية جديدة وعلينا ترتيب ائتلاف يضمن بقاءنا، وهكذا صار الشُّغل الشاغل للاحزاب صراع البقاء في الزَّمن المتبقي، الأمر الذي أفرزَ تحالفات وفق احتياجاتِها ضاربة احتياجات الناخب بعرض الحائط مما ادى الى مقاطعة الناخب للانتخابات لعدم اقتناعه بوجود تمثيل له بعد خبية الامل من اداء الاحزاب وضعف الشخصيات الموجودة والمرشَّحة بحضورها الميداني والسياسي والفكري، وبدورها راحت تستجدي صوت الناخب حتى الرمق الاخير، وفي حرب البقاء عدنا الى ألعابنا المستهلكة في استغلال البعد الديني او الفئوي او العائلي او اي شيء تطاله اليد لضمان وجود هذه الشخصيات في الكنيست. لم تقم "القيادات" بعمل جدي أو جريء لمواجهة الناخب بمسؤولية وشفافية ومواجهة الحالة المجتمعية والمرحلة السياسية بطريقة واعية، بل اعتمدت اتهام شخصيات في اللعبة السياسية من أحزاب أخرى أو اتهام احزاب يهودية بأنها "سلبت" الأصوات من المجتمع العربي الذي هو من حصة الاحزاب العربية! تلك "القيادات" التي عبرت نسبة الحسم بصعوبة بالغة من خلال تآلفات الانهزام الفكري والشخصي ترى الخطأ في الناخب الذي يتوجب عليه التصويت من منطلق عصبية قبلية مطلقة، دون أهمية لقدرة التمثيل البرلماني على العمل لتحصيل حقوقنا الوطنية كأقلية وطن أصلانية فلسطينية في اسرائيل.

بعد تجربة المشتركة الفاشلة لم نلحظ تحرك واضح لدراسة الوضع الميداني، وأراد كثيرون الخروج منها أبطالا وطنيين رغم تمحورهم الدائم حول ذواتهم، قيادات التي لم تأتِ بخيرٍ كبير للمجتمع واعتمدت المسرحيات والشعارات، وقيادات استقالت بحجة واهية بأن الكنيست لم تعد منصة ولم يأبه بها أحد لأن حضورها كان هشا واهنا وقيادات أخرى مراهقة ترى المقعد عبئا اذا لم يخدم مصلحتها الضيقة. لم تتعاطى هذه "الشخصيات" مع غضب المجتمع ولا مع الحالة المجتمعية ولم تبرز قيادات مسؤولة قادرة على اقناع الجمهور الفلسطيني في اسرائيل من خلال تقييم الحالة من جديد ووضع قضايا مجتمعنا الملحة نصب أعيننا، الامر الذي يحتاج الى شجاعة وجرأة قيادية لاعادة بلورة المنظومة المجتمعية المتداعية بشكل منهجي منذ 1948. الحاجة ملحَّة الى قيادة واعية وقوية ومُحبة تمثل المجتمع وتقنعه ولا تعتمد تحالفات البقاء والاستجداء التي تعكس ضعف العمل القيادي السياسي الامر الذي يحبط دوائر الفكر والتماهي المجتمعي وبالتالي يؤثر على كل سيرورة المجتمع المستقبلية.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 


مقالات متعلقة