للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
منذ ما يقرب من العشر سنوات انطلقت في البلاد العربية انتفاضات شعبية اصطلح على تسميتها بثورات الربيع العربي مطالبة بالحرية والتنمية والعدالة الإجتماعية وهي مطالب مشروعة بسبب تمثل النقيض منها في واقعنا المعاصر(الاستبداد, التخلف, الفجوة الطبقية الهائلة),ولربما كان لكلمة (حرية) النصيب الاكبر من الترديد في هتافات الحشود الغاضبة وسط الميادين العامة, ولكن من المفارقات العجيبة ان من بين من طالبوا بالحرية واقصد هنا "القوى السياسية المعارضة وبالتالي قواعدها الشعبية" اصطفوا في محاور اقليمية وعالمية تتناقض مصالح بلادهم واياها,واصبحوا وكلاءا لها, يأتمرون بامرها وينفذون أجندتها, ولم يقف الامر عند هذا الحد فقد استساغت بعض تلك القوى التواجد الاجنبي الغير مشروع في بلادها كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن والعراق, وآلت الاوضاع في تلك البلدان الى حالة من الضعف وفقدان السيادة, ومن هنا يطرح السؤال الجوهري:كيف يستقيم بثائر يتشوق لنيل الحرية ان يقبل خضوع بلاده للنفوذ الاجنبي المباشر او بانتهاك سيادة بلاده ولو جزئيا؟, وقبل ان نسارع في الاجابة على السؤال بان هؤلاء ببساطة خانوا مبدئ الحرية الذي ناضلوا من اجله, لماذا لا نفترض وجود عطب في تصور مفهوم الحرية وشروط تحققها عندهم، وعلاقتها بالسيادة الوطنية، (وكانهما امران منفصلان),ومن السؤال الاول ينبع سؤال اخر وهو: هل مبدأ الحرية في وعينا الجمعي يعاني من قصور في تبرير الدفع باتجاه ممارسة حق السيادة الوطنية؟,وان علينا بالتالي الانطلاق من مبدا اخر لتبرير حق ممارسة السيادة (كالحفاظ على الهيكل والهوية الحضارية-الثقافية مثلا)؟, ويستتبع السؤالين سؤال اخير: هل توجد علاقة موضوعية بين مفهوم الحرية ومفهوم السيادة؟,تجعلنا قادرين على توظيف مفهوم الحرية في استيفاء حق السيادة الوطنية؟, وما هي تلك العلاقة؟,
•مسعى الإنسان.
بحكم ان الانسان كان وما يزال يسعى بطبيعته الانسانية لسد حاجاته المادية والثقافية المتزايدة عبر الزمن فان الحرية في هذا الاطار واتساقا مع المسعى الانساني, تعني كما صاغها المفكر القومي الاستاذ عصمت سيف الدولة, اولا:مقدرة الإنسان على إدراك مشاكله بأبعادها كلها وتداولها في المجال العمومي (حرية الصحافة مثالا) وثانيا:القدرة على ابداء الاراء من خلال الاعتراض وبلورة أفكار تضبط اتجاه الاحداث في طريقها الأمثل, وثالثا:مشاركة الناس جميع الناس في تنفيذ الحل عبر انتخاب الحل الأكثر قبولا ديموقراطيا, من هنا نلاحظ كيف أن الحرية متصلة بالشأن المادي في نهاية المطاف وهدفها تحسين الواقع المعاش عند الأفراد, فحرية التعبير والاعتراض هي على واقع مادي يعيشه الفرد, ومطالبة الجماهير بإشراكها في المجال السياسي هو بهدف تحسين الواقع المادي, وبالتالي فإن حرية (التعبير-والتظاهر-والاحتجاج-تكوين الأحزاب) ليست مطلوبة لذاتها بقدر ما هي مطلوبة ولازمة في عملية تطور الإنسان حضاريا بانتقاله من واقع يرفضه الى واقع يتطلع اليه, فالحرية بهذا المعنى تتسق مع المسعى الإنساني لتدفعه قدما من خلال تجاوز كل ما يعيق حركة تقدم الإنسان, وبكلمات موجزة, فان الحرية هنا تعني التقدم والتطور في أساليب عيش البشر.
واستنادا لما ذكرته اعلاه فان الحرية على صعيد مجتمعي لا تتحقق بشكل كامل إلا إذا استوفت الشروط الثلاثة 1.حرية إدراك المشاكل وعدم التعتيم عليها, 2.مشاركة الناس في صياغة الحلول عبر الأحزاب, 3.تنفيذ الحل بالعمل.
والركن الثالث أي تنفيذ الحل بالعمل (وهو المتعلق بموضوع السيادة) مشروط بوجود دولة قوية ترعى مصالح الشعب المعبرة عن طموحاته من ناحية, ومشروطة من ناحية ثانية بامتلاك الدولة وأجهزتها الوسائل والإمكانيات اللازمة لتغيير الظروف الحياتية للناس والإمكانيات والوسائل تلك, هي مقدرات مادية داخل حدود الوطن, وامتلاك تلك الوسائل والإمكانيات يستلزم من الدولة فرض السيادة المطلقة على أرضها.
ومن هنا فإن الحرية في تمام فعاليتها منوطة بالقدرة الكاملة على امتلاك أسباب التغيير, وأسباب التغيير تعني السيطرة على كل ما يصلح توظيفه في عملية التقدم ولا يتم ذلك إلا بتحقيق السيادة الكاملة للشعب على وطنه من خلال دولته المعبرة عن إرادته ديموقراطيا.
وبفقدان السيادة الوطنية التي يجب على الدولة ممارستها من أجل استيفاء شروط الحرية فان الحرية تصبح محط تهديد حتى ولو علت أصوات الناس بالاعتراض دون ان يجدوا من يكتم اصواتهم, وكفلت لهم حرية التظاهر, وحق الانتخاب, والتداول السلمي للسلطة, اذ انهم في هذة الحالة يظلون عاجزين عن الوصول الى غاية الحرية, اي التنمية المستدامة والتطور الحضاري, لكونهم عاجزين عن توظيف إمكانياتهم المادية على طريق حل مشاكلهم, وذلك لان مقدرات اوطانهم باتت تخضع لإرادات تتجاوز حدود الدولة.
فإذا فهمنا مفهوم ومقصد الحرية وقسنا بناءا عليه واقعنا العربي لاستطعنا القول ومن دون مواربة أن الشعوب العربية بالمجمل فقدت حريتها أكثر مما كانت تفتقده قبل ان تجري أحداث الربيع العربي بفقدها السيادة الوطنية على أرضها, اذ بتنا نرى وبوضوح كيف تتدخل دول عدة في مصائرنا عبر التدخل المباشر (الجيوش والمرتزقة) ومن خلال تعيين وكلاء ينوبون عنها في تنفيذ سياساتها القومية, وكيف ان ثرواتنا الطبيعية باتت تخضع لارادة الشركات العابرة للقارات (النفط والغاز).
فليبيا اليوم ليست أكثر حرية من ليبيا القذافي ان لم اقل انها تقل عنها, كذلك الأمر بالنسبة لكل الدول العربية التي خاضت غمار الربيع العربي, ولم تستطع أن تنجز ما سعت إليه بالتحرر.
ان طريق الحرية لا ينتهي بتوفر القدرة على الانتقاد والشتم للمنظومة السياسية وتكوين الاحزاب وإنما تتجاوزه لتكون قذيفة مدفع تحطم كل ما يقف بين الشعب وبين مستقبله الاكثر تقدما والاكثر نموا, والسيادة الشعبية على الوطن عبر دولته الديمقراطية شرط أساسي له.
عندما نضمن مفهوم الحرية بمضامين مادية انسانية نستطيع أن ندرك لزوم وجود وثبات السيادة الوطنية لتكتمل شروط الحرية في ممارستنا السياسية وتتمكن بالتالي من رؤية نتاج نضالنا في سبيل الحرية, وهو مستقبل أكثر رخاءا وتطورا لنا.
ان الحديث عن الحرية من دون سيادة يصبح عبثا حتى لو مارست الشعوب حق الانتخاب.