للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
وسط حضور مميّز من الرامة وعرابة وكفر سميع والبقيعة ونحف ودير حنا، مجتمع في البيت القديم متحف د. أديب القاسم حسين، عُقدت أمسية إطلاق "الوجع الدفين" ل د.حاتم كناعنة من مدينة عرابة (البطوف) في مساء الثلاثاء 10/8/2021 ، ليستضيفه المتحف هو ومترجمة الكتاب عن اللغة الإنجليزية المترجمة سوسن كردوش قسيس، ومنقح الكتاب د. مصلح كناعنة.
هذا الحضور الممّيز والذي قدّر التجربة الأدبية والثقافية للضيوف والقادم من تخصصات مختلفة من مجالات الطب والعلوم والهندسة والآداب والفنون والمحاماة ومن معنيين بالشأن الثقافي ومتابعين لنشاطات المتحف، دفعنا نحو الاستفاضة فامتدت الأمسية التي قمت بإداراتها لثلاث ساعات.
حاورتُ في أول ساعتين ضيوفي الثلاثة في جولات حوارية، تمّ خلالها استعراض التجربة الكتابية للطبيب حاتم كناعنة أول طبيب في قرية عرابة إذ بدأ بممارسة المهنة عام 1970، وكشف لنا أنّ الميول الأدبية وسعيه لكتابة يومياته رافقته طيلة حياته، فتكللت بإصدارين أصدرهما باللغة الإنجليزية التي أتقنها، بهدف تعريف المجتمع الغربي وخصوصا الأمريكي بقضيتنا. كما وتحدثت كل من سوسن كردوش ود. مصلح كناعنة عن تأثير هذا الكتاب بما يحمل من تأريخ عليهما، ممّا دفع سوسن للعمل على ترجمته للغة العربية، ودفع د. مصلح التعاون لتنقيح الكتاب ومراجعته.
في الجولة الحوارية الثانية، قدمتُ مداخلة قصيرة عن الكتاب، الذي يشمل 18 حكاية، مستوحاة جميعها من حياة سكان قرية عرابة. يتعدد أبطال "الوجع الدفين" بتعدد الحكايا والقصص، فشخصياتُ هذا الكتاب من لحم ودم نقرأ الكثير من تفاصيلها وتلوح في مخيلتنا، وبعضها يبقي الأثر الكبير في داخل القارئ ليتخيل ملامحها ويشعر بقرب وتعاطف معها، فيصعبُ ألا تتمثل شخصية عبد العظيم ذلك الفلاح المنتمي والبسيط في قصة "حرارة مرتفعة"، وتتمثل شخصية بديعة الشابة التي تقود صف الدبكة ولا يجاريها أحد مقابلك في قصة "سُعال"، وتشعر بفرح بالحب المميز الذي جمع بين إبراهيم وبيكة في قصة "بردية".. وتستمر الشخصيات المميزة واللافتة للنظر في مجتمعها بالظهور في قصص الكتاب، متنوعة بين رجال ونساء، وبين مواقف وطنية وخيانات، فهناك من يكسر حظر التجول ويحارب ويستشهد وهناك من يبيع جبلا للصهاينة، وهناك من يتشبث بعاداته وأرضه وذاكرته ويجعلك تقف متأملا بعض المواقف المصيرية، كموقف العم إبراهيم في قصة بردية، فبعد أن نجح هذا الرجل بفطنته ومعرفته الجيدة بسهل البطوف انقاذ الجزء الغربي من سيطرة كيبوتس سوليليم، رفض أن يوافق سكان القرية على طلبهم بتسجيل ملك قديم للوقف وهي أرض مساحتها مئة دونم، باسمه أو اسم المؤذن، لحمايتها من المصادرة، ممّا أدى إلى ضياع الأرض.
يتجلى على مسار الكتاب أحد أهداف الكاتب بتأكيد أهميّة الأرض، وارتباط سكان المنطقة بها واعتمادهم عليها في حياتهم اليومية، وكيف كسر الاحتلال هذا الارتباط بالسيطرة على جزء كبير منها، والعمل على تغيير طابع الحياة اليومية، وفقد الفلاحين القدرة على الاكتفاء الذاتي من أرضهم. يأتي كلّ هذا تحت عناوين قصص تحمل أسماء أمراضٍ، أحيانًا ترتبط بشكل وثيق بالشخصيات، وأحيانًا أخرى تثير فضولنا، حول أسلوب العلاج، ومعرفة كنه التجربة الطبية، فلا يرتوي فضولنا الطبي في كثير من الأحيان، وأمام ما يُكشف عن شخصيات مميزة مستوحاة من القرية، من جوانب إيجابية أو سلبية قد تصل إلى كشف العمالة مع العدو وعلاقات جنسية خارج اطار الزواج.
وسألت د. حاتم في السعي لتحقيق الهدف المنشود من الكتاب، أين وقع الحد الفاصل عند د.حاتم بين الكشف والتورية، بين ما يمكن أن يُعتبر خصوصيات وأسرارٌ اجتماعية، وبين ما هو أمر شائع وحق عام في الكشف؟
فأجاب الكاتب د. حاتم أنّ ثمّة أربع قصص من قصص الكتاب الثماني عشر، شخصياتها حقيقية، أمّا باقي الشخصيات، فهي شخصيات خيالية دُمجت في بعضها صفات لشخصيات حقيقية مجتمعة، لتلعب دورها في باقي القصص. من جهته أكّد د.مصلح كناعنة المحاضر في علم الانسان والنفس في جامعة بير زيت، أنّنا ما زلنا كمجتمع شرقي لا نتقبل النقد الذاتي وكشف عوراتنا الاجتماعية، وعادة ما يتمّ التقبل ما يُكتب عن قرية معيّنة، خارج حدود القرية أكثر بكثير ممّا يتقبّلها مجتمعها ذاته.
أمّا المترجمة أ. سوسن فأعربت أنّها تعلمت الكثير من العبارات التراثية من الكتاب بالنسبة لها، وكانت بعض الفقرات التي تحتاج لمعالجة مختلفة من الإنجليزية الى العربية.
في القسم الأخير من الحوار أعرب د.حاتم عن نيّته الاستمرار في المشروع الكتابي، مجهزًا ثلاث روايات باللغة الإنجليزية. فيما تحدّثت المترجمة سوسن عن الأعمال الأخرى التي عملت بجد على ترجمتها من اللغة الدنماركية إلى اللغة العربية وإصدارها، والتي انتقتها بعناية لتعرّف القارئ العربي بأدباء دنماركيين مميّزين. وعملها الذي صدر مؤخرًا "خيرة أبناء الله" للكاتب الدنماركي مورتن بابي، معربة عن بعض خيبة الأمل من قلّة الاهتمام بالقراءة والكتب في مجتمعنا، بحيث أنّ الاهتمام بهذه الانتاجات يكون أقل بكثير من المجهود الكبير الذي يُبذل في سبيل ترجمتها وإصدارها. أمّا د.مصلح كناعنة فتحدث عن إصداره الأخير "اعترافات شهرزاد" وهي مجموعة قصصية صدرت مؤخرًا عن دار طباق للنشر والتوزيع، مستعرضًا باختصار فكرة هذا العمل. ومعرّفًا الحضور بانتاجه البحثي الذي تطلب منه مجهودًا كبيرًا لإصداره "موسوعة المفردات الغير عربية في العامية الفلسطينية".
في القسم الأخير من الأمسية وُجهت بعض الأسئلة من الجمهور للمشاركين، وتمّ التوقيع على الكتاب، وعبرتُ عن فرحي بتحول المتحف شيئًا فشيئًا إلى منبر ثقافي في المنطقة، بحيث أنّ حضور النشاطات لم يعد مقصورًا على سكان القرية، ثمّ قام الحضور بجولة في المُتحف.