الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 11:02

قلم رُصاص

بقلم: أحمد الغرباوي

أحمد الغرباوي
نُشر: 15/10/21 10:05,  حُتلن: 21:06

وتعودُ شمسٌ دافئة ومتوّهجة.. ومنها يفوحُ شجن الاشتياق..
وتتدلّلُ؛ وهي تُعيد الحياة لكُلّ مَنْ تمُرّ به، حتى يلفَحَني منها عِطرٌ أجنبيّ بطعم الغُربة ومُرّ البُعاد..
لم تكُن هىّ.. ويتطاولُ العُشب فوق قمّة النّخيل.. وتحت الأقدام؛ يتمنّى الورد أن يغدو شوك صبّار.. وتنفرُ من رائحة عرقها؛ الذي تمرّغت فيه عُمْراً وطيْفها.. و
ويُدرك القلب سواد قرص الشّمس.. وأنّها القمر الذي أظلمه البُعْاد.. بصيرة سَوْاد!
وأنّ الذي رَحْل؛ أبدًا.. أبدًا ما
ماعاد..!
وثوبها الفضفاض ضاق.. وتمرّغ اللحم البَضّ بين روائح عِدّة.. والطفولة منها براء..
بحبّها ابتلاك الله .. ولغَيْرك كانت قضاء!
،،،،،
لم يعرف من النساء إلا طيبة أمّه.. وتسامح القسوة التى تجلده بأسواق المدينة.. وتجاهل خَيْبات عدم التفافها لهمس نداءات حُبّى.. وتجاهلت كُلّ رسائله التى ترسمها الكلمات سطورًا محترقة..
وتتسائلين:
- لم كُلّ هذا الحُزن..!
وأهمس لكِ بعينى:
- ولم كُلّ ذاكَ الحُبّ..!
وفى السادسة صباحا، وأنا أحتسى قهوة الصباح؛ أتمنّى لو يغسل ربّى روحى بندى النسيان.. ولكن تهب نسمة مع أوّل رؤيتى لدخولك باب المؤسّسة التى أعمل بها.. وتطير الفراشات.. وتحلّق على نافذة حجرتى..
ويتكسّر الزجاج.. وأتطلّع إلى دُمية جامدة.. وقميص أبيض شفاف ملتصق بجسدٍ يترجرج قيْد قضبان.. وحجاب كثدىّ مترهل.. تفرُّ منه خصيلات سوداء، وتكرُّ مع حركة رأس لنور كان.. فى الماضى كان يعشقُ الورقة الخضراء والرقّة والأنوثة.. ويتدلّل برُقىً عناق النورس لشعاع الفجر وسفح اليمّ.. ونعومة زحف دمعة حُبّ على خدّ بتول..
ودون أن تطرق الباب؛ تدخل الحجرة.. تندفعُ وهى تأكل تفاحة.. وتقلبها بين إصبعيها والروج الفاضح بشفتيها، والصوت الباعث للتقيؤ..
نعم هى.. هى حقيقة تفرق بين اليقظة والحلم..
لا تبحث عنها بالمنطق.. فلن تجدها.. ولن تكمن فى العقل.. بل ماتشعرُ به..
سحبت الورقة التى كانت تريد توقيعها.. واقتربت من حافة المكتب وهى تلقى ببقايا التفاحة فى سلة المهملات بجوار مقعده.. تميل تجاه أذنه وتهمس:
ـ إنْتّ لِسّه بتحبّنى..!
وألقت بطرف عينيها تجاه آخر قلم؛ كانت تكتبُ به أمامه.. ولايزل يحتفظُ به وحده فى صندوق خاص على مكتبه..
مدّت يدها تسحب القلم الرصاص الذى تعرفه جيدًا منذ سبع سنوات..
وصدمت
فقد وجدته مُجَرّد هَيْكل خشبى أجْوَف.. بدون عاموده الرصاص..
فرمته.. ليلتحفُ بلحمِ بقايْا التفاحة، وهرولت إلى دنياها..
ويلتفتُ للخلف.. ويروح ينطلقُ بصره عبر النّافذة التى كان ينتظرها منها كُلّ صباح.. وينتظرُ..
ولم يجد غَيْر أشجار شاحبات.. يهجمُ على فروعها الترهُّل، ويأكل نضارتها التكسّر..
ويتهادى بصره تحت ظلال مشوّهة.. وبأنامله يتحسّس بلل الزجاج، ويتلمّس مكان ساقيه.. ويتنهّد طويلا.. و
ويظلّ متجمّدًا.. مشدودًا للغيْبِ السّاكن، والذى لايعبأ بأنه ينتفضُ الآن!
.....

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة