الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 05:01

حكاية معطف/ بقلم: ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 27/10/21 11:57,  حُتلن: 11:58

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

ابنتي الغالية
قد أكون قصّرت معك في هذا الامر أو ذاك، لكن تأكدي أن ما قصّرت فيه إنما كان غير مقصود.. بدليل أنه لاقى الحلّ المناسب في الوقت المناسب.
أعترف بداية أنني ارتكبت بعضًا من الحماقات الصغيرة بحقك، وبحق اختك.. الصغيرة. تذكرين يا غاليتي يوم أتيت إلي تهزّين يديك رغبة ومحبة في الحصول على معطف رأيته في فاترينة محلات أبي شوشة في سوق البلدة القديم، كنت يومها في الرابعة عشرة من عمرك، واختك الصغرى في الثالثة عشرة.. يومها.. وعدتك خيرًا.
توجّهت إلى هناك توقّفت قُبالة الفاترينة وتمعنت في ذلك المعطف.. بعد أن عرفته من بين كل المعروضات هناك، فأنا اعرف ذوقك الرفيع، بالضبط كما اعرف ما تحبين وترغبين. تمعنت حينها في ثمن ذلك المعطف، كان مرتفعًا بالنسبة لي. وقد سألت نفسي.. هل اشتريه لك؟ وماذا ستقول أختك الصغرى؟، هل ستقول إن والدي يميّز بيني وبين اختي؟ فيشتري لها ويحرمني انا؟، بعدها اجريت حسابًا للمصروفات الشهرية وتبيّن لي بما لا يخالطه شك، أنه لا يمكنني أن اشتري معطفين في آن واحد. حينها وجدت نفسي اواجه صراعًا نفسيًا عنيفًا، فأنا من ناحية أعرف رغبتك ومدى محبتك للملابس واعتزازك بنفسك، ومن أخرى لا أريد ان اكسر بخاطر اختك الصغرى.
باختصار حملت نفسي وانصرفت مبتعدًا عن أبي شوشة وفاترينته، وكلّي تساؤلات عمّا يمكنني أن أفعله ارضاء لك وتوقيًا لزعل اختك.
سرت مبتعدًا عن تلك الفاترينة، وأنا اتلفّت إلى الوراء، وشعور قوي يشدّني لأن أعود إلى هناك وأبحث عن طريقة تمكنني من أن اعود إليك في البيت وبيدي ذلك المعطف، وقد تصورّتك وأنت تتناولين المعطف من يدي مرفقة يدك بابتسامة طالما احببتها، فجن جنوني وقلت لنفسي يجب أن احضره (المعطف)، مهما كلّف الامر، لكن عندما تصوّرت تقطيبة أختك الصغرى.. عدت إلى ترددي.. وارتددتُ إلى الوراء.
مشيت متنقلًا من شارع إلى زقاق، ومن فاترينة إلى أخرى، لعلّي أجد حلًا لمعاناتي وأحصل على معطفين بالجودة المنشودة، واحد لك وآخر لأختك الصغرى.. فلم اجد.
بعدها توقفت قُبالة فاترينة بدا لي أنها شعبية، فدخلت إلى المحل ليستقبلني صاحبه بابتسامة عريضة، وليعرض علّي.. مساعدته، قلت له إنني أبحث عن معطف ذي مواصفات خاصة.. وشرعت أصفه له، فهزّ رأسه قائلًا لي إن ذلك من المعاطف الخاصة باهظة الثمن، وإنه لا يتوفر إلا في المحالات الكبيرة، وذكر محلات ابي شوشة، فكاد قلبي يسقط بين رجلي.
عندما لمس البائع ما حفلت به عيناي من حيرة، عرض علي نوعًا بسيطًًا من المعاطف، وهو يقول لي هذه معاطف شعبية، ويمكنني أن أبيعك المعطفين بثمن واحد. عندها فكّرت في أن أطلب منه أن يرزم لي المعطفين ومددت يدي إلى جيبي، إلا أنني ما لبثت أن اعدتها، ما أثار استغراب البائع، وأرسل نحوي نظرة ملآى بالتساؤلات.
غادرت ذلك المحل وعدت للتنقل من شارع إلى زقاق ومن فاترينة إلى أخرى، وكلّي أمل أن أتمكن من العودة إليك بالمعطف المنشود، غير أن أمرًا لم يتغّير ولم يتبدّل. عندما أرهقني المسير اقتعدت حجرًا صُلبًا في احدى زوايا السوق القديم وأنا اتمنّى لو أن معجزةً تقع وتلبّي لي ما أردته ارضاء لك.
مضى الوقت وأنا انتظر ما لا يأتي، إلى أن لمعت في ذاكرتي صورة خاصة لكما، أنت وأختك الصغرى، في غرفتيكما المشتركة، (ألم نتفق على أن الحاجة ام الاختراع؟)، يومها كنت في العاشرة على ما اتذكر وكانت اختك الصغرى في التاسعة، وقد دبّ النزاع بينكما وارتفع صوتاكما.. خلافًا على ثوب فلسطينيّ قديم.. أنت تريدين أن ترتديه بادعاء أنه أليق بك لأنك الاكبر، وهي تدّعي أنها الاصغر وأنه يحق لها ان ترتديه. هل تذكرين ما حدث يومها؟ دخلت بينكما وتقدّمت باقتراح.. لاقى القبول منكما معًا.. اقترحت على كل منكما أن ترتدي ذلك الثوب بالدور. ما ان لمعت تلك الصورة في مخيلتي حتى هرعت إلى محلات أبي شوشة، دخلتُ إليها مثل ملك تحقّق حُلمُه في عرشه التائه، وأشرت إلى المعطف المقصود، فتناوله أبو شوشة ولفّه بطريقته الخاصة المميزة التي تعجبك وتروق لأختك، وقدّمه لي لأطير به اليكما.. في البيت.
قبل أن أقدّم ذلك المعطف لك، القيت عليكما أنتما، حبيبتيّ الغاليتين، محاضرةً مفادُها أن المعطف سيكون لكل منكما، وعندما سألتني، يا ابنتي، كيف سيكون ذلك؟ أجبتك أنت ترتدينه متى تطلّب الامر واقتضت الحاجة، فيما ترتديه اختك الصغرى في المقابل.. شعرتُ يومها أن كلامي لم يعجبك، إلا انك ما لبثت أن تقبلته، وطبعت قبلة شكر على جبيني تلتها قبلة اخرى من اختك.
لقد مضى على حكاية المعطف هذه الآن سنوات، وقد أصبحت اليوم صبية اتباهى بك وبرقتك ولطفك، غير أنني لم انس ما حدث في حينها، وها انذا اكتب إليك هذه الكلمات ليس للاعتذار، فعلاقتنا اكبر منه، وانما انا للتوضيح.. اكتبها.. كوني بخير.
 

مقالات متعلقة