الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 17:02

عِلِت أم هندباء؟/ بقلم: الأديب محمد علي طه

الأديب محمد علي
نُشر: 09/12/21 12:46,  حُتلن: 15:12

عندما اخترت "نوّار العلت" عنوانًا جميلًا لروايتي الجديدة كنت أعتقد أنّ نبتة العلت الخضراء الّتي نأكلها طازجة نيّئة، أعني سلطة العلت مع السّمّاق، أو مطبوخة بزيت الزّيتون والبصل، يعرفها العرب من المحيط الى الخليج مثلما يعرفون الزّعتر والعكّوب والخبّيزة والشّومر والجرجير والخردلّة والمُقرة وغيرها من النّباتات الّتي تهبها ايّانا الطبيعة الكريمة، وكنت أيضًا أعلم أنّ البعض، وبخاصّة أهل المدن، يسمّيها هندباء. وفي طفولتي سمعت أنّ وفدًا من وجهاء قريتنا ذهب لزيارة الأفندي، بلديّاتهم، في المدينة وقدّموا له خروفًا سمينًا فدعا الجزّار وذبحه وسلخه ثم أعدّت الطّاهيّة طعامًا للوفد من لحم الخروف والأرز واللبن وعندما جلس أعضاء الوفد حول المائدة لاحظ أبو فتحي، وهو محدّث لبق وجريء، أنّ الأفندي لم يجلس معهم فدعاه الى تناول الطّعام معهم فاعتذر الأفندي قائلًا إنّ زوجته ام العبد أعدّت له صحنًا من الهندباء وسوف يصل اليه بعد لحظات.
ظنّ أبو فتحي أنّ الهندباء طعام ألذّ من لحم الخروف فقال: وأنا سوف آكل مع الأفندي. وترك رفاقه يتلذّذون بلحم الخروف وجلس على مقربة من الافندي. وعندما جيء بطبق الطعام للأفندي وشاهده أبو فتحي أصيب بصدمة وخاطب الأفندي: هل صار العلت هندباء في بيت الأفندي؟
وأعرف أنّ اهل المثلّث يسّمون العلت بلهجتهم "العلك" ويلفظونه "العلتش".
ما زلت أذكر المرحومة والدتي وهي تحمل سلّ القصب والسّكين وتذهب مع جاراتها ليبقّلن العلت من السّهل ومن ضفّتيّ الوادي.
وامّا زوجتي فتشتري نبات العلت من حانوت الخضريّ بعد أن صار الفلّاحون في كفر مندا وطمرة وصندلة يزرعونه في حقولهم.
وعرفت أنّ أهلنا النّصراويّين وسكّان قرى مرج بن عامر والبطّوف يفضّلون العكّوب على بقيّة البقول. وأخبرني صديقي المناضل الكبير والأخ الأصيل أبو قيس صالح رأفت، عضو اللجنة التّنفيذيّة لمنظّمة التّحرير أنّ أهلنا النابلسيّين مولعون بأكل العكّوب، فقلت له إنّ أهلنا في الجليل الغربيّ يكتفون بالعلت والخبّيزة والشّومر ولا يقتربون منه.
ومثلما زرع الفلّاحون العلت والخبّيزة والزّعتر والجرجير والشّومر زرعوا العكّوب أيضًا إلّا أنّ طعم البقول البرّيّة يبقى الأحسن والأفضل.
هاتفت صديقي القاصّ والرّوائيّ الكبير محمود شقير بعد أن نشر مقالًا جيّدا عن روايتي نوّار العلت في صحيفة "الأيّام" ثمّ في صحيفة "الاتّحاد" وأدهشني عندما أخبرني بأنّه لا يعرف نبتة العلت وعزا ذلك لأصول عائلته البدويّة.
واتّصل بي صديقي الرّوائيّ الكبير يحيى يخلف وأخبرني أنّ صديقنا المشترك الشّاعر الكبير محمود درويش كان اذا قال له أحدهم قرأت رواية سأله: هل هي ممتعة؟ فاذا أجابه بنعم. قال: هذا يعني أنّها رواية جيّدة. وأضاف أبو الهيثم: نوّار العلت ممتعة وشائقة ولكنّي أنصحك بأنّ تكتب ملاحظة في الطّبعة الثانية تفسّر فيها العلت.
وهذه النّصيحة ذكّرتني بفصل في كتابي "نوم الغِزلان" عن العلت والخبّيزة والصّديقين الكاتب والقائد ممدوح نوفل رحمه الله والسّفير اللبق أبي هشام، شفاه الله.
قرأتُ في "غوغل" أنّ المصريّين عرفوا الهندباء ايّ العلت قبل خمسة الاف سنة واستعملوه طعامًا وأنّ العرب هم أوّل من نصح باستعماله علاجًا.
للعلت نوّار جميل، سماويّ اللون وكان القرويّون والقرويّات إذا مدحوا ذات العينين الزّرقاوين قالوا عيناها مثل نوّار العلت.
 

مقالات متعلقة