الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 22 / نوفمبر 21:02

قراءة في رواية زرعين للأديب صافي صافي

بقلم: خالدية حسين أبو جبل

خالدية حسين أبو
نُشر: 24/01/22 14:33,  حُتلن: 15:02

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

هكذا قرأت
رواية زرعين للاديب صافي صافي
صدرت حديثا عن دار الشروق للنشر والتوزيع
تقع في 156صفحة من القطع المتوسط
.....
-: معلمتي لو مهما وين رحنا، بلدنا يعني وطنّا ما منغدر ننساها
لانها عايشة بقلبنا ودايما منفكر فيها وغصبن عنّا منعاود نرجع الها، لأنه كيف بدنا ننسى حالنا؟!!
عبارة بادرتني بها طالبة في الصف الرابع الابتدائي
من مدرسة ابن سينا في قرية كفرمندا، خلال مشاركتي في فعاليات يوم اللغة العربية، وقد ساقني الحوار مع الطلاب لربط اللغة بالوطن وبالقومية والهوية والانتماء والشتات والذاكرة
وحق العودة.
حقّا فاجأتني الطفلة بكلامها الذي انبثقت عنه ساعه حوار ونقاش مؤثر كاملة .
لازمتني عبارة الطفلة طيلة قراءتي للرواية
الى ان توقفت عند قول والد حنان :" ... دعينا

نحمل مدينتنا معنا، كما نفعل الى أن يفرجها الله".
ص98
وقد وجدت فيها روح كلامنا كلنا كشعب وليس روح كلام الطفلة وحدها.
وبما اننا لا ننتظر من الله غير الفرج، فالامل بحق العودة لن يموت، ولن تتحقق لبن غويون نبوءته
بموت الكبار ونسيان الصغار .
هي رواية نظنُّ أنها سردت تفاصيل رحلة، والحقيقة أنها رحلة سردت تفاصيل رواية،
فما قدِّم أصحابها مستجمون ولا سائحون ، بل أتوا بلادهم يبحثون عن الجذور ، يبحثون عن ذواتهم. اتوا ليستعيدوا ارواحهم ويعيدوا للأمكنة روحها، ويدفنوا رماد رفات في موطنها، ليكون انبعاثها الأخير من قدسية هذه الأرض وجرح هذا الوطن.
وما دلالة هذه المخاطرة من قبل أبي ماهر لحمل رماد رفات ابيه متقصيّا اقرب الشرائع الدينية لإجازة ما يقوم به - ولا أظنه كان سيحجم عن عزمه لو وجد نصّا دينيا صريحا يحول دون ذلك-
الّا جوابا قاطعا لمن يهزأون بشعب يزعمون أنه

يحنّ للحجارة وشوك السنديان والبكاء على الأطلال، التي تُركت شاهدة على قذارة الاحتلال.
فما هو بحنين لحجارة ولا لصور، هو حنين للذات
والأهل والكرامة وللاستقرار والسلام والسكن.
بعد ان ضاعت كلها ما بين تهجير داخل الوطن وتهجير لخارجه وشتات، وانعدام يدٌ من ذوي القربى حانية.
فقد كانت عصا الشعب الفلسطيني هشّة أُخذت من عيدان الشومر طيب الرائحة، لكنها لا تصلح للاتكاء ولا للهشّ ولا لمآرب أخرى.
انها حال الفلسطيني مع الحكومات العربية .
فلا زالت عبارة " ماكو أوامر" غصّة عالقة بالزور.
ص44
ولا زلنا في ذات المتاهة ننتظر الفرج من خارجنا
نهلل لتركيا ، نضع مصير وطن وشعب رهن سياسات وحركات ماهمّها الا ما تقتضيه مصالحها وتفرض هيمنتها بالقوة .
....
أتوا ليخطّ الكاتب الرواية بدلالات أخرى
فها هم يجدوا انفسهم مرة اخرى لوحدهم

(وجدنا أنفسنا وحدنا ص 54 )
وقد قالها درويش :" يا لوحدنا"
....
وجدوا انفسهم وحدهم وهم يسمعون ويرون على مقربة منهم من يشوهون التاريخ بروايتهم
( المعلم والطلاب اليهود ص47 )
ولو تواجد ثالث في المكان لعرف بسهولة اصحاب الارض الاصليين ، من كيفية تعاملهم مع طبيعة البيئة ولبس ابسط من تعاملهم مع البراغيش وتحملهم لها، في حين هرب الآخرون للاحتماء بحافلتهم.
ومع كلّ بساطة هذه القصة فقد جمعت المكانين- الفلسطيني والاسرائيلي- والشعبين في نفس الزمكان. ولم يسقها الكاتب في روايته عفويا، فقد صورت حياة الفلسطيني القروي بوضوح، واثبتت أن وجود الفلسطيني الزمني في المكان يُكسبُه الفاعلية االاجتماعية والتاريخية.
والا لماذا لم يستطع الأخرون التعامل مع البرغش وهم يعيشون هنا منذ اكثر من سبعين عاما؟
اليس لانهم دخلاء حتى على البرغش، وليس

البرغش من حلّ عليهم؟!
.....
أتوا ليكرروا مقولة :" ليس لنا الا الحرص والصبر إن استطعنا " على لسان ابو ماهر ص 52
وليجدوا من يُضلّل بهم فيقول :" الجبل الجبل،
وتتمة العبارة، من استرعى الغنم الذئب ظلم.!
ليسلكوا الطريق الوعر .
بعد ان رفضوا دفع ثمن تذاكر تجوالهم في وطنهم ( عين جالوت) وبعد ان اشتعلت حواسهم وهم يسمعون ويشيرون لاسماء المناطق والنباتات ويستذكرون اسماء العائلات.وحلقت ارواحهم نشوة بجمال هذا الوطن الجنة ،الجميل بأهله فقط، خبطت اقدامهم الارض بصلابة ولوحت اذرعتهم في الهواء وتمايلت اعناقهم طربًا على دلعونا ويا ظريف الطول، غناء يتدفق من حزن القلب وشوق العين لأرض طاهرة أُقتلعت منها كوابيس المستوطنات .
....
اتوا وهم يعلمون ان بيتا كان لهم هنا ولا زال
"- هذه بلدتي افتح الخارطة، وشوف اسمها،

- إذا كررت ذلك سنعتقلك، ونحاكمك،
- وماذا سيكون جواب القاضي في المحكمة، هل ينكر أنني من عمواس ؟ "ص 67
ترى أيّ قاض هو الذي سيحكم بيننا، اليس هو ذاته الجلاد، قاضي يؤمن بالصهيونية ويأتي بفعلها.
ام هو قاضي وعد بلفور
ام قاضي ترامب
ام قاضي المطبعين
ام ....ام ... وكثُر القضاة والحكم واحد.
حتى تطاولوا على قاضي السماء وادعوا انه لصفهم !.
أم قاضي الشعب الواحد الذي انقسم على نفسه
واختلف حتى على توحيد علمه.
واختلف على تحديد ايدولوجيته، حتى وقع الشعب تحت شتى انواع الاحتلال وكان اقربها أصعبها وأقساها.
قاضي يؤنسن العدو ويلبسه ثوب العاقل المسالم
ويرى الحل بين يديه وهو مدرك ان لا خير يرتجى

منهم كما قال جمال ": المهم عندهم الانسان بغض النظر عن دينه..." ترى من اين جاءت لجمال هذه القناعة ؟ اهي من ممارسات الاحتلال على ارضه !؟ ام من الاعلام المزيف ، والذي نهوى تصديقه؟ تنزيههم وتجريمنا؟
" - لم اعد مقررا، الشرطة هي صاحبة القرار، وأنا بانتظار تعليماتها." جمال ص 139
انها الدلالة الأوضح للقاضي" المجازي " الذي أقّر بدولة الاحتلال وانها صاحبة القرار ، ولا يملك الا انتظار العاجز؟
إنه القاضي الذي استغلّ رغبة المثقف في السلم
فشلّ تفكيره وأخرسه ( ممثلا بالراوي)
والذي استغل خوف المتسلل برماد رفات والده
فأخرسه هو الآخر( ابو ماهر)
وضعف ابا نهاد العجوز الذي احتاج مساعدتهم
قاضٍ اختار تغييب العقل والتفكير والصبر وفضّل الاستعانة بالآخر متعاميا وغير مصغّ لصوت الشجاعة والاقدام وعدم الاستسلام ،متمثلا بالسلامين والحاج ابراهيم.
عن أي قاض نتكلم ؟ من أشغل عقول الناس

بعذاب القبر والغيبيات ، حتى اخذتهم من ابتسامة يومهم وفرحتهم المؤقته بنغمة موسيقية ؟
... .....

وجدوا انفسهم ضائعين وحدهم ليضيع معهم
واحد من أهداف رحلتهم ، وهو دخول بيسان
وتصوير بيت خليل الزرعيني والد حنان والصورة المعلقة على الحائط في مدخل البيت والتي تجمع أفراد الاسرة كلهم وحنان ترى فيها ظلّها الباقي في بيسان، وما أجمله من وصف حقيقي لحال الفلسطيني وضياعه في الشتات حيث هو هناك في كلّ امكنة العالم وظلّه في مكان واحد، فلسطين.
ولتحقيق هذا الهدف السامي، اعادة الانسان لظله،
طوّع الكاتب أسمى المشاعر التي تحرك الانسان بديناميكية سريعة مطواعة للتنفيذ، انه الحب الذي يسمو بقيمة الاشياء والاماكن والاتسان
فكل شيء يصبح زائفا بلا حب.
فلولا حب الراوي لحنان ووعده اياها لما اقدم على هذه الخطوة.

حتى وان اقدم عليها بعد وعد طال امده لكنه الانتماء و الوفاء،
وان دارت عليه الايام والليالي، فالوعد كان
يوم كان يخجل الشاب من مصارحة الفتاة بحبه لها، والتنفيذ جاء في زمن ثورة الاتصالات والتواصل الاجتماعي ( الفيس بوك). وتكون المحاولة لتنفيذ الوعد ، لولا التواء في الساق
وضياع الطريق وتخبط الرأي ، وهي رسالة الرواية والكاتب، ان لا عودة ولا استقلال حقيقي
دون علاج للساق وتحديد الطريق وتوحد الرأي ،
شروط وإن بدت سهلة فهي في ظل ما نعانيه من تشرذم وتفكك صعبة المنال.
"- أما زلت تود ان تزور بيسان ؟
- نعم .
- حين تكون جاهزا سنذهب معا." ص 158
......
وقبل النهاية لا بد للاشارة لدور المرأة في الرواية
وان لم يات الكاتب الا على ذكر امراة فاعلة واحدة "حنان" الا انها اخذت الحيز الواسع
الذي تستحق، ويستحق الكاتب عليه احتراما

لايمانه ان لا محفز ولا نهوض باي شيء
بدون قوة تاثير وحضور المرأة.
وفي لمحة صغيرة حيث يجيب ابا نهاد حين سؤاله عن حاله: انا تمام، وزوحتي تمام تمام"
فإن كانت المرأة بخير كان الرجل والبيت والمجتمع والوطن بخير
......................

رحلة أعادت كتابة الرواية بطابع حيوي من خلال حوارات ونقاشات مشوقة محفزة للذهن مؤثرة في النفس، صورت شعب بافكاره وانقساماته واحزابة وآلامه وآماله، من خلال سرد ماتع لم يُثقل بالمكوث التاريخي .
شكرا الاديب صافي صافي على رواية جميلة كان الواقع مسرحها أسدلت ستارها على أمل جميل
وايمان بالحق الذي لا حياد عنه.
......

خالدية حسين أبو جبل
طرعان ، الجليل الفلسطيني

٨ كانون الثاني ٢٠٢٢

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com


مقالات متعلقة