للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
غيّب الموت مساء أمس الأول، الاربعاء، الشاعر والأديب، حنّا أبو حنّا، عن عمر ناهز ال 94 عاما. رحل عنا هذا الكاتب والمبدع والملهم، بعد مسيرة غنية وطويلة من الإنجازات والإبداعات والمساهمات والمبادرات، فقد كان المبدع المؤثر والمُحرّك، والمربي المخلص لرسالته، والمحاضر واسع الإطلاع، تاركًا وراءه فراغًا كبيرًا في المشهد الثقافي.
عاش ونشط وعمل في مدينة حيفا، أحبّ هذه المدينة فبادلته الحب بالحب، وأصبح من رموزها من خلال نشاطه الأدبي الثقافي، ونشاطه السياسي والتربوي والأكاديمي. فأشغل منصب مدير الكلية الأرثوذكسية العربية في حيفا، ومحاضرًا في جامعة حيفا وكلية دار المعلمين. شارك في العام 1951 في إصدار مجلة "الجديد"، وساهم في إصدار مجلة "الغد" في العام 1953، وشارك أيضًا في تحرير صحيفة "الاتحاد"، ومجلة "المواكب" في العام 1984، وقام في العام 1993 بإصدار مجلة "مواقف" الى جانب الشاعر فهد أبو خضرة، وكان لي شرف المساهمة في هذا المشروع الثقافي، حيث توليت في المرحلة التأسيسية للمجلة منصب سكرتير تحرير المجلة، من خلال هذه المساهمة تسنّت لي الفرصة للتعرف أكثر على شخصية المُبدع حنا أبو حنا، والتقرّب من شخصيته، من خلال جمع وإعداد المواد للمجلة والمساهمة في التحرير، والقيام بجولات في المؤسسات الثقافية والتربوية للمساهمة في دعم المجلة وتجنيد مشتركين لها.
ولد حنا أبو حنا في قرية الرينة في العام 1928، تعلّم في صغره في الكُتّاب في قرية أسدود التي تمّ تدميرها في العام 1948، التحق بعدها بالمدرسة الابتدائية الأميرية ، مدرسة المعارف للبنين في حيفا. تنقَّل حنا أبو حنا بين القدس، ورام الله، وجفنا، وأسدود، وقرية نجد، وحيفا، والناصرة، والرينة. كان حنا أبو حنا ملهما ومعلما للأجيال من خلال دوره في الحياة الاجتماعية والثقافية والتربوية، والذي يُعتبر بإرثه الأدبي والثقافي منارة ملهمة للأجيال القادمة. قال عنه الشاعر الفلسطيني الراحل الكبير محمود درويش :"حنا أبو حنّا علّمنا ترابية القصيدة".
علاقته بمؤسسة الأفق للثقافة والفنون
كان لمؤسسة الأفق للثقافة والفنون شرف تسليم جائزة القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية للأديب حنّا أبو حنّا في مؤسسة الأفق في حيفا مساء الثلاثاء 9/8/2016 بمشاركة نخبة من الأدباء والشعراء والفنانين وعُشّاق الكلمة، بدعوة من اللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية التي منحته الجائزة في العام 2015، حيث وقع الاختيار في حينه على مؤسسة الأفق في حيفا من قبل اللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، لتسليمه الجائزة في مركزها في حيفا.
وأنا لا أزال أذكر عندما هاتفني الشاعر مُرهف الحسّ محمد حلمي الريشة، عارضًا عليّ أن يتم تسليم جائزة القدس للثقافة والإبداع للشاعر حنا أبو حنّا في مؤسسة الأفق في حيفا، لم أتمكّن من إخفاء مشاعر التأثر لسببين، الأوّل أن تحتضن المؤسسة هذا الحدث الثقافي الهام، تسليم هذه الجائزة التي تعني لنا الكثير، والثاني لأنّ الجائزة تُمنح لأديبٍ وشاعرٍ لا يختلف اثنان على استحقاقه للجائزة، في زمنٍ يستحيلُ أن يكون هنالك إجماع على شخصٍ مُعيّن، ألا وهو الشاعر والكاتب الفلسطيني الوطني النقّي حنّا أبو حنّا.
ولا أزال أذكر مدى تأثر الشاعر رشدي الماضي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة "الأفق" في حينه حيث قال أنّه لشرفٌ كبير لمؤسسة الأفق أن تحتضن هذا الحدث الثقافي الهام. أما موسى أبو غربية، مدير عام لجنة القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، قال عن تسليم الجائزة للكاتب والشاعر حنا أبو حنا أنه يسلّم الجائزة لعلمٍ من أعلام الثقافة الفلسطينية، وأنّ منح الأديب حنّا أبو حنّا الجائزة هو شرف للجائزة بل يزيدها قيمة. وقال الشاعر محمد حلمي الريشة، رئيس تحرير مجلة "مشارف المقدسية" ورئيس "بيت الشعر" في رام الله، أن منح الجائزة لشاعرنا المُحتفى به حنا أبو حنا هو بمثابة منح الجائزة لكل فلسطيني بقي في وطنه متشبثًا بأرضه في الجليل وحيفا وعكا ويافا واللد والرملة.
ولا أزال أذكر مدى غبطة الشاعر حنّا أبو حنّا معربًا باستلامه هذه الجائزة الأدبية الهامة وفي مدينة حيفا ، فقال بعفويته المعهودة أن هذه الجائزة ليست له وحده، بل لكلّ واحد فينا.
وفي إطار الفعاليات الثقافية التي كانت تقوم بها مؤسسة الأفق للثقافة والفنون آنذاك، كانت تنظم أمسيات ثقافية فنية بعنوان "فنجان إيقاع وابداع"، وكان للمؤسسة شرف استضافة الشاعر حنا أبو حنا في أروع أمسياتها التي عُقدت مساء الاثنين 11 / 11 / 2013 في فندق الكولوني في حيفا وسط اقبال ملفت للنظر من قبل جمهور حيفا والمناطق المجاورة، الذين جاؤوا ليعبروا عن محبتهم وتقديرهم لهذه الشخصية التي اكتسبت ثقة الجميع وتقديرهم واحترامهم. خلال هذه الأمسية تمّ إلقاء الضوء من جديد على مسيرة حنا أبو حنا الأدبية معددين الجوائز الأدبية التي حصل عليها ومؤكدين أن حنا ابو حنا من الرواد الأوائل الذين ساهموا في النهضة الثقافية الفلسطينية من خلال أشعارهم وقصائدهم .
محاضرًا في جامعة حيفا
بالإضافة لإشغاله منصب مدير الكلية الأرثوذكسية العربية في حيفا ، ومساهماته الأدبية والثقافية والتربوية، وقع عليه الاختيار ليحاضر في جامعة حيفا في كلية الآداب، وهناك أيضًا تسنى لي أن أتلقى التعليم الجامعي لديه، وكانت تجربة غنيّة وهامة، فاكتشفت هناك سعة إطلاعه، وكيفية ولوجه الى أعماق النصوص الأدبية، وكيفية معالجتها، فترك أثرًا هامًا لديّ كموجه أدبي وباحث في الأدب والثقافة.
اصداراته ومؤلفاته
حنا أبو حنا أغنى المكتبة الفلسطينية في مجالات مختلفة ومتنوعة كالشعر، الدراسات، السيرة الذاتية، النثر، وأدب الأطفال. في مجال الإصدارات الشعرية: نداء الجراح (مكتبة عمان، 1969م)، قصائد من حديقة الصبر (عكا، 1988م)، تجرَّعت سمَّك حتى المناعة (حيفا، 1990م).
في مجال الأبحاث والدراسات: عالم القصة القصيرة (مطبعة الكرمل، حيفا، 1979م)، روحي على راحتي: ديوان عبد الرحيم محمود. تحقيق وتقديم (مركز إحياء التراث العربي، الطيبة، 1985م)، دار المعلمين الروسية (في الناصرة 1994م)، رحلة البحث عن التراث (حيفا، 994م)، الأدب الملحمي، ديوان الشعر الفلسطيني.
ومن أشهر مؤلفاته سيرته الذاتيّة بثلاثية: ظل الغيمة (1997)، ومهر البومة (2004)، وخميرة الرماد (2004). وصف البروفيسور هشام شرابي هذه الثلاثية بأنها "سيرة جيل بكامله وتاريخ جيل ومستقبل جيل، إنها سيرة حياتك لكنها في الوقت ذاته سيرة حياتي التي حدثتَني عنها في حديثك عن الناصرة وحيفا والقدس ورام الله وقرى الجليل التي عشت فيها".
هذا هو حنا أبو حنا، الكاتب والشاعر والمناضل والانسان والمربي والأكاديمي، جمع كل هذه المجالات بإنسانيته وعفويته بإنسان واحد، أحبّ الحياة والوطن والناس، فبادلوه الحب بالحب، أجمعنا على حبّه رغم صعوبة إجماعنا على محبة شخص واحد، ليس لأننا موحدين، بل لأنه هو بشخصه ومحبته فرض هذا الواقع، فرضه بإخلاصه ونقائه وسعة إدراكه، فأصبحنا نسير على درب المحبة، التي تدخل الى القلوب دون استئذان.