الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 22 / نوفمبر 21:02

الانسان ثقافة وسلوك

د.غسان عبد الله

د.غسان عبد الله
نُشر: 14/04/22 13:55,  حُتلن: 14:09

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

يمكن اعتبار الثقافة ممارسة للأخلاق والقيم ، وفي الحد ألأدنى ألدفاع عنها والالتزام بها ، وأضعف ألايمان اسنادها بكل ما يؤتى المثقف من عزم .
يعيش المجتمع الفلسطيني ، ومنذ فترة ليست بقصيرة ، حالة يمكن وصفها بسرعة ردة الفعل والانفعال الزائد حيال حدث/ أحداث معينة،اذ لم تترك هذه الحالة متسعا كافيا كي يتم التركيز على صناعة الحدث ، بدلا من صناعة وتداول الاخبار، والتي غالبيتها غير مؤكد ، بشتى الوسائل المتاحة .


حتما هناك عدة عوامل وراء ذلك منها الهامش الواسع والمتاح في وسائل التواصل الاجتماعي ، والتي تطور في الاونة الاخيرة بشكل كبير جدا دون رقابة ذاتية أو الالتزام بقواعد وأصول أخلاقيات صناعة الخبر ونشره، الامر الذي اتاح للطرف الاخر ، شحن سهامه ووسائل اعلامه المحمومة وبعض من الطابور الخامس لنشر الاشاعات والاخبار الزائفة بغية تعميق الخلافات والانقسامات وبث الفتن بين فئات الشعب المرابط .


ناهيك عن تعدد مصادر وأشكال الصدمات النفسية التي تلقاه مجتمعنا وبكل فئاته الطبقية ، ولا يزال يتلقاه ، دون التفكير مسبقا بالنتائج المترتبة على هذا السلوك ألاندفاعي كردة فعل حيال أحداث/ حدث .


صحيح كان للاحتلال الاسرائيلي دورا في صناعته ،و قد تكون للضغوط النفسية Personal Stressors ، ولجائحة كوفيد COVID-19 Pandemic ، وللظروف العامة ( اعتقالات ، اغلاقات ، اغتيالات ....) التي تسببّت في المزيد من الضغوطات النفسية Background stressors ، الا أن نمط الصدمة المقصودة هنا والناجمة عن الاقتتال الداخلي ، وبنسبة متزايدة ،وهي وليدة سلوك ذاتي أقدم عليه البعض ، بقصد أو غير قصد ودون وعي وادراك مسبق للنتائج الوخيمة المترتبة عليها .


أتحدث هنا ،عن الصدمة الناجمة عن المبالغة والتهويل في نشر وتداول الاشاعات وألاخبار غير المؤكدة ، أما بخصوص نوعية هذه الصدمة ، هل هي قصيرة المدى أم طويلة المدى ، سيكولوجيا و واقعيا،ومدى حدتها ، كونها وليدة الذات وليست بسب ايذاء سببه طرف خارجي وان كان الاحتلال الاسرائيلي هو المسؤول الاول والاخير عن كل ماّسي شعبنا ، دون الانتقاص من السؤولية الفردية أو الجماعية للتخلص من براثن هذا الاحتلال.


أجتهد هنا لتوقع بعض الانعكاسات السلبية لهذه الصدمة :


- ألبدء بالتشكيك ، ان لم يكن فقدان الثقة بالقدرات الذاتية والجماعية مع غلبة الاعتقاد بتفوق قدرات الطرف الاخر
- تأثير سلبي على قدرة الفرد بالشعور بالسعادة والقدرة على الانحراط بالعمل المنتج
- اهتزاز في العلاقات الاجتماعية سواء داخل الأسرة أو وسط أفراد المجتمع .
- محاولة الامتناع عن حضور /المشاركة أو الذهاب الى مناسبات اجتماعية لها طابع الترفيه (Recreation events )
مقترحات للخروج / التخفيف من حدة اّثارهذا الحدث ألصادم (Traumatic event)
بداية مهم جدا ذكر أنه اذا ما لم تبذل جهودا للتقليل من اّثار هذه الصدمة ،فقد تتطور الحالة الى ما يعرف ب اضطرابات ما بعد الصدمة (Post Traumatic stress disorder- PTSD )، وقد تزداد الامور سوء اذ ما وجدت اضطرابا أخرى مثل الاكتئاب والقلق والرهاب الدائم.


لن يتمكن الجميع التخلص من حدة ألاثار السلبية بنفس المقدار والمستوى والسرعة ، اذ ان هناك عوامل لها دورها الهام في ذلك ، مثل :


• مدى التجارب السابقة المشابهة التي عاشها الفرد في حياته وقدرته على ىتطوير مهارات ألمرونة الذاتية(self- resilience )
• منسوب الايمان لديه بضرورة العمل الجماعي الوحدوي، ومدى تعلقه بروحانيات وقيم أخلاقية من شأنها اعادة رفع تقدير الذات لدى الشخص( self- steam) والعمل على مواجهة التحديات اليومية دون محاولة الخنوع ( submission) أو التجنب( Avoidance) أو ألانعزال( disassociation).
• قدرات الفرد على توظيف كل ما يمكن من أجل ايجاد بيئة نفسية اّمنة له وللمحيطين (Safe place) من خلال تقوية وتعزيز العلاقات الاجتماعية ، الانهماك في عمل يفضي الى نتائج ايجابية ملموسة ، الابتعاد قدر الامكان عن مصادر الاخبالا الكاذبة ( Fake news) .
• الميل الى استخدام/ الاصغاء الى روح الدعابة والنكت ، والاتعاظ والتعلم من تجارب سابقة سواء له/لها أو للغير
• الحاجة دوما الى خفض سقف التوقعات
مما يساهم في الميل الى رفع سقف التوقعات لدى الشخص :
- ألامل الزائد والاحلام الجامحة في التخلص من وضع مزري يعيشه سواء كان نفسيا ، اجتماعيا ، اقتصادي أو سياسيا كحالتنا.
- البحث عن خلاص من هذه الحالة/ الحالات بعد أن افترض بأنه وجد المخلّص له / المنقذ له ، دون أي ثمن شخصي قد يدفعه أو أي مساهمة ذاتية ، فنحن لدينا أرتباط تاريخي مع شخصية الفدائي المخلص،وما نظرتنا الى السيد المسيح كمخلص للبشرية في عهده ، الا خير دليل . أضف الى ذلك ، ومنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية ، ارتبط الخلاص بشخصية الفدائي الثائر على الظلم والاحتلال.

تدرك الغالبية من مجتمعنا ، أن هناك من يعمل ، ومنذ أمد طويل ،على تدمير مقومات نيل الحرية والاستقلال ، بدءا بخصي الشباب وتحييدهم ، غالبيتهم من الطبقة العاملة والحركة الطلابية والمثقفين وقيادات مؤسسات المجتمع المحلي ، وما التسريع في زيادة عدد التصاريح الممنوحة الا أحد أشكال تقليص الصراع والمواجهة بين الشعب المحتل ( بفتح التاء) وسلطة الاحتلال ، الا نموذجا لأسلوب التدمير هذا .


شكل اّخر من أشكال التدمير يكمن في استهداف العملية التربوية التعليمية بطرق شتى ،لا متسع لتناولها هنا.


اسمحوا لي عرض، وباقتضاب، رؤية شخصية لمفهوم الانسان االمثقف السوي الذي نريد اذ تسمو انسانية هذا الانسان المثقف ،اذا ما اتسم بالأتي :
- هو " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فان الجنة هي المأوى"
- الذي يعمل وفق ما يجب وليس وفق ما يحب
- هو الذي يكون كالقهوة وليس كالحليب عند الغليان ، فالأولى تترك اثرا ورائحة زكيّة في حين تترك الثانية منظرا تشمئز منه الذات البشرية .
- هو الذي يكون كالبيضة وليس كالجزرة عند الشدائد ، فالشدائد _غليان الماء يقوّي البيضة ويعمل على جعل الجزرة رخوة)
- هو الذي لا يعتمد على ثقافة الاشاعة والتي باتت تتحكم وتنتشر كالنار في الهشيم.
- هو الذي يقرّويعمل وفق قيم الاختلاف( الليل والتهار كلاهما مكملان لبعضهما البعض)،والتنوع ( السهل والجبل)،و التعددية و حريتي التفكير والتعبير
- هو الذي يعمل بجد وبلا فئوية لاسناد ركائز الهوية الوطنية : الذاكرة والثقافة الانسانية الوطنية
كيف لنا ان نكون هكذا !!
اليوم ، وفي ظل ما يشهده مجتمعنا الفلسطيني من تناحر واقتتال ، للأسف طالت غالبية فئاته ، نحن بحاجة الى
• تكمن أولى الخطوات في العودة الى قيمنا السمحة والأصيلة : من خلال التثاقف مع الاخر الفلسطيني وتعزيز لغة ومهارات الحوار ،كي تستقيم حياتنا وفق الفطرة السويّة، وذلك كون القيم والاخلاق هي التي يجب أن تبلور وجهة ومسار الانسان ويكون سلوكه كاشفا لقيمه وأخلاقه .
• توفير أجوء الاختلاف في الرأي واحترام الاخر مما يضمن التعددية في المجتمع ووأد الفئوية الضيقة ونهج الاقصاء الذي بتنا نعاني منه جميعا .
• تشكيل المجالس الشعبية لحماية والنهوض بالواقع التربوي التعليمي ، وعلى كافة مستوياته
• تشجيع العمل التطوعي التعاوني الذي يضمن الاختلاط مع أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن الجنس ، الدين أو العمر ، مما يتيح لنا التعرف على مشاعر، احتياجات ، مخاوف ورغبات الاّخر .
• أعود الى ضرورة تعزيز نهج الحوار وعلى كافة المستويات ، بدلا من اللجوء الى ألاقتتال وألاخذ بالثأر . هنا أرى مسؤولية كبرى على وزارتي التربية والتعليم العالي من خلال أقرار مواد الزامية في منهاج التربية الوطنية ومساقات الزامية في الجامعات والمعاهد حول التربية من أجل الحوار وتعزيز السلم ألاهلي لأهميته الوطنية والتنموية ، اضافة الى توسيع الهامش أمام مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الانسان والتعددية الفكرية .

* القدس

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   


مقالات متعلقة