للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
المكان يشكل دورًا مركزيًا في البناء الدرامي للرواية والقصة القصيرة والمسرحية، فالمكان هو بمثابة العمود الفقري الذي يربط أجزاء الانتاج الأدبي بعضها ببعض، فأحداث أي عمل أدبي تحدث في إطار مكان وزمان محددين. المكان في العمل الروائي أو المسرحي أو القصصي يمكن أن يكون واقعيًا أو خياليًا، ويمكن أن يبرز كما ورد في كتاب عالم الرواية لرولان بورنوف، من خلال وجهة نظر الراوي أو شخصية من الشخصيات، ويكون مرتبطًا بالشخصيات ليتجاوز كونه إطارًا جغرافيًا فقط، فممكن أن يدخل في جدلية مع الأشخاص ونفسياتهم والأحداث ودلالاتها، فيمكن وصف الطبيعة مثلًا كوسيلة لرسم الشخصيات وحالاتها النفسية، وبالتالي يصبح المكان عنصرًا بنائيًا ودلاليًا في العمل الروائي ويساهم في تحديد معالم وطباع الشخصيات.
كما أن العلاقة بين الإنسان والمكان هي علاقة جدلية بين المكان والحرية ، ومما لا شك فيه أن الحرية في أكثر صورها بدائية هي حرية الحركة ، فالمكان يصبح إشكالية إنسانية إذا ما اغتُصب ، أو إذا حُرمت منه الجماعة، لذلك يكتسب تصوير المكان خصوصية بالنسبة للأدب الفلسطيني الذي يتحدث عن مكان مُغتصب وعن نضال الشعب لاسترداده ، وإشكاليات هذا النضال سواء في المكان المُغتصب، أو في أماكن اللجوء. وتبعاً لهذا التفرد في الوضع الفلسطيني قام الخطاب الروائي برمته على الإحساس المؤلم بالفضاء، ونهض مفهوم الفضاء على أساس التناقض بين ما كان، وما هو كائن، بين حلم الوطن وحقيقة المنفى.
كما أشار ادوارد سعيد في كتابه "الاستشراق" الى تأثير المكان في بلورة هوية المقيم في هذا المكان، وعلاقة الانسان بالمكان، حيث اعتقد ادوارد سعيد بأن "الهوية هي نتيجة لسؤالين: من نحن؟ ومن أين أتينا؟ الاجابات على تلك الأسئلة صعبة لأننا عندما نكون في المنفى، نصبح الآخر، أي النقيض.
من خلال هذا الطرح، الذي هو بمثابة مقدمة لدراسة دلالات المكان في الأدب الفلسطيني، يمكننا أن نبحث في أثر المكان في بناء الشخصية وعلاقتها فنيًا بالرواية الفلسطينية. فهل في الرواية التي سيتم معالجتها تعتبر تشكيلة المكان الذي تجري فيه الأحداث متناغمة مع مزاج وطبائع شخصياتها، وهل هنالك تأثير متبادل بين الشخصيات والمكان الذي تعيش فيه؟
سُؤَالُ الهُوِيَّة
إنَّ أبطالَ رواية "رجال في الشَّمس" للكاتب غسان كنفاني على سبيل المثال، عندما غادروا وطنهم بحثًا عن الرزق، أدى الى انخراطهم في المنفى، باحثين عن حلول فردية لمشاكلهم ومآسيهم. هذا الطريق الذي اختاروه هو المكان المعاكس للوطن، وخارج العمل الجماعي. ثم نهايتهم المأساوية داخل خزّان لشاحنة ، هذا الخزّان الذي تحول الى قبر للفلسطينيين الذين غادروا وطنهم، ليتم وضع جثثهم فوق مزبلة في الصحراء. كل هذه الأماكن دلالات ورموز، فلماذا أصبح خزّان الشاحنة في المنفى قبرًا، ولماذا وُضعت جثثهم على مزبلة في المنفى؟ هل المكان يصبح إشكالية إنسانية في تلك الحالات؟
ما هي هوية هؤلاء الفلسطينيين الذين لم يحاولوا قرع جدران "الخزّان في رواية "رجال في الشمس"، وهل هنالك علاقة بين عجزهم عن قرع جدران الخزّان وسيرهم في الاتجاه المعاكس لوطنهم؟ هل يمكن اعتبارهم النقيض لأنهم أصبحوا في المنفى كما ورد في نظرية "الاستشراق" لادوارد سعيد؟
ولدى محمود درويش نلاحظ تجذّر لحظة الاقتلاع من الأرض ونفي أهلها منها في قصائده، التي خلّفت لديه الاحساس بالظلم والقهر. ومنذ تلك اللحظة وهو يعيش حالة هجرته خارج المكان، ليحتفظ بذاكرته صور وتجارب تلك المرحلة، التي ستكون البؤرة لموضوعة الشعر الأول: المكان - الأرض، ومجتمع العواطف البدائيّة: الحنين – الزمان.
العلاقة بين الشعر والمكان لم تنقطع في كافة المراحل، لهذا من الضروري التعرف على بنية وهوية المكان في الشعر الفلسطيني، فعلاقة المكان في الشعر ترتبط بالذاكرة الجماعية والفردية، فعن طريق العلاقة التاريخية يمكننا استعادة المكان، ليتحول المكان بالتالي في النص الشعري الى فكرة.