للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
في بدايات القرن الـ 16 زار الراهب "مارتن لوثر" روما، وصُدم من هول ما رأى في الفاتيكان، فانتقد سلطات البابا المطلقة، وعاب على رجال الكنيسة انصرافهم لجمع الثروة وترفعهم عن الشعب، ما أدى به لقيادة عملية إصلاح ديني ثورية، ترافقت معها حروب دينية عنيفة، نجم عنها انقسام العالم المسيحي بين المذهبين الكاثوليكي والبروتستانتي. [1]
الانقلاب الفكري للبروتستانتية جعل اليهود هم شعب الله المختار والأمة المفضلة على كل الأمم، وبدأ الاعتقاد بأن ثمة ميثاقاً إلهياً يربط اليهود بفلسطين، وأن العودة الثانية للمسيح ترتبط بقيام دولة صهيون الإسرائيلية في فلسطين، قبل أن يعود ويقيم مملكته مدة ألف عام، ثم تقوم الساعة بعد ذلك (؟!).[2]
في عام 1523م كتب لوثر كتابه “المسيح ولد يهودياً”، وشرح فيه المواقف المؤيدة لليهودية، وأدان اضطهاد الكنيسة لليهود محتجاً بأن المسيحيين واليهود ينحدرون من أصل واحد.[3] (ثم انقلب على أفكاره بكتبه اللاحقة فصاغ لوثر فيها فكرة الشعب العضوي المنبوذ صياغة متبلورة، فهو يطالب بعدم إعاقة اليهود عن "العودة" إلى أرضهم في يهودا (أي فلسطين) ويوصي بتزويدهم "بكل ما يحتاجون إليه في رحلتهم لا لشيء إلا لنتخلص منهم، إنهم عبء ثقيل وهم بلاء وجودنا". ونحن نرى في هذه العبارات نمطاً متكرراً في الحضارة الغربية. فمعاداة اليهود تُترجم نفسها دائماً إلى دعوة صهيونية، أي طرد اليهود وتوطينهم في فلسطين. وتشبه عبارات لوثر بعض العبارات التي وردت في المقدمة التي كتبها بلفور، صاحب الوعد المشهور، لكتاب تاريخ الصهيونية الذي كتبه ناحوم سوكولوف. وكانت آخر موعظة ألقاها لوثر، قبل موته بأربعة أيام، نوعاً من الهجوم على اليهود والمطالبة بطردهم.)[4]
الانقسام في الكنيسة، أوجد وعمّق خلافات كثيرة بين المذهبين في مسائل عديدة، من بينها الموقف من اليهود، فحتى ذلك الوقت، كانت الكنيسة الكاثوليكية تعتبر فلسطين الوطن المقدس للمسيحيين، وظلت تفصل ما بين اليهود القدامى واليهود المعاصرين، ولم تنظر لهم بوصفهم شعب الله المختار، الذي قدر له أن يعود إلى أرض الميعاد، بل نظرت للخطايا التي ارتكبوها بحق الرب، وبناء على ذلك تم عزل الكثير من الجماعات اليهودية في أحياء مغلقة.
أما الكنيسة البروتستانتية[5] الأصولية فكان لها رأي آخر، إذْ آمنت بأن قيام دولة "إسرائيل" مسألة دينية، باعتبارها تجسيداً لنبوءات الكتاب المقدس، وتشكل المقدمة لمجيء المسيح المخلص إلى الأرض، وبالتالي رأت أن من واجبها الدفاع عن اليهود، وعن حقهم بوطن قومي، ما أدى فيما بعد إلى بروز ما تسمى المسيحية الصهيونية، التي ساهمت بتغيير النظرة الأوروبية (أو جزء منها) تجاه اليهود، حيث أخذ بعض الأصوات المسيحية ينادي بعودة اليهود إلى "أرض الميعاد". الموهومة.
وعنها يقول الأب ديفيد نويهاوس "تعمل المسيحية الصهيونية على خلط الدين بالسياسة خدمةً للمصالح الإسرائيلية. فالمرجع التوراتي لهذا السلوك السياسي يأتي من كلمة الله لإبراهيم عندما قال "أبارك مباركيك وألعن لاعنيك" (سفر التكوين 2:12). على كل حال، من المهم الملاحظة أنه رغم مناصرة المسيحية الصهيونية لليهود فإنها ليست حليفة للديانة اليهودية."[6]
ويقول د.عبدالوهاب المسيري: (ولا يزال كثير من غلاة البروتستانت يأخذون بالتفسير الحرفي للعهد القديم، وينظرون إلى فلسطين باعتبارها أرضاً مرتبطة باليهود، وينظرون إلى اليهود باعتبارهم العبرانيين القدامى، ويتفشى في صفوفهم تفكير صهيوني وحُمَّى استرجاعية ألفية.ويرى كثير منهم أن دولة "إسرائيل" هي تحقيق للنبوءات التي وردت في العهد القديم.
لكن هذا لا يعني أن ثمة علاقة عضوية أو سببية بين البروتستانتية والصهيونية. وكما أسلفنا، تحوي الرؤية الاسترجاعية البروتستانتية قدراً كبيراً من كراهية اليهود ورفضهم. وتتحدث إذاعات غلاة البروتستانت في الولايات المتحدة عن ضرورة عودة اليهود، ولكنها ترى أيضاً أن هتلر هو سوط العذاب الذي أرسله الإله لتعذيب اليهود لإنكارهم المسيح.)[7]
(سلسلة مقالات حول 13 شخصية ساهمت في تأسيس الكيان الصهيوني على حلقات، وهذه الحلقة الثانية منها)
#بكر_أبوبكر
https://bakerabubaker.info/
الحواشي:
[1] عن مقال للكاتب عبد الغني سلامة بعنوان المسيحية الصهيونية في صحيفة الأيام الفلسطينية 6/2/2017. ومن موقع السبيل وربى الحسيني حول المسيحية الصهيونية عام 2017.
2 أثار اللاهوت البروتستانتي قضية شديدة الخطورة وهي قضية الخلاص. فالخلاص ليـس ممكنا من خلال إقامة الشـعائر المقدَّسة، إذ أن مفتاح الخلاص أصبح من خلال النعمة الإلهية والاختيار الإلهي المستمر للبقية الصالحة. ومع تزايد أهمية الاختيار ومركزيته، طُرح سؤال عن العلاقة بين الميثاق والعهد الجديد، هل يفسخ العهدُ الجديد العهدَ القديم أم يُضاف إليه؟ وهذا ما يطرح سؤالاً آخر: هل يظل اليهود شعباً مختاراً؟ وكانت المسيحية الكاثوليكية ترى نفسها «إسرائيل الحقيقية» (باللاتينية: إسرائيل فيروس Israel verus). وكان رأي الكنيسة الكاثوليكية أن مجئ المسيح قد نقض العهد الإلهي ل"إسرائيل" وأنهاه.
3 ومما قاله في كتابه المسيح ولد يهوديًا: إن الروح القدس شاءت أن تنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم. إن اليهود هم أبناء الرب ونحن الضيوف الغرباء، وعلينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل ما يتساقط من فتات أسيادها. ثم ألف كتاباً آخر اسمه “ما يتعلق باليهود وأكاذيبهم” عام 1544م، وطالب فيه بنقل اليهود من ألمانيا قائلاً “من الذي يحول دون اليهود وعودتهم إلى أرضهم في فلسطين، لا أحد، إننا سنزودهم بكل ما يحتاجون إليه في رحلتهم، لا لشيء إلا لنتخلص منهم”.
4 من فصل: البروتسـتانتية (القـرنان السـادس عشر والسابع عشـر)، عن كتاب عبدالوهاب المسيري المعنون: الجماعات اليهودية التحديث والثقافة،المجلد الثالث، ص2-6.
5يرى "ماكس فيبر" أن ثمة علاقة تبادلية بين الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية الرشيدة فالبروتستانتية هنا هي «تهويد» للمجتمع المسيحي بالمعنى الذي استخدمه ماركس.
6 الأب ديفد نويهاوس في مقاله: ما هي المسيحية الصهيونية؟ المنشورة في موقع الهدف عام 2015.
7عبدالوهاب المسيري، مصدر سابق.
[1] عن مقال للكاتب عبد الغني سلامة بعنوان المسيحية الصهيونية في صحيفة الأيام الفلسطينية 6/2/2017. ومن موقع السبيل وربى الحسيني حول المسيحية الصهيونية عام 2017.
[2] أثار اللاهوت البروتستانتي قضية شديدة الخطورة وهي قضية الخلاص. فالخلاص ليـس ممكنا من خلال إقامة الشـعائر المقدَّسة، إذ أن مفتاح الخلاص أصبح من خلال النعمة الإلهية والاختيار الإلهي المستمر للبقية الصالحة. ومع تزايد أهمية الاختيار ومركزيته، طُرح سؤال عن العلاقة بين الميثاق والعهد الجديد، هل يفسخ العهدُ الجديد العهدَ القديم أم يُضاف إليه؟ وهذا ما يطرح سؤالاً آخر: هل يظل اليهود شعباً مختاراً؟ وكانت المسيحية الكاثوليكية ترى نفسها «إسرائيل الحقيقية» (باللاتينية: إسرائيل فيروس Israel verus). وكان رأي الكنيسة الكاثوليكية أن مجئ المسيح قد نقض العهد الإلهي ل"إسرائيل" وأنهاه.
[3] ومما قاله في كتابه المسيح ولد يهوديًا: إن الروح القدس شاءت أن تنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم. إن اليهود هم أبناء الرب ونحن الضيوف الغرباء، وعلينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل ما يتساقط من فتات أسيادها. ثم ألف كتاباً آخر اسمه “ما يتعلق باليهود وأكاذيبهم” عام 1544م، وطالب فيه بنقل اليهود من ألمانيا قائلاً “من الذي يحول دون اليهود وعودتهم إلى أرضهم في فلسطين، لا أحد، إننا سنزودهم بكل ما يحتاجون إليه في رحلتهم، لا لشيء إلا لنتخلص منهم”.
[4] من فصل: البروتسـتانتية (القـرنان السـادس عشر والسابع عشـر)، عن كتاب عبدالوهاب المسيري المعنون: الجماعات اليهودية التحديث والثقافة،المجلد الثالث، ص2-6.
[5] يرى "ماكس فيبر" أن ثمة علاقة تبادلية بين الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية الرشيدة فالبروتستانتية هنا هي «تهويد» للمجتمع المسيحي بالمعنى الذي استخدمه ماركس.
[6] الأب ديفد نويهاوس في مقاله: ما هي المسيحية الصهيونية؟ المنشورة في موقع الهدف عام 2015.
[7] عبدالوهاب المسيري، مصدر سابق.