الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 19:01

شخصيات أسست للكيان-جوزف (يوسف) ستالين

بقلم: بكر أبوبكر

بكر أبوبكر
نُشر: 30/06/22 10:22,  حُتلن: 10:40

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

يوسف ستالين ( 1878-1953م) كان الزعيم الثاني للاتحاد السوفييتي المنحل، (روسيا لاحقًا) وبحلول ثلاثينيات القرن العشرين أصبح دكتاتوراً بحكم الأمر الواقع. وحظي ستالين الذي يعتبر على نطاق واسع واحداً من أهم شخصيات القرن العشرين، بعبادة شخصية واسعة الانتشار داخل الحركة الماركسية اللينينية الدولية، والتي تبجّله كبطل للطبقة العاملة والاشتراكية. وظل دوره في إنشاء الكيان الصهيوني غير معروف حتى تم كشفه مؤخرًا من قبل الكاتب اليهودي الروسي الشهير "ليونيد مليتشين"، والكاتب العربي المصري د.سامي عمارة واليكم الحكاية.

رئيس الاتحاد السوفيتي الأول فلاديمير لينين رهن شبه جزيرة القرم مقابل 20 مليون دولار، وأرادها خلفه ستالين بدعم أمريكي أن تكون وطنًا قوميًا لليهود بدلًا من فلسطين، وكانت الرغبة متقاطعة أيضا مع تحركات مولوتوف وزير خارجية الاتحاد السوفيتي وقتها -وهو يهودي الديانة.[1] وبدا ذلك منذ العام 1929 بالاتفاق الرهني مع الوكالة اليهودية لما سمي "كاليفورنييا القرم" كجمهورية يهودية سوفييتية اشتراكية.

وبالفعل تدفق آلاف اليهود على القرم، وظهرت المزارع التعاونية (الكولخوز) التي بلغ عددها 186 مزرعة، ومعها بدأ صرف أول القروض المالية التي كان التقاعس في سدادها يعني أحقية أصحاب الصكوك ممن بلغ عددهم 200 من اليهود في ملكية أراضي القرم.

وعندما أدرك ستالين خطورة الموقف قام بخطوة انقلابية مزدوجة، فهو أولا تراجع عن فكرة تأسيس "وطن قومي لليهود" في القرم، معتبرا أن مثل هذه الخطوة كانت ستنسف فكرة الاستقرار والتعايش بين مختلف القوميات في الاتحاد السوفيتي، لا سيما بعد الانتفاضات المتواصلة من جانب سكان القرم من التتارالمسلمين، واليونانيين والألمان والبلغار.

أمر ستالين ثانيا بإنشاء المقاطعة اليهودية ذات الحكم الذاتي في الشرق الروسي الأقصى عام 1934م، وهي منطقة الحكم الذاتي (الأوبلاست) وعاصمتها هي مدينة بيروبيجان، وهي المنطقة/المقاطعة القائمة حتى اليوم رغم قلة عدد اليهود فيها كثيرًا.[2]

استغل اللوبي اليهودي في أمريكا نشوب الحرب الاوربية المسماة (العالمية) الثانية من أجل إحياء فكرة توطين اليهود في شبه جزيرة القرم مرة أخرى، وفي هذا الإطار عمدت القيادة الأمريكية إلى ممارسة الضغط على ستالين لتنفيذ ما جرى وسبق الاتفاق عليه.

رضخ ستالين مؤقتا وتلكأ حسب الرواية لسامي عمارة و ليونيد مليتشين فطرح أن تكون جمهورية يهودية بحكم ذاتي وليست دولة مستقلة، ومع الضغط والتملص وجد ستالين ضالته في وعد بلفور عام 1917م وأعلن دعمه لإنشاء وطن لليهود في فلسطين. ثم دعم ترحيل اليهود من مواطنيه الى فلسطين.

وبحسب ما نقلته هيئة الإذاعية البريطانية فإن الكاتب اليهودي الروسي الشهير ليونيد مليتشين، أصدر كتابا في موسكو عام 2005، بعنوان "لماذا أنشأ ستالين إسرائيل؟"، وأكد مليتشين أنه "لم تكن "إسرائيل" لتظهر إلى الوجود لو لم يكن ستالين أراد قيامها"، وذلك من أجل الحفاظ على القرم.

وفي محاولة من ستالين للتملّص من الديون اليهودية كان الاتحاد السوفيتي أول من اعترف ب"إسرائيل" فور إعلان قيامها في مايو/أيار عام 1948.[3] وكان قد زودها أيضًا بالرجال والسلاح بلا تحفظ![4]

في كتاب د.سامي عمارة المعنون: "موسكو- تل أبيب: وثائق وأسرار"، يقول عمارة أن الوثائق الرسمية التي بحث فيها تكشف أن "ما قدمه الاتحاد السوفيتي من جهد ومساعدات كان العامل الرئيسي في تثبيت أقدام دولة "إسرائيل"، على النقيض من الشائع عن أن الوعد البريطاني الصادر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917، كان هو أهم عوامل قيام الدولة".[5]

وتؤكد الشهادات، المستندة إلى ملفات جهاز أمن الدولة السوفيتي "كي جي بي"، أن الزعيم السوفيتي الراحل ألقى بثقله وراء مساعي تنفيذ وعد بلفور لليهود بإقامة وطن لهم في فلسطين كي ينقذ شبه جزيرة القرم الاستراتيجية، جنوبي الاتحاد السوفيتي، من خطة يهودية أمريكية رمت إلى إقامة هذا الوطن فيها.

يذكر الكاتب الفلسطيني نبيل عودة[6] قائلًا: قال لي قائد شيوعي يهودي سابق التقيته قبل أشهر قليلة في برنامج سياسي جمعنا بتل ابيب، انه: لولا ستالين لما قامت دولة "إسرائيل". سألته: هل بسبب ذلك كنت شيوعيا؟ أجاب: هذا صحيح أيضا!

ويذكر الباحث والكاتب الماركسي وسام رفيدي أنه: عندما كان الشيوعيّ الحيفاويّ إميل توما محرِّرًا للصحيفة الناطقة باسم "عصبة التحرّر،" حزبِ الشيوعيّين العرب حتى أوائل العام 1948، كتب معارضًا قرارَ التقسيم، الذي دافع عنه الاتّحادُ السوفييتيّ باستماتة، فقال: "صداقتُنا للاتحاد السوفييتيّ، كدولةٍ غيرِ إمبرياليّةٍ مؤيّدةٍ لحريّة الشعوب، لا تعني أنّنا مرتبطون بسياسة خارجيّة غربيّة. فنحن، وكلُّ الديمقراطيّين، نتّخذ سياسةً مستقلّةً، لا ترتبط بسياسة الاتحاد السوفييتيّ، أو أيِّ تنظيمٍ آخر، لأنّ سياستنا تصبو إلى هدف الحريّة والعدالة لشعبنا."

لكنّ توما عاد واعتذر عن موقفه هذا، تحت ضغط "العصبة." ومع ذلك عوقب باستبعاده من قيادة الحزب الشيوعيّ الإسرائيليّ (ماكي) حتى بداية الستينيّات. وللتاريخ نسجِّل أنّ القائد الشيوعيّ النقابيّ بولس فرح استمرّ في موقفه الوطنيّ الرافضِ للتقسيم، فظلّ مُستبعَدًا من صفوف الحزب.[7]

الموقف السوفيتي (الروسي) المؤيد والداعم لقيام الكيان تغير كليًا مع العدوان الصهيوني الغاشم على الأمة العربية في العام 1967.

-------------------- 

الحواشي:

[1] الدكتور سامي عمارة الكاتب والصحفي المصري المقيم في موسكو -في كتابه "بوتين صراع الثروة والسلطة"، الصادر عن دار نهضة مصر عام 2016، وللنظر في ما سطّره الكاتب اليهودي الروسي الشهير ليونيد مليتشين في كتابه الصادر عام 2005، بعنوان "لماذا أنشأ ستالين إسرائيل؟".

[2] قال ألكسندر ليفنتال محافظ المقاطعة العبرية ذات الحكم الذاتي في روسيا الأربعاء 20 يناير/كانون الثاني 2016م إنه يؤيد اقتراح الرئيس بوتين (لعودة يهود أوربا الى روسيا، بعد شكواهم له من الاضطهاد) قائلا: "مستعدون لقبول جميع اليهود الذين سبق لهم أن انتقلوا إلى دول أخرى لأسباب شتى. إننا مستعدون لاستقبال جميع أولئك الذين يريدون العودة إلى ربوع الوطن أو الانتقال ليعيشوا هناك. وسنستقبل بلا شك اليهود من الدول الأوروبية، حيث من غير المستبعد تعرضهم لاعتداءات من قبل متطرفين معادين للسامية". وتضيف RT (وكالة الانباء الروسية) الى ما سبق أنه: في عام 1928 قررت الحكومة السوفيتية تخصيص المناطق المحاذية لنهر أمور في محيط مدينة بيروبيجان في الشرق الأقصى الروسي لإسكان اليهود. وفي عام 1934 نالت المنطقة المذكورة صفة المقاطعة ذات الحكم الذاتي. وتعد المقاطعة من المناطق الروسية ذات الكثافة السكانية المنخفضة، ويشكل اليهود قرابة 1% من سكانها.

[3] في مصادر أخرى أنها (روسيا) ثالث دولة اعترفت بالكيان الصهيوني. وحسب السياق التاريخي تقدمت "إسرائيل" بطلب الحصول على عضوية في الأمم المتحدة بتاريخ 15 مايو 1948، أي بعد يوم واحد من وثيقة إعلان قيامها ولكن الطلب لم يتخذ من جانب مجلس الأمن. ورفض مجلس الأمن طلب "إسرائيل" الثاني في 17 ديسمبر 1948 بأغلبية 5 أصوات مقابل صوت واحد مع امتناع 5 أعضاء عن التصويت. وصوتت سوريا سلباً، أما الولايات المتحدة والأرجنتين وكولومبيا والاتحاد السوفياتي وأوكرانيا فصوتت إيجاباَ، وامتنعت كل من بلجيكا وبريطانيا وكندا والصين وفرنسا عن التصويت. بعد فشل "إسرائيل" في طلبها الانضمام إلى الأمم المتحدة في خريف 1948، عادت وقدمت طلباً آخر في ربيع 1949. بعد التصويت (37 مع، 12 ضد، و9 ممتنع)، أصدرت الجمعية العمومية قرارها رقم 273 بتاريخ 11 مايو 1949 بقبول عضوية "إسرائيل" بناءً على إعلانها بأنها «تقبل بدون تحفظ الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وتتعهد بتطبيقها من اليوم الذي تصبح فيه عضواً في الأمم المتحدة» وبأنها تتعهد بتطبيق قرارا الجمعية الصادر 29 نوفمبر 1947 (قرار تقسيم فلسطين) و 11 ديسمبر 1948 (قرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين) وهذا ما لم يحدث لحد الآن.

[4] بالنسبة إلى "غييوم ريبوت"، صاحب الشريط (الفيلم) الوثائقي “حياة ومصير الكتاب الأسود” (Vie et destin du “Livre noir” الذي تم بثه في قناة فرنسا 5 يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2020)، فإن معاداة ستالين للسامية هي التي تفسر هذا التناقض. عندما كان مراهقًا التحق بمدرسة تيفليس الأرثوذكسية، وبقي متأثرا بلا شك برسوخ الأحكام المسبقة المعادية لليهود في الإمبراطورية القيصرية.

[5] عن موقع بي بي سي عربي 29 أيار/مايو 2021م.

[6] نبيل عوده في مقاله: (يوميات نصراوي: الشيوعية كما عرفتها في "اسرائيل")، والمنشور في صحيفة بانوراما التي تصدر في الداخل الفلسطيني "إسرائيل" بتاريخ 28/8/201م. ويضيف بذات المقال الذي يقرع فيه موقف الشيوعيين الفلسطينيين القابل بقرار التقسيم بناء على أوامر ستالين بالقول: هل كان يجب ان ننتظر الانشقاق في الحزب الشيوعي عام 1965، حتى نبدأ في فهم التضليل الذي كان من نصيب الرفاق العرب، وبأن القيادات اليهودية لحزبهم الشيوعي كانت صهيونية ولم تزل؟

[7] وسام الرفيدي في مقالته عام 2017 في دورية الآداب المعنونة: الحركة الشيوعيّة في فلسطين: إشكاليّات جوهريّة منذ التأسيس.

*(سلسلة مقالات حول شخصيات ساهمت في تأسيس الكيان الصهيوني على حلقات، وهذه الحلقة 13 منها)

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة