للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
دخلت الأبناء الى القاعة الفارغة وسرعان ما امتلأت بأصواتهم وشغفهم وضحكاتهم، واسئلتهم ونظراتهم الي، من أنت؟! من أين جئت؟ كان الفضول يملأ نظراتهم وتعابيرهم فلكل واحد منهم العديد من الخفايا والتخبطات والصراعات يحلمه معه دون المشاركة في أغلب الأحيان. دخلوا جميعًا الى تلك القاعة، متشوقون لمعرفة مضمون اللقاء الذي يتناول عنوان "جيل المراهقة" وعلاقتهم بالأهل، ومن جهة أخرى كانت الأهالي على انتظار الساعة التي من خلالها ينتفضون تعبيرًا عن التحديات التي تواجههم في تربية الأبناء.
الأبناء
قال معتز (اسم مستعار): " انا ما بفهم ع اهلي واهلي ما بفهموا علي، عندي خوف اشاركهم بشو بحس"
قالت ريما (اسم مستعار): " الصراحة، اذا اهلي ما اعطوني شو انا بدي، وما وافقوا، بعمل من ورا ضهرهم"
قال بشارة (اسم مستعار): "في فجوة كبيرة بينا وبين أهلنا ومفكرينا ولاد صغار وما منعرف نقرر عن حالنا"
قال معتصم (اسم مستعار): " مرات بتعصبن الواحد وما بقدر يمسك حالو وبعدين بس يفكر بشو عمل بضايق"
قالت رنا (اسم مستعار): " ما بحس انو بقدر احكي لاهلي شو بحس وبفكر عن جد .. بخاف من ردة فعلهن".
من منا لم يراهقتراهق؟! جميعنا مررنا في جيل المراهقة الذي يحمل في طياته العديد من التحديات والمَزايا التي تساعد في بلورة هوية الفرد واستقلاليّته، فهو عبارة عن مرحلة انتقاليّة من ضِفة الطفولة إلى ضِفة النُضوج، تَحدث خلالها التطورات الجسمانيّة والنفسيّة والفكريّة والجنسيّة التي تحفز الفرد للبحث عميقًا عن ذاته الحقيقية أو للاسف الابتعاد عنها في حال تعرقل العبور على الجسر ما بين الطفولة والبلوغ.
هنالك ثلاث مراحل تَصف جيل المراهقة وتميّزه من حيث التغييرات والاهتمامات التي تطرأ على المراهق:
المرحلة المبكرة
هذه المرحلة تقريبًا تحدث من جيل 9-14 حيثُ يبرز البلوغ الجسدي عند الفرد، وجميعنا نبلغ جسديًا وجنسيُا ذكور واناث (نمو الثديين، نمو عظام الحوض، نمو الرحم، ظهور الشعر في العانة وتحت الإبطين، ازدياد الطول،كبر حجم الخصيتين، نمو العضلات، ظهور شعر اللحية والشارب، خشونة في الصوت)، هذا النمو يولد معه العديد من الأفكار والتحديات النفسيّة التي تحدد فيما بعد علاقة الفرد بالأهل واستقلاليّته، أذكر مشاركة من فتاة في احدى الورشات: "اللحظة اللي شفت بقعة بنيّة ع لباسي الداخلي كل اشي تغيّر" حيث ذكرت أن كل النساء من حولها بدأت تلقي عليها الحِكَم والنصائح والعبارات التي ادخلتها في دوامة وكَبحت جماحها من التقدم والازدهار وان تكون على طبيعتها، مما أدى الى انغلاقها على ذاتها بكل ما يتعلق بالتواصل مع جسدها وجنسيّتها. وآخر شارك بعيدًا عن أفراد المجموعة عن التحرشات الجنسية من قبل شباب أكبر منه سنًا او في مثل جيله، الذي يحاول جاهدا الابتعاد عنهم. والكثيرين شاركوا عن المظهر الخارجي الذي كان يلعب دورًا هامًا في بلورة نفسيتهم في هذه المرحلة.
المرحلة الوسطى
هذه المرحلة تقريبًا تحدث من جيل 14-17 يزيد اهتمام المراهق بالجنس الآخر، ويبدأ ببلورة مفهوم الإعجاب والانجذاب، تظهر واضحة نزعة الانتماء الى جماعة والتماثل معها والابتعاد عن الأهل وهذا جزء طبيعي لتكوين هوية الفرد واستقلاليته الذاتية. فيَحدث أن يقوم المراهق بالبحث عن ذاته، اهتماماته وأفكاره من خلال المجتمع والبيئة التي يعيش بها، ومن الممكن جدًا أن يقوم بالابتعاد او الغاء بعض المعتقدات والعادات التي لا تلائم نمط حياته لذلك نرى العديد من المشاحنات والاضطرابات بين الأهل والمراهق وخصوصًا بالعادات والتقاليد وأسلوب الحياة. هذه الفسحة مهمة جدًا لتكوين "الذات الحقيقة" وبلورة هوية اصليّة. الهوية الحقيقة تبدع في حياة قريبة الى الذات مع تواصل وانسجام من الداخل والخارج. للوصول إلى هذه المرحلة على الفرد البحث والتعمق بذاته وبالمجتمع الذي يعيش به وأن يختار ما يلائمه وفقًا للأسس والمبادئ الاساسية. ولا اقصد هنا العادات والتقاليد.
المرحلة المتأخرة
السيرورة التي يمر بها المراهق من البداية الى هذه المرحلة مهمة لتكوين الذات وخاصة الهوية "من أنا؟" في هذه المرحلة يتم التحول والانتقال إلى مرحلة الشباب المبكر حيث تتوقف التحولات الجسدية. هنا يحدث أن يقوم الفرد بالعمل والخروج من سلطة الأهل المادية، ويستمر في تكوين مبادئه وأفكاره وذاته.
أنماط الأهل التي لها علاقة قوية في تكوين شخصية الفرد وهويته:
1. النمط "الحازم" وهو الذي يقوم به الأهل من خلال احتواء وتقبل وفهم لكل ما يمر به المراهق من اضطرابات وتحديات وايضًا يشرف على تصرفاته، يقوم الأهل ايضًا بوضع معايير واضحة لتصرفات المراهقة دون تدخل مفرط والحد من حريتهم واستقلالهم. إعطاء حب ودعم لتكوين الذات والهوية الشخصية والمعنى من ذلك أكثر دعم وأقل عقاب، هذا النمط يشجع استقلالية الفرد.
2. النمط "المتسلط" النوع الذي لا يقبل المراهقة ويشرف عليها بطريقة جدًا شديدة حيثُ يقوم بوضع الاوامر والطلبات والتوقعات بشكل صارم وعنيد مع الابناء، دون أخذ بعين الاعتبار التخبطات والمشاعر التي يمر بها. وهذا النوع للأسف في غالبيته يميز مجتمعنا العربي الذي يفرض الطاعة والخضوع للاكبر سنًا وبالاخص الأهل في البيت. هذا الخضوع يكتم المراهق من التعبير عن مشاعره الحقيقية ومخاوفه مما يؤدي الى البعد عن الذات وتقييم منخفض لذاته وبالتالي يبني نمط سلوك يحفز الخضوع للأوامر مما يحدد ويعرقل الابداع والتطور والتقدم. حسب الأبحاث، اغلب المراهقين والمراهقات لأهل من هذا النمط هم في ضائقة ومشاكل في السلوك.
3. النمط "المتساهل" هنا يقوم الاهل باعطاء المراهق والمراهقة كل ما يحتاج له، دون استخدام كلمة "لا" واقل يقوموا بوضع الحدود والحزم، هذا النمط عادة يقوم به الأهل الذين يواجهون صعوبات في القيام بدورهم ووضع الحدود والحزم ويبتعدون عن الصراعات والمشاحنات، المراهقون والمراهقات من هذا النوع يميلون إلى إظهار الثقة بالنفس المزيفة، و يميلون أكثر الى استعمال المخدرات والكحول
4. النمط "المهمل" إهمال لمتطلبات واحتياجات المراهق، دون حدود ودون تقبل وحب وهذا النوع الأكثر تضررًا.
واخيرًا لبناء علاقة متينة بين الأهل والمراهق، على الأهل التواصل مع ذواتهم المراهقة، "من انا كمراهقة؟" "وما هي المعضلات والتحديات التي واجهتها والمغامرات والمخاطرات التي احببتها وقادتني الى مكان افضل وأثْرَت حقيبتي الحياتية بالعديد من الموارد والآليات؟". عند معرفة الذات نتحرر، ونقوم باحتواء وتقبل المراهقة واحترام مساره الخاص و سيرورته في سبيل النضوج وبناء هويته الخاصة. ومن ثم وضع الحدود التي يتفق عليها الطرفين من خلال المحادثة والحوار، والتطرق إلى الخطوط الحمراء.
* رزان بشارات خوري - عاملة اجتماعية وموجهة مجموعات علاجية
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com