للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
يبدو أن حرب الدمار والإبادة التي تشنها الدولة الصهيونية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، سوف تستمر لأشهر طويلة وربّما لسنوات، ولا تلوح في الأفق إمكانية وقفها. وقد عاد بنيامين نتنياهو، هذا الأسبوع، إلى التصريح بأن الحرب لن تنتهي قبل الوصول إلى «نصر مطلق» وتحقيق أهداف الحرب كاملة، وفي مقدمتها «سحق حركة حماس وتفكيك قدراتها العسكرية وتقويض حكمها وضمان ألّا تشكّل غزة مستقبلا، تهديدا على إسرائيل»، إضافة إلى إعادة المحتجزين (نتنياهو يمتنع بعناد عن استعمال تعبير إعادتهم أحياء).
على الرغم من كل ما حصل في الأشهر الأخيرة، ما زال بنيامين نتنياهو أكثر الساسة الإسرائيليين تأثيرا، وهو المصدر الأهم والحاسم في اتخاذ القرار الأمني – السياسي في إسرائيل، ومن هنا أهمية الانتباه إلى ما يقول وإلى حقيقة مقاصده ونواياه، خاصة أن الغالبية في حكومته مثله، وبعضهم أكثر تطرّفا. وحين يقف نتنياهو أمام الجمهور الإسرائيلي ويلتزم بالحسم العسكري، فهو لا يترك مجالا للتراجع. وفي لقائه مع ضباط في المدرسة العسكرية كرر موقفه بلهجة أشد: «ما أصبو إليه هو نصر مطلق. لا أقل من ذلك. لا بديل عن النصر. أسمع محللين ومختصين على الشاشات يقولون «غير ممكن» أو «لا حاجة». هذا ممكن حقا وهناك حاجة ولا خيار آخر أمامنا.. هؤلاء الوحوش سيهزمون هزيمة نكراء. لا بديل عن النصر». يجمع المحللون الإسرائيليون على أن نتنياهو معني بإطالة الحرب حتى لا تفتح عليه نار جهنّم، ويضطر للاستقالة، أو للدخول في انتخابات خاسرة. ويكرر المحللون العرب هذه المقولة، في رأيي أن نتنياهو ليس معنيا بالضرورة بحرب طويلة، وما يهمه أساسا هو حسم المعركة وتحقيق «النصر» بأسرع وقت ممكن (وليس بأطول)، وعندها سيكون على استعداد لوقف القتال والعودة الى الجمهور الإسرائيلي لكسب الثقة التي فقدها، باعتباره «محقق النصر وساحق الأعداء والقائد الذي لا يهزم»، وربما يعود الاعتقاد بأن نتنياهو يعمل على إطالة الحرب إلى أنّه يصر على مواصلتها، مهما طالت، إلى حين تحقيق الحسم والنصر فيها.
كما أنّ هناك مبالغة في تقدير تأثير اليمين الديني المتطرف برئاسة الوزيرين الفاشيين، بتسلئيل سموتريتش وزير المالية وإيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي، على قرارات نتنياهو، هما يهددان بالاستقالة وبإسقاط الحكومة في حال جرى الإعلان عن وقف الحرب، ولكن ليس هذا ما يحسم موقف نتنياهو، فهو نفسه غير معني بوقفها إلى حين تحقيق «النصر المطلق»، ولو تحقق له ذلك لما أعار استقالتهما اهتماما، لأنه يعتقد أنه سيكون حينها في موقف قوي لا يخشى الانتخابات. ولعل أكثر ما يرعبه هو أن تتوقف الحرب، لسبب ما، قبل إنجاز غاياتها المعلنة، وعندها سيحمل عبء هزيمتين، السابع من أكتوبر/تشرين الأول والحرب على غزة. وعندها ستسقط حكومته ويسقط معها هو سقوطا حرا، ويخسر السلطة وتلحقه اللعنات طول حياته وحتى بعدها، ويسطّر اسمه في التاريخ الصهيوني كقائد فاشل وجالب للكوارث.
النقاش مع نتنياهو في إسرائيل لا يتعلق بالحرب ذاتها، بل بما بعدها، وبمسألة أولوية تحرير المحتجزين.. أهداف الحرب التي يعلنها نتنياهو ليل نهار لا تختلف جوهريا عمّا يردده منافسوه من أمثال وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالنت، وعضو مجلس الحرب بيني غانتس، ورئيس المعارضة عضو الكنيست يئير لبيد، وكذلك الأمر بالنسبة لقيادة الجيش والأجهزة الأمنية، وفي مقدمتهم رئيس الأركان الجنرال هرتسي هليفي. هذا التوافق قد يتغير لاحقا تبعا للتطورات، ومنها على سبيل المثال استقالة الجنرال هليفي، التي ستكون لها تبعات أمنية وسياسية، وهناك اعتقاد بأنه سيستقيل مطلع الصيف المقبل. الغالبية في ائتلاف نتنياهو الحكومي لا تريد مثله فتح ملف ما بعد الحرب، ووزراؤه يرددون مثل الببغاوات ما يقوله رئيسها، من أن لا طائل من الحديث حول ما بعد، قبل تحقيق «النصر». ولكن في الواقع بدأت إسرائيل تنفّذ ما هو متفق عليه داخليا عندها، وشرعت في «تنظيف» المنطقة المحاذية للحدود داخل قطاع غزة لإنشاء «شريط الموت» الممتد على طول الحدود، وإذ يصل عمق هذا الشريط إلى 1-1.5 كم، فإنّه يصل الى حوالي 70 كيلومترا مربعا، ما يعني اقتطاع حوالي ربع مساحة القطاع المكتظ أصلا. وقد جاء مقتل 21 جنديا وضابطا إسرائيليا في هذا الإطار، حيث قام هؤلاء بنصب الألغام والعبوات تمهيدا لتفجير مبنى يقع على بعد 600 متر من الحدود، فاستهدفهم مقاتلان فلسطينيين بقذائف أر.بي.جي، ما أدى إلى انفجار ضخم وفتّاك أودى بحياتهم. نتنياهو هو داهية سياسي، ولكنه مصاب بالغرور، ولم يفقد صلفه بعد السابع من أكتوبر، التي صوّبت إلى لب العجرفة الإسرائيلية. هو يعتقد أنه يستطيع مواصلة الحرب لتحقيق أهدافه وأهدافها، وقادر على رسم مرحلة ما بعدها، واثقا من أنه سيتمكن من فرض شروطه على الجميع، بما فيهم دول العالم التي ستشارك في إعادة الإعمار. فهو يرى مثلا أن مصر ستقبل بالتعاون مع إسرائيل بكل ما يخص الترتيبات الأمنية على محور فيلادلفيا وحدودها مع غزة. وهو يحسب أن المملكة العربية السعودية ستقبل بشروطه بشأن إعادة إعمار غزّة، وبعد كل الذي حدث، ما زال يتصوّر أن التطبيع معها ممكن وقابل للتجسيد العملي. وفوق هذا كلّه يخطط لإنشاء تحالف عربي – دولي لإدارة غزة، وهو يظن كذلك أنه يستطيع مواصلة المناورة داخليا وخارجيا لكسب الوقت والشرعية لمواصلة حرب الدمار والإبادة في غزة، ليبني مجده فوق الجثث والخراب. ومع أن نتنياهو استطاع إدارة حرب دمار وإبادة لأشهر طويلة، من دون أن يتعرض هو وحكومته إلى ضغط جدي داخلي أو خارجي، هناك مؤشّرات بأن غروره صار يسبق ذكاؤه، وهذه وصفة للسقوط.
لقد توهّم أهالي المحتجزين الإسرائيليين في غزّة أن بمقدورهم إقناع نتنياهو بالعمل على إعادتهم، لكنهم صدموا بأن نتنياهو في عالم آخر، وهو لا يقبل حتى النطق بجملة «إعادة المحتجزين أحياءً». وفي جلسة مغلقة معهم، طرح الأهالي الاقتراح، الذي يدفع به الكثير من النخب الأمنية والسياسية والثقافية الإسرائيلية، والقاضي بوقف الحرب لعدة أشهر وإتمام صفقة تبادل سريعة لإنقاذ حياة المحتجزين، ومواصلة الحرب في مرحلة ما لاحقا، وكان جواب نتنياهو: «حماس تصر على أن يتم التبادل بعد وقف تام وشامل لإطلاق النار، وتصر كذلك على ضمانات دولية ملزمة. المشكلة ليست في المبادلة بسجناء فلسطينيين، بل بوقف الحرب تماما وهذا غير مقبول لنا».
يظهر واضحا من تحليل خطاب نتنياهو عموما، أنها حرب طويلة وسوف تمتد لأشهر وربما لسنوات، الأهداف التي وضعها، ومعه فيها المؤسسة الأمنية والسياسية، بعيدة المنال وصعبة التحقيق من جهة، ولا استعداد عنده ولا عند قيادة الجيش للاعتراف بالواقع والسعي الى مسار لوقف الحرب، خاصة أنّ الرأي السائد في إسرائيل بأن انهاء الحرب قبل «سحق حماس» هو هزيمة للجيش وللدولة، وحتى للمشروع الصهيوني، ويدور الحديث حول هذا الموضوع في الفلك الاستراتيجي وليس في عالم التكتيك.
تفضي قراءة توجّهات متخذي القرار في إسرائيل إلى الاستنتاج بأن الدولة الصهيونية مندفعة في الحرب إلى حين تصطدم بما يوقفها، وعندها ستحاول امتصاص الصدمة عبر إجراء تغييرات في شدّة الأعمال القتالية، وستكون حاجة لضغط كبير إضافي لوقفها عند حدها. لا يبدو حاليا أن التفاعلات الجوّانية تشكّل مصدرا مؤثرا للجم هستيريا الحرب، وما حدث إلى الآن كان العكس. في المقابل يعوّل الكثيرون على ضغط خارجي أمريكي، وهذا يبدو مستبعدا، وإن جاء فلا يلوح بأنه سيكون كبسة فعلية على نتنياهو وحكومته. الموقف الأمريكي قد يتغيّر إذا جرى تفعيل ضغط حقيقي على إدارة بايدن من الدول العربية والإسلامية وأنصار العدالة لفلسطين في العالم. والديناميكية السياسية المضادة للممارسات والمخططات الإجرامية الإسرائيلية تبدأ بالتوصل إلى وحدة فلسطينية في الموقف والعمل، تكون قادرة على إفشال الكثير من المآرب الإسرائيلية، وبحراك عربي جدّي ينتقل من الفرجة إلى الفعل، وبحشد ضغوط عربية ودولية على إسرائيل والولايات المتحدة، تحشرهما في الزاوية وتجبرهما على وقف حربهما القذرة على غزة وعلى الشعب الفلسطيني بأسره.