للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
فوجئت إسرائيل بقرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي إصدار مذكرتي اعتقال دولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن الأسبق يوآف غالانت، حيث اعتبرت تلك الأوامر مفاجأة من النوع الثقيل، رغم أنّ الجرائم المتداولة في المحكمة منذ أكثر من 10 أشهر تعتبر قاضية وقوية ضد إسرائيل.
وكانت دولة جنوب أفريقيا قد قدّمت دعوى الى المحكمة ضد إسرائيل تتهمها بجرائم الإبادة والقتل والتجويع في قطاع غزة، وقد أضيف إليها لاحقًا التدمير الممنهج والشامل في العاصمة اللبنانية بيروت. وقد تداولت وسائل الإعلام قبل نحو ستة أشهر أنباء حول اقتراب صدور هذه الأوامر إلا أنها تأخرت، لكن إسرائيل استمرت في عمليات القتل والتدمير والقصف هناك، دون أن تأخذ بالحسبان المواقف الدولية السلبية التي بدأت تتبلور وتتجمع ضد إسرائيل.
وكان نتنياهو قد استمر في عملياته هناك دون الأخذ بالحسبان أي حساسية أو مواقف دولية يمكن أن تؤدي الى وضع إسرائيل في الزاوية وتمنعها من الاستمرار في عمليات قتل المدنيين، وكان أكبر دليل على ذلك القرار الدولي الذي تم التصويت عليه في مجلس الأمن قبل يومين من قرار الاعتقال بإجماع 14 دولة من 15، ورفض واضح وفردي للولايات المتحدة ضد أي قرار لوقف إطلاق النار.
وكان نتنياهو يعتمد على الموقف الأمريكي الذي يؤيده بالاستمرار في الحرب، ولا يكترث بموقف 14 دولة تعارض الحرب وتعارض سياسته فيها. وهنالك إثبات آخر على أن نتنياهو لم يكترث لما يجري دوليًا ولم يتوقع هذا القرار ضده وضد وزير الأمن يوآف غالانت، ذلك أنه قام بإقالة غالانت قبل أسبوعين، فلو كان يعرف خفايا هذا القرار لما قام بإقالته، بل لكان أبقاه في منصبه بهدف التصدي لقرار الاعتقال الدولي.
ومهما يكن فإن نتنياهو وإسرائيل يواجهان مرحلة جديدة تتمثل بمزيد من العزلة وعدم التأييد الدولي من قبل عشرات الدول في العالم. كما أن هنالك 124 دولة وقعت على دستور ووثيقة هذه المحكمة والملزمة باعتقال نتنياهو وتسليمه الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، أي أن الدول التي يمكن أن يسافر إليها باتت تقتصر على الولايات المتحدة غير الموقعة على دستور المحكمة وعدد من الدول الرافضة لقرار الاعتقال والمؤيدة لإسرائيل، وهي تعدّ على الأصابع كهنغاريا وغيرها.
ويمكن القول أيضًا إن هذا القرار يعرقل الخطوات والتحركات الاستراتيجية القادمة في سياسة نتنياهو بقطاع غزة وعلى الساحة اللبنانية، بحيث إنه بات من الصعب أن يوقع الطرف الآخر، أي حزب الله وحماس، على اتفاق معه لوقف إطلاق النار، الأمر الذي سوف يؤدي الى تأجيج الصراع واستمرار الحرب الى ما لا نهاية دون أن يحاول أي طرف وضع حدّ لهذه الحرب اللعينة.
وتبقى الولايات المتحدة وإدارة ترامب الوحيدة في الساحة التي يمكن أن تؤثر على الأطراف لوقف تلك الحرب، ولكن نتنياهو في هذه الحالة الجديدة التي ظهرت، سوف يكون ضعيفًا، حيث يظهر هناك كمجرم حرب، ما يؤدي الى إضعاف الطرف الأمريكي أيضًا في هذه الحالة، فإذا كانت الخطوات المقبلة لنتنياهو واضحة ويمكن تحقيقها، كجلب السعودية للتوقيع معه على اتفاقيات إبراهيم أو جلب أبو ظبي لدعمه والخروج من ورطته، إلا أن هذه القرار سوف يؤدي الى تأخير كل ذلك ويمكن أن يصعب الوصول الى أي هدف من كل ما وضعه من أهداف نصب عينيه.
هذا ومن الممكن أن تتوحّد الخارطة الإسرائيلية حول نتنياهو، بعد أن جُرّم كمجرم حرب، ولكن لفترة قصيرة بحيث إن هذا الأمر سوف يكلف إسرائيل كثيرًا، ويمكن
أن تقوم هذه الخارطة السياسية لاحقًا بإقصائه عن الساحة السياسية وتقوم بالتضحية به كي تسترجع إسرائيل اسمها، لتكون خسارتها أقل بقليل مما فعله نتنياهو لها. وهذا ما قامت به الحلبة السياسية في صربيا مباشرة بعد خضوعها وانهيارها العسكري لحلف الناتو، حيث أقدمت على تسليم سلوبودان ميلوسيفيتش الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وهناك بدأت محاكمته وانتهى ملفه الجنائي، فيما أن حكام بورما، والتي تسمى الآن ميانمار، انطووا على أنفسهم وأغلقوا الدولة عن العالم الخارجي بعد أن فُرضت عليهم عقوبات دولية تتمثل بمحاكمة حكامها في محكمة الجنايات الدولية، حيث إن ميانمار وعلى عكس صربيا فضلت الانطواء على نفسها وعدم تسليم قيادتها، بل الاستمرار في عزل نظامها عن العالم الخارجي، وهذا ما كان.
أما إسرائيل فهي تختلف اختلافًا جذريًا عن هاتين الدولتين كونها موجودة في واقع جغرافي مختلف ومحاطة بدول عربية، غالبية سكانها من الفلسطينيين، فإنها لا تسمح لنفسها بالتنازل عن العالم الخارجي، لذا سوف تستمر في مواجهة الدول الموقعة على محكمة الجنايات الدولية، لكنها ستستنجد بالولايات المتحدة التي أبدت دعمها لنتنياهو ومعارضتها لقرار الاعتقال الدولي. ومهما يكن فإن نتنياهو وغالانت سوف يُمنعان من زيارة عشرات الدول، بل سيستكفيان بزيارة الولايات المتحدة وعدة دول أخرى غير موقعة، الأمر الذي يُحدث انزعاجًا وغضبًا في إسرائيل، فمثل رئيس الحكومة هذا، يمكن ألا يقوم بأي زيارة لأي دولة منذ الآن وصاعدًا، كونه مطلوبًا في العديد من الدول.
ويقول بعض الإعلاميين إن هناك العشرات من الضباط والمسؤولين الإسرائيليين المطلوبين أيضًا بمحكمة الجنايات الدولية، والتي فضلت بدورها عدم ذكر اسمائهم كي لا تؤثر على عملية اعتقالهم في حال خرجوا الى خارج البلاد، حيث يسود في النظام العسكري في إسرائيل الخوف والذهول من مثل هذه الأوامر التي لا تعرف مداها وخطورتها على الجيش الإسرائيلي، جنوده وضباطه، الذين يمكن أن يخرجوا من إسرائيل الى خارج البلاد.
ويمكن القول في النهاية إن هذا القرار يشكل ضربة أخلاقية قوية ضد إسرائيل، وهي تحاول اتهام محكمة الجنايات الدولية بأن قرارها هذا هو قرار لا سامي، أي أن إسرائيل ونتنياهو مستهدفان من قبل المحكمة لكونهم يهود، ولكن في واقع الأمر يتكشف ما تفعله إسرائيل على الأرض من قتل ودمار، بحيث يمكن القول إنه في النهاية لا يصدّق كيف استطاعت إسرائيل وبشكل ممنهج تدمير البنى التحتية والمدنية لمنطقة كاملة في قطاع غزة وجنوب لبنان، واعترافها أيضًا بقتل عشرات الآلاف من المدنيين.
ومقابل كل ذلك، فإن محكمة الجنايات الدولية، وعلى الرغم من الرفض الأمريكي القوي لها، وصلت في نهاية المطاف الى قرار مفاده بأن هناك من فعل كل تلك الأفعال ويستحق العقاب، مما يعزز الثقة بالعدالة الدولية وبأنه يوجد هناك أناس وقوى مخلصة تؤمن بتمرير هذه العدالة الدولية، لردع الآخرين عن محاولة ارتكاب جرائم كالتي نفذتها إسرائيل في هذه المناطق من قتل وتدمير لكافة أركان مقومات الحياة الأساسية.