الأخبار العاجلة
ساهر غزاوي
في الأسابيع الأولى من اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر 2023، التقيت بأحد نشطاء تيار سياسي لإجراء مقابلة ضمن سلسلة من اللقاءات الأكاديمية في إطار بحثي. وقد شاءت الأقدار أن يكون هذا الظرف فرصة للقاء وجهًا لوجه، وهو ما لم يكن ليحدث لولا هذه الظروف. خلال حديث جانبي خارج سياق المقابلة، حاول إيصال رسالة مفادها أنه، في ظل المتغيرات التي فرضتها الحرب، لم يبقَ أمامنا نحن فلسطينيي الداخل في أراضي الـ48 إلا الانخراط في العمل السياسي داخل الكنيست في الانتخابات القادمة، بهدف التأثير في المشهد السياسي وتحقيق مطالبنا.
كانت هذه الدعوة مشابهة لتلك التي سبقت الحرب، لكن النبرة هذه المرة جاءت أكثر قوة وجرأة، مستندةً إلى توقعاته بأن إسرائيل ستحقق أهدافها الكاملة في الحرب. وأكد الناشط أن اليوم التالي لانتهاء الحرب لن يشهد أي سلطة للمقاومة الفلسطينية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين زعم أن قادة المقاومة وافقوا على الخروج الآمن من غزة، مشيرًا إلى أن تركيا وقطر -وليس الإمارات والأردن ومصر- هما من يدفعان نحو استبدال حكم المقاومة في غزة.
جاء ردي عليه بسيطًا ومختصرًا، حيث تساءلت: "وإذا لم يحصل ذلك، ماذا سيكون؟ ولماذا يجب أن أسلم مسبقًا بصحة توقعك لليوم التالي للحرب؟" فقاطعني قائلًا: "دعك من النبوءات والتوقعات الغيبية!" رغم أنني لم أتحدث عن الغيب، بل طرحت تساؤلات حول واقعية هذا الاستشراف المبني على ثقة مفرطة، متأثرًا فيما يبدو بما يدور في الكواليس من زيارات مكوكية بين تل أبيب والإمارات.
لو كان قد اطلع على كتاب الصحفي الأمريكي الاستقصائي بوب ودورد بعنوان "الحرب"، الذي صدر في 15 أكتوبر 2024 وأحدث ضجة واسعة، وأُطلق عليه "كتاب الفضائح"، لكنا قد قلنا إنه استند إلى ما ورد فيه. إذ يكشف الكتاب عن تورط قادة عرب -على رأسهم قادة الإمارات والأردن ومصر- في دعم إسرائيل بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية. لكن الكتاب صدر لاحقًا، ما يدل على أن توقعاته كانت تستند إلى معطيات أخرى.
على كل حال فإن هذه المقالة تعكس رأيي الشخصي، وتستحضر الحوار مع هذا الناشط، الذي يمثل توجهات تياره السياسي ويعكس رؤيته الأحادية للواقع، متجاهلًا الزوايا الأخرى تحت ذريعة "الواقعية" واحتكار الحقيقة. وهذه الرؤية، في جوهرها، هي أكثر ما تتبناه الجهات الأقرب إلى السلطات والأنظمة الحاكمة على المستويات المحلية والفلسطينية والعربية.
ومن اللافت أن بعض الأطراف الفلسطينية والعربية بدأت، منذ الأسابيع الأولى للحرب، تبني سياسات قائمة على فرضية انتصار إسرائيل وهزيمة المقاومة الفلسطينية، وهو ما يتماشى مع تقارير صحفية عبرية ومصادر موثوقة لاحقة مثل كتاب "الحرب" لبوب ودورد. وفي المقابل، راهنت بعض الجهات الحزبية المحلية على مشاريع الأسرلة والانكفاء على الذات، مركزةً على المشاركة في الحكومة المقبلة في ظل توقعات بحل الكنيست وإجراء انتخابات جديدة بعد انتهاء الحرب، وهي رؤية تتسق مع ما طرحه الناشط السياسي.
وبعد 15 شهرًا من حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، جاء اليوم التالي محملًا بمآسٍ إنسانية متراكمة، أثقلت كاهل سكان القطاع. فقد أسفرت الحرب عن أكثر من 157 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود. كما تسببت بإلقاء 100 ألف طن من المتفجرات، ما أدى إلى دمار واسع للبنية التحتية، لتصبح واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
إلى جانب المأساة الإنسانية، برزت مأساة أخرى تمثلت في التخاذل الذي أبدته الأنظمة العربية الرسمية تجاه غزة وأهلها، وسط خذلان شعبي ورسمي واضح. ورغم ذلك، أثبتت غزة وأهلها أن اليوم التالي للحرب سيظل فلسطينيًا خالصًا، وأنهم وحدهم من سيحددون مصيرهم ويختارون شكل سلطتهم، بعيدًا عن أي تدخلات خارجية أو إملاءات مفروضة. كما أكدوا رفضهم القاطع لأي محاولة للهيمنة على القرار الفلسطيني من قبل القوى الإقليمية والدولية.
لقد جاءت رياح اليوم التالي بعكس ما تشتهي القوى الساعية لفرض رؤيتها، لتؤكد غزة مجددًا أنها عصية على الكسر والاحتواء.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency