الأخبار العاجلة

Loading...

إضاءة حول كتاب للرّسامة والباحثة “مريم المصري”.. جماليات الفن التشكيلي في الخطاب الأدبي

مريم المصري
نُشر: 25/01/25 14:54

هذا المقال هو في الأساس تقديم لكتاب “جماليات الفن التشكيلي في الخطاب الأدبي الشعري والسردي” من تأليف الباحثة والكاتبة والرسّامة  “مريم المصري. والكتاب يتبنّى فكرة جديدة وتجديديّة عبّر عنها الدكتور “عمر عنيق” قائلا: “محتوى الكتاب يفتح نوافذ جديدة للباحثين لإنجاز دراسات منهجية بين فنون الأدب والفنون الجميلة عامة. ويؤسس الكتاب إجراءات منهجية للمقاربة بين العلوم الإنسانية والعلوم التطبيقية (الطبيعية)..”.

يُجسِّد الفضاءُ الدّلالي للكتاب العلاقة العضوية التكاملية بين الإبداع الأدبي والفنون الأخرى. وتتفق تجليات الإبداع الإنساني عامة في البواعث النفسية الوجدانية والرؤى الفكرية، وتختلف في أدوات البناء والتشكيل والتعبير، إذ إنّ كل إبداع يبدأ بتغيُّرات نفسية وتفاعلات فسيولوجية تبحث عن طريقة للتعبير والتصوير والتجسيد لكي تنتقل الأفكار والمشاعر من الباطن (المضمر، المجرد) إلى الظاهر (المعلن، المحسوس)، فتظهر أشكال الإبداع وأطيافه موزَّعة على شعر ونثر ورسم ونحت وموسيقى وغيرها من الفنون. أما الاختلاف في الأدوات فيعود إلى قدرات المبدع وموهبته ومزاجه الثقافي، فالفكرة الواحدة تولّد قصيدة أو قصة أو لوحة تشكيلية، أو قطعة موسيقية أو مجسما منحوتا.

عطفا على ما تقدم فإنّ محتوى الكتاب يفتح نوافذ جديدة للباحثين لإنجاز دراسات منهجية بين فنون الأدب والفنون الجميلة عامة. ويؤسس الكتاب إجراءات منهجية للمقاربة بين العلوم الإنسانية والعلوم التطبيقية (الطبيعية)، ويعزز محتوى الكتاب آليات جديدة لتحليل النص الأدبي والفن التشكيلي، وتدعو موضوعات الكتاب إلى تطوير نظرية التلقي لكي يكون القارئ الناقد منتجًا للنص الأدبي أو الفني وليس مستهلكا وحسب، وتشجع منهجية الكتاب على إثراء الأصول المعرفية للمناهج النقدية المعاصرة وتطويرها.

تؤكد العلاقة التكاملية العضوية بين الأدب والفنون مقولات عدة، نحو: تضافر الفنون وتكامل المعارف ووحدة الثقافة التي لا تتجزأ، فمن السهل تحويل المادة اللغوية للقصيدة إلى لوحة تشكيلية، وكل صورة فنية في الشعر لا تتحوّل إلى لوحة تشكيلية لا تستحق أن تكون صورة فنية، وكل لوحة تشكيلية لا تتحوّل إلى قصيدة لا تستحق أن تكون فنًّا إنسانيًّا معبّرًا؛ لأن الجينات الدلالية والظلال النفسية والرؤى الفكرية للقصيدة واللوحة التشكيلة تنبع من أصل واحد وهو رغبة المبدع في التعبير والتصوير. ولا تقتصر خاصية التحويل على القصيدة بل إن الرواية أو الخطاب السردي لا يخلو من نصوص لغوية قابلة لتشكيل لوحات تشكيلية أو مقطوعات موسيقية أو مجسمات منحوتة.

يتمثل الاختلاف والتمايز والتفاوت بين الإنتاج الأدبي والفنون التشكيلية بالقدرة على التأثير والإثارة بوساطة الحمولة الثقافية؛ لأن أي إبداع إنساني ينبغي أن يكون قادرًا على إثارة المتلقّي ومضاعفة يقظته للخطاب المعرفي والمرجعيات الثقافية التي يختزلها، ولهذا نجد لوحة تشكيلية أكثر قدرة على التأثير الوجداني والفكري من ديوان شعر، وقد تحقق مقطوعة موسيقية تأثيرًا في التفكير والسلوك أكثر من تأثير كتاب مطبوع. لا أجد فرقًا جوهريًا بين الناقد الذي يكتفي بالوقوف على ضفاف الصورة الجمالية مشيدًا بفضاءاتها الجمالية، والمُشاهد للوحة تشكيلية الذي يكتفي بالمتعة البصرية لتناسق الألوان ونسق الأشكال، أو المتعة الشعورية، فاللوحة التشكيلية نص لا تنتهي أبعادها عند المتعة البصرية والشعورية؛ لأنها خطاب بصري يهدف إلى إثارة قضية إنسانية قد يختلف المتلقون لها في تفسير أبعاد القضية، ولكنهم يتّفقون أن للوحة التشكيلية هدف وقضية.

تكشف البنية العميقة لمحتوى الكتاب عن حزمة من الأسئلة؛ من المسؤول عن انقطاع الحبل السرّي بين العلوم الإنسانية (الأدب والفنون التشكيلية والتاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع وعلم النفس… إلخ) والعلوم التطبيقية (البيولوجيا والفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك… إلخ)؟ هل يعقل أن تكون العلاقة بينهما منقطعة؟ ألا تتّسم المعرفة الإنسانية بالشموليّة والتّداخل؟ أليس الفكر الإنساني صدى للفضاء الكوني المؤسَّس على تداخل الفكر والعلم؟ كيف نقبل بفصل الخطاب الثقافي والفني والأدبي عن الحقائق والنظريات العلمية؟

إذا كان هدف المعاينة النقدية للنص الأدبي أو اللوحة التشكيلية إبراز جماليات اللوحة التشكيلية والتغنّي بالصور الفنية المؤسسة على التشكيل البياني من تشبيهات واستعارات وكنايات ومجازات فإنّ الهدف منقوص، فوظيفة الناقد لا تقتصر على الكشف عن مواطن الإثارة ورسم آفاق التخيل، وإنّما الهدف ينبغي أن يمتد إلى تبيان الوظيفة الثقافية الكامنة في حنايا التصوير الجمالي، هذه الوظيفة الثقافية التي ينبغي أن تكون مؤثِّرًا ومُوجّها في تفكير المتلقّي الذي يتحوّل إلى سلوك وموقف ورؤية. ينبغي أن يتحوّل الناقد من الفضاء الجمالي إلى فضاءات ثقافية تعاين قضايا فكرية في مستوياته الاجتماعية والدينية والسياسية. ولا أعني هنا أن يتقمّص الناقد دور المعلّم والقاضي والخطيب، وإنّما أقصد أن يكون التحليل النقدي المغلف بالصور الجمالية حاملًا لخطاب التجديد والتحديث والتثوير والتفكيك والهدم والبناء.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة