الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 01 / نوفمبر 00:01

عظام الأجداد ترفض المسامحة

بقلم: جوني منصور
نُشر: 19/05/10 16:43,  حُتلن: 08:05

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

* أبرز ما جاء في المقال :

- لم تقد سلطة الآثار أو مندوبين عنها بالتحدث أو التشاور مع هيئة الأوقاف الاسلامية، أو حتى مع أهالي وأقرباء المدفونين في المقبرة

- نتوقع ردًّا مدروسًا لعملية النبش وتغيير المعالم، وطمس بعض منها، وذلك من قبل الجهات الفلسطينية والاسلامية داخل الوطن وخارجه

- بناء متحف بهذا الاسم والعنوان لهو دليل قاطع على مضي حكومة اسرائيل ومؤسساتها في تغطية مشاريعها التوسعية والابادية لثقافات أصلانية موجودة في هذا الوطن

إن التقرير الصحافي الذي كشفته صحيفة هأرتس يوم الثلاثاء الماضي حول الحفريات التي أجرتها وتجريها سلطة الآثار الاسرائيلية في مقبرة مأمن الله الاسلامية في القدس تتقزز له النفوس وتقشعر له الأبدان. فالتقرير الذي عرض عمليات الحفريات وطريقة التنقيب ونبش القبور تطرق في معظمه إلى نقطتين أساسيتين: الأولى طريقة الحفر، والثانية قضايا ميزانيات وأموال ورواتب ومصروفات بلغت الملايين من الشواقل. لكن هذا التقرير لم يرقَ إلى مستوى معالجة القضية من النواحي الدينية والإنسانية والاجتماعية، وذلك عن قصد مسبق، لكون المسألة تتعلق بسيطرة على مساحات من أرض القدس العربية والإسلامية وطمس معالمها الدينية والمدنية التي تؤكد التاريخ العربي والإسلامي للمدينة، وتنفيذ المزيد من عمليات تهويد هذه المعالم.
إن المتتبع لعمليات الحفريات والتنقيب في محيط مقبرة مأمن الله كما يستشف من التقرير ليلحظ ما يلي:
أولاً: لم تتم الحفريات وفق معايير وأنظمة سلطة الآثار الاسرائيلية أو المتفق عليه عالميًا في حالات مشابهة.
ثانيًا: نفذت عمليات الحفريات في ظل أجواء من التعتيم والتكتم التامين وعلى مدى زمني طويل.
ثالثًا: تم تحويل العمل في المقبرة إلى ثكنة عسكرية محكمة الإغلاق للعاملين فيها أو محبي الاستطلاع، وذلك بغية الحيلولة دون تسرب معلومات حول ما تقوم به طواقم الحفريات.
رابعًا: تم تشغيل ثلاث ورديات يوميًا ولمدة زمنية طويلة، أي بدون توقف، ليل نهار، في الشتاء والصيف على حد سواء، وهذا نمط غير مألوف في سلطة الآثار بالمرة.
خامسًا: إن أسلوب الحفريات والنبش ليس عاديا بل معتمدا على الأساليب الإرهابية والتخريبية.
سادسًا: تم نقل الهياكل العظمية والعظام بطريقة بعيدة كل البعد عن الاحترام وحفظ كرامة الموتى، وذلك بواسطة صناديق كرتونية، أو بأكياس نايلون، ودفنها بصورة غير لائقة ومرفوضة.
سابعًا: بين كاتب التقرير أن عددًا غير قليل من العاملين في سلطة الآثار وخاصة في حفريات مقبرة مأمن الله لم يكونوا راضين عن العمل مطلقًا. إلا أنه لم يبين معارضتهم بالمرة. معنى ذلك أنهم عبروا عن غضبهم دون أن يعملوا أي خطوة لوقف الحفريات.
ثامنًا: لم تقد سلطة الآثار أو مندوبين عنها بالتحدث أو التشاور مع هيئة الأوقاف الاسلامية، أو حتى مع أهالي وأقرباء المدفونين في المقبرة.
كل هذه الاستنتاجات تبين مدى الوحشية التي تعاملت بها سلطة الآثار وما تخفيه من وراء تعاملها هذا من سياسات حكومات اسرائيل وبلدية القدس الرامية وسط الهجمة المسعورة الحاصلة الآن، إلى إحداث تغييرات جذرية في بنية وشكل القدس، وكذلك قيامها بتهويد معالم رئيسية تعني الكثير بالنسبة لسكانها الأصلانيين.
إنما الأبشع من كل هذا، أن المشروع الذي ترعاه مؤسسة فيزنتال الصهيونية يهدف إلى بناء متحف التسامح على أرض المقبرة الإسلامية التاريخية. فأي مسامحة وتسامح ستنطق به عظام الآباء والأجداد تجاه هذه الجريمة؟ هل يعقل أن يبنى متحف التسامح على عظام من أهالي القدس العرب؟ ولنسأل بطريقة أخرى: هل يقبل أي يهودي في أي بقعة من العالم نقل قبور أجداده شبرًا واحدًا؟ لاتهموا العالم بمعاداة السامية ومحاربة اليهود لأنهم أقلية مضطهدة. الحقيقة والواقع أن هذه العملية الإرهابية في نبش قبور الأجداد في مقبرة مأمن الله ليست الأولى أو الوحيدة، ففي عدد كبير من قرانا ومدننا التي تم تهجير أهاليها تمت عمليات مسح مقابر بكاملها، وتحويل مساجد وكنائس إلى زرائب ومواخير ومعارض للتحف وصالات ومطاعم عامة. وبالرغم من أن الحركة الإسلامية وهيئات وطنية أخرى قد قدمت التماسًا إلى المحكمة العليا إلا أن القضاء الاسرائيلي لم يقف في مواجهة هذا التعدي وهذه السياسة التي تنتهجها حكومة اسرائيل الحالية والحكومات السابقة.
إن بناء متحف بهذا الاسم والعنوان لهو دليل قاطع على مضي حكومة اسرائيل ومؤسساتها في تغطية مشاريعها التوسعية والابادية لثقافات أصلانية موجودة في هذا الوطن منذ ملايين السنين، ساهمت في بناءه وتطوره وازدهاره.
إن بناء متحف التسامح على أرض مقبرة مأمن الله وبهذه الوحشية يشبه إلى حد كبير الأسلوب الذي تتبناه حكومة الولايات المتحدة الامريكية، في إبادة الهنود السكان الأصليين لأمريكا، وفي نبش قبورهم وبناء متاحف لذكرى المحرقة أو متاحف للعلوم، وكل ذلك باسم التسامح والسلام والمحبة وكرامة الانسان.
هذا المشروع، أي بناء متحف التسامح على أرض مقبرة مأمن الله في القدس، ينساق تمامًا في إطار السيطرة على المكان واستبدال السكان الأحياء وأولئك الأموات بآخرين، واستبدال ثقافة بثقافة أخرى. هذا هو جوهر المشروع الصهيوني والاسرائيلي على نهج المشروع الاستعماري الانجليزي في امريكا، بهدف تكوين شعب جديد، ومسح وإبادة الشعب الأصلاني وآثاره وموروثه الحضاري.
نتوقع ردًّا مدروسًا لعملية النبش وتغيير المعالم، وطمس بعض منها، وذلك من قبل الجهات الفلسطينية والاسلامية داخل الوطن وخارجه، وأيضًا هيئات دولية ذات صلة بقضايا كهذه، ورفض تمرير هذا المشروع دون الاعتراض الشديد عليه، واستنكار الخطوة البشعة وغير الانسانية التي تقوم بها سلطة الآثار والمؤسسة الاسرائيلية التي تقف من وراءها.

مقالات متعلقة