للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
ابراهيم صرصور:
احد يستطيع أن ينكر فظاعة الهجوم على مبنى التجارة العالمي
اسْتَدْعَيْتُ التاريخ للشهادة على الواقعتين ، فرأيت عجبا ... فالمجرمون الحقيقيون في الواقعتين الأمريكيون والإسرائيليون أصبحوا أبطال السلام ودعاة التعايش
لا أدري ما السر في احتشاد هذا الكم الهائل من الأحداث الجسيمة في شهر أيلول، والتي منها المحلي والإقليمي والعالمي... فمن أيلول الأسود في الأردن ، إلى أيلول الأسود في أمريكا ... من أيلول الأسود في لبنان ، إلى أيلول مثله في فلسطين ... أحداث مفصلية في تاريخ الأمم والشعوب، لكل منها عالمها الخاص، أسبابها ودواعيها وملابساتها، إلا أنها ترتبط مع ما سبقها ومنذ فجر التاريخ بخيط الدم المتدفق والذي لا يريد أن يتوقف، لمجرد أن الإنسان لا يريد أن يتعلم الدرس...
لذلك نرى القرون المتطاولة التي امتزج الظلم بعظامها أكثر بكثير من تلك التي مسها الحق، فاصطبغت بأنوار الحب، وتحررت من أغلال الكراهية والأحقاد... هذه هي الحقيقة المرة التي يصر الإنسان أن يسحبها وراء ظهره منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا... فماذا لو تغلب الحب على الكراهية، وماذا لو تغلب العدل على الظلم، وماذا لو تغلب السلام على الحرب، وماذا لو تغلب النماء على التخلف والفقر والمرض، وماذا لو تغلب الأمن على الخوف ؟؟!!! لماذا يصر الإنسان على أن يمضي في النفق المظلم رغم ما يحيط به من قناديل الهداية والرشاد ؟؟؟!!
أذَكِّرُ بهذه الحقيقة في شهر أحيت فيه أمريكا الذكرى السنوية لأحداث الحادي عشر من أيلول من العام 2001 ، والتي سقط فيها برجا التجارة العالمي في نيويورك ، وَدُكَّ مبنى وزارة الدفاع الأمريكية ، بينما أحيى الشعب الفلسطيني وحده إلا من القليل من شرفاء العرب والمسلمين وأحرار العالم ، الذكرى السنوية لمذبحة ( صبرا وشاتيلا ) والتي قتلت فيها المليشيات المسيحية اللبنانية والمدعومة إسرائيليا ،ما يزيد على الألفين من الفلسطينيين العزل من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال ... ذُبِحوا في مجزرة لم يشهد لها التاريخ مثيلا في بشاعتها وقسوتها ووحشيتها ...
اسْتَدْعَيْتُ التاريخ للشهادة على الواقعتين ، فرأيت عجبا ... فالمجرمون الحقيقيون في الواقعتين الأمريكيون والإسرائيليون أصبحوا أبطال السلام ودعاة التعايش ، وهم الذين انغمست أيديهم في دماء الأبرياء ، وشربوا منها حتى الثمالة ، ورقصوا على أشلاء ضحاياهم حتى الوَجْد ... قادة إسرائيل وأميركا أصبحوا مرجعيات العالم بلا منازع ، أما الضحايا من المسلمين والفلسطينيين فما زالوا في أنظار العالم أصل الداء وأُسُّ البلاء ورأس الشقاء ومصدر كل الشرور والأنواء ، وطبعا عنوان الإرهاب والتطرف والعنف الذي لا بد من حربه بلا هوادة ومواجهته بلا رحمة أو شفقة ، حتى لو أدى الأمر إلى إبادة الآلاف من الأبرياء والمدنيين ...
أحداث متشابهة، ونتائج مختلفة...
لا احد يستطيع أن ينكر فظاعة الهجوم على مبنى التجارة العالمي ، والذي راح ضحيته ما يزيد على الألفين من المدنيين الأمريكان من كل الأديان والجنسيات بما فيهم المسلمين ، ولذلك فقد استحق استنكار العالم وفي مقدمته المسلمون قيادة وشعوبا وعلماء ... كذلك حظيت المجازر في ( صبر وشاتيلا ) بنفس الاستنكار العالمي ، إلا أن أحدا لا يستطيع أن يتجاهل ( نفاق !!! ) المجتمع الدولي في تعامله مع نتائج الحادثتين ... إذا كان الحدثان بشعين وبكل المعايير ، فلماذا تحولت أحداث نيويورك إلى نقطة تحول في التاريخ الأمريكي والعالمي ، وعلامة فارقة لمرحلة جديدة استحقت أن تشن أمريكا ( وكلابها / بوديلاتها !! ) بسببها حربا عالمية ثالثة على ما أسمته ( الإرهاب ) ، ما زالت تجبي أثمانا باهظة من دماء وأرواح ومقدرات وثروات أكثر من بلد عرب وإسلامي حتى هذه اللحظة ، رغم مرور أكثر من تسع سنوات على الهجوم ، بينما دخلت مذبحة صبرا وشاتيلا عالم النسيان إلا من ذكرى باهتة في كل عام ؟؟!!...
نحن نلحظ وبما لا يدع مجالا للشك التداعيات الخطيرة لهذه الحرب الأمريكية – الأوربية – الإسرائيلية الخطيرة والظالمة ، والتي تسير بالعالم إلى هاوية سحيقة فقد معها الأمن والسلام ، وتحول معها هذا العالم إلى ساحة يصيح فيها البوم وتنعق فيها الغربان ، وتعربد فيها غرائز الأمريكان ورغبتهم الجامحة والمنفلتة في الثأر والانتقام ، وتنطلق فيها نوازع متخلفة من حب السيطرة واستعباد الآخرين ، وتصفية مبتذلة للحسابات على طريقة المافيا وقطاع الطرق ورعاة البقر في الغرب المتوحش ... يجري كل ذلك في غياب كامل لما يسمى بمؤسسات الشرعية الدولية بالرغم من انكشاف كذب الادعاءات الأمريكية – البريطانية حول أسباب ودواعي الحرب ، والتي تحولت هي أيضا إلى أداة بأيدي المستكبرين ، وسوط غليظ بأيدي الجلادين ، وغطاء للجريمة المنظمة بدل أن تكون قلعة العدالة وحامية السلام والأمن العالميين ...
حلال لهم وحرام على المسلمين...
لماذا يحق لدولة عظمى كأمريكا والتي أصبحت سيدة العالم بلا منازع ولا معارض ، أن تعيش صدمة أحداث الحادي عشر من أيلول ، وأن تخرج في حرب ضروس تقود فيه تحالفا عالميا دمويا يدمر كل شيء في طريقه ، ويُجري بحورا من الدم ، ويقضي على الحضارة والإنجازات لشعوب عربية وإسلامية ، ويهدد ما تبقى من مصداقية المنظمات الدولية ، ويستبيح كل المحرمات الإنسانية ، ويصيب في مقتل كل الحقوق الفردية والجماعية حماية لما تدعيه ( أمنها القومي !!! ) ، بينما يمر ذات العالم على مجزرة ( صبرا وشاتيلا ) والتي سقط فيها آلاف الأبرياء من المدنيين بطريقة غاية في البشاعة والوحشية ، دون أن تتحول هي أيضا إلى محرك لحرب شاملة لا تتوقف إلا بإحقاق الحق ، وسوق الجلادين الإسرائيليين من المستويين السياسي والعسكري إلى محاكم الجرائم الدولية ليلقوا جزاءهم ، جزاءا وفاقا ؟؟!!...
لماذا لم تخض الدول الراعية للحريات حربا ضروسا ضد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي ما تزال ترتكب الفظائع ضد الشعب الفلسطيني وآخرها الحرب على غزة ، والتي أسقطت الآلاف من القتلى والجرحى المدنيين وتسببت في دمار شامل وهائل ، إضافة إلى الحصار المفروض على مليون ونصف المليون فلسطيني الذين تحولت حياتهم على جحيم ؟؟!!... لماذا يتم التعامل مع أحداث الأبراج في نيويورك وضحاياها بطريقة مختلفة عن أحداث ( صبرا وشاتيلا ) والحرب على غزة وضحاياهما ؟؟!!...
لماذا يصر العالم على إعطاء إسرائيل وأمريكا الضوء الأخضر للاستمرار في عدوانهما على الشعوب العربية والإسلامية ، بل وَيُؤَمِّنُ لهما الغطاء الشرعي لتنفيذ جرائمهما ، وَتُحِلُّهُما من تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بقضايا الصراع وعلى رأسها القضية الفلسطينية ، بينما يملأ فمه ماء حينما يتعلق الأمر بحقوقنا نحن العرب والمسلمين والفلسطينيين ؟؟!!...
لا شك عندي في أن غياب العدالة الفاضح في التعامل مع المذبحتين وبنفس الدرجة من الخطورة والجدية ، يشكل واحدا من الأسباب الرئيسية لتحول شعوب بأكملها إلى خندق العداء السافر لأمريكا وسياساتها وخصوصا في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ...
لا أعتقد أن هذا العداء سيتغير ، أو أن لهيبه سينخفض ، ما لم تع أمريكا جيدا أن الطريق الوحيد لقلوب الشعوب وخصوصا المقهورة ، لن يكون إلا عبر بوابة واحدة ، بوابة العدالة ، ثم العدالة ، ثم العدالة ، والتي لن تتحقق إلا بزوال الاحتلال الإسرائيلي عن فلسطين ، والأمريكي عن العراق وأفغانستان وغيرها ، وتوقف تدخلات أمريكا في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية ، ورفع الغطاء عن نظم الاستبداد والدكتاتورية ، وإعطاء الحرية لشعوبنا في أن تختار لنفسها دون تدخل من احد ...
نور وسط الظلام الدامس ....
لقد قيل الكثير على مدى الأعوام الماضية حول الذين يمكن أن يكونوا قد نفذوا الهجمات في نيويورك، إلا أن كل النظريات التي طرحت تتقاطع في نقطة واحدة، وهي الدوافع التي تقف وراء هذه الهجمات... الملاحظ أن هنالك إجماعا في أن الدوافع لهذه الهجمات تنبع من الكراهية المتدفقة بعنف في عروق كثير من الشعوب والأمم التي اكتوت بظلم السياسيات الأمريكية ، ومحاولاتها التي لا تنقطع لفرض هيمنتها وسيطرتها بما يخدم مصالحها القومية والتي تقف إسرائيل في صلبها ، بل وتشكل الموجه الرئيسي لها والنافخة دائما في نارها ...
لقد أحس كثير من الأمريكيين بهذه الحقيقة ، فمع الألم الذي اعتصر قلوب الجميع من أمريكيين وغيرهم ، إلا أن هول الصدمة لم يمنعهم من الإشارة بشجاعة وجرأة إلى أن السياسات الأمريكية المعتمدة بدل أن تكون خادمة للعدالة في العالم ، فقد تحولت إلى حذاء غليظ تدوس به الإدارات الأمريكية كل المنظومات الأخلاقية والقيمية ، وتؤيد الاحتلال والعنف ، وتكيل في القضايا العالمية بأكثر من مكيال واحد ...
أمام هذا الواقع الذي لم يتغير حتى اللحظة ، لا أستغرب من أن توجد أطراف في العالم تنتظر الفرصة السانحة لضرب أمريكا ومصالحها في العمق مرة أخرى ، والتسبب لها بأفظع الآلام ، انتقاما للقائمة الطويلة من الجرائم التي ترتكبها في أكثر من موقع في العالم ...
على الأمريكان أن يفهموا مرة وللأبد، أن الإسلام العظيم بقدر ما يدعو إلى السلام وحسن الجوار والحوار لحل النزاعات، فإنه يربي أجيال المسلمين على رفض الظلم والظالمين، ويدعوهم إلى التمرد عليه والوقوف الشجاع في وجهه. الدين الذي يدعو أتباعه إلى الاستكانة والخضوع والاستسلام للمعتدي الظالم، لا يمكن أن يكون هو الإسلام الذي نزل على النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم... لذلك لم نستغرب قدرة المسلمين عبر حقب مختلفة من التاريخ على النهوض من تحت الركام لينزلوا الهزيمة في أعدائهم ومغتصبي أوطانهم ومقدساتهم، غير مبالين بالثمن الباهظ الذي يدفعونه في سبيل ذلك... لذلك لا بديل أمام أمريكا إلا الاعتراف بهذه الحقيقة ، والتي في اعتقادي ستنقلها إلى مرحلة جديدة يسود فيها الوفاق القائم على العدل والندية ، ويبسط فيها الأمن والاستقرار رداءه على الكون ، وتُملأ الأرض عدلا وقسطا ، بعد أن مُلأت ظلما وجورا .