الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 11:02

محمد إبراهيم كبها-عندما فقدنا دورنا.. نظرة في مسلسل العنف

كل العرب
نُشر: 26/10/10 17:50,  حُتلن: 07:37

محمد إبراهيم كبها في مقاله:

عوامل كثيرة من الممكن أن نعدّها في سياق تعداد أسباب ومسببات هذه الأحداث

لا يمكن أن نلقي كل اللوم على المؤسسات القانونية والقضائية، بحمايتنا من شرورنا قبل أن نكف ذلك نحن عن أنفسنا

المجتمع لا يثق بالقانون ومؤسساته بإحقاق حق له ودفع مكروه عنه، فما هي بنظره إلا متسترة على كل تلك الجرائم التي تضرب بنا شرقا وغربا

نكاد جميعا نتفق أن ما يمر به مجتمعنا في الداخل الفلسطيني يؤرق نومنا ويقض مضاجعنا، فلا يخفى علينا جمعيا حوادث ومسلسلات العنف التي تضرب صلب مجتمعنا ولا حاجة أن نؤكد هنا أنها باتت ظاهرة اعتيادية وخبرا مؤكدا في كل صحيفة نقرأها وفي كلّ موقع نطالعه، ولا حاجة أن نكرر هنا خطورة هذه الأحداث وتأثيرها في عمق النسيج الاجتماعي في داخلنا الفلسطيني، فقد باتت هي ظاهرة اجتماعية تستحق البحث من كافة الاختصاصيين بكافة أبعادها السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والإعلامية، فأثرها بائن وظاهر على جميع المستويات وفي كلّ الظروف.

أسباب ومسببات هذه الأحداث
فلا شكّ أن ما يجري لم يأت من فراغ وأنه وليد أمور قللنا من شأنها واستصغرنا من قدرها حتى تفاقمت وتجمعت لتولد لنا مولودا كم تمنينا لو أنه لم يأت وأن هذا الحمل قد أجهض. لكن حدث ما حدث ونحن أولاد اليوم، فلن نجبرها قبل ما تنكسر لأنها انكسرت وعلينا تدارك ما فات ووقف كرة الثلج هذه التي لن تلبث إلا وأن تزور بيوتنا جميعا. عوامل كثيرة من الممكن أن نعدّها في سياق تعداد أسباب ومسببات هذه الأحداث، لكن لا بدّ من التأكيد هنا على أننا وصلنا إلى ما وصلنا إليه بعد فقدان حالات عديدة من الرقابة القانونية والاجتماعية والدينية.

نظرة متسترة على الجرائم
أما الرقابة القانونية فممكن أن نراها من منظورين: الأول نظرة المجتمع للقانون والثاني نظرة القانون للمجتمع. فأمّا المجتمع فيكاد لا يثق بالقانون ومؤسساته بإحقاق حق له ودفع مكروه عنه، فما هي بنظره إلا متسترة على كل تلك الجرائم التي تضرب بنا شرقا وغربا، بل وبنظر البعض فإنها معنية بهذه الفوضى، وتغض الطرف عن كثير من التجاوزات القانونية، فهذا المجتمع أصبح لا يرى بتلك المؤسسات حامية له ومدافعة عنه، وإنه يفضل أن يأخذ القانون ليديه لتحقيق مطلبه وإعادة حقه المسلوب، ولا يضره إن ظلم وطغى وبغى في طريقه لتحقيق مراده فالغاية تبرر الوسيلة.

إعادة الأمور إلى نصابها
أمّا نظرة القانون للمجتمع، فهو يتعامل معه بمكيالين، الأول أن هذا المجتمع لن يتعاون معه في الكشف عن المجرمين، بل ويتستر عليهم، لئلا يُعدّ من الخونة والمفسدين في صفوف مجتمعه، والثاني، وهو الدارج غالبا، أنها تتقاعس عن الكشف عن ملابسات كلّ الجرائم وملاحقة منفذيها، عكس ما يمكن أن يكون لو حدث ذلك في الوسط اليهودي، حينها تجنّد خيرة الخبراء والمحققين والوحدات الخاصة في إعادة الأمور إلى نصابها، فلسنا كلنا أولاد تسعة.وأما حين نتحدث عن الرقابة الاجتماعية، فإننا أولا وأخيرا لا يمكن أن نلقي كل اللوم على المؤسسات القانونية والقضائية، بحمايتنا من شرورنا قبل أن نكف ذلك نحن عن أنفسنا، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وإن أحدا لم يُجبر على فعل ما فعله من جريمة قتل أو إطلاق نار أو ضرب سكين وما إلى ذلك من جرائم.

عدم توفير غطاء التستر
فحين تفقد العائلة الكبرى دورها الإيجابي في احتواء الأمور ونبذ المخالفين من أبنائها والتعامل معهم بيد من حديد وعدم توفير غطاء التستر عليهم، والنفقات القانونية والقضائية، وحملات العصبية القبلية التي أصبح لا بدّ منها في ميادين مجتمعنا، التي حلّت مكان الترّوي والتعقل، وأغفلت مكان كبير القوم، الذي باتت كلمته غير مسموعة البتة لا على الكبير ولا على الصغير، فصدق من قال "إلي ما إلو كبير ما إلو تدبير"، وكثر الطباخون وهكذا ضاعت وخربت الطبخة، وسادت الفوضى قلوبنا وعقولنا قبل بيوتنا، إلى أن نتج عندنا جيلٌ تربى على التكنولوجيا بمفهومها السلبي، العشوائي، غير المنظم وغير المنضبط بقوانين وأسس العادات والتقاليد، والشرع الحنيف، فكلّ ما نراه في التلفاز يشجع على الأساليب العنيفة وعلى دحر قيم ومبادئ التسامح والصفح والعفو والتآخي.

تجاوز كلّ الحدود القانونية
فمن نشرات الأخبار العالمية والمحلية إلى الرسوم المتحركة مرورا بالأفلام والمسلسلات الأجنبية منها والعربية، ترى الأساليب العنيفة واللاإنسانية تسيطر على العقل اللاواعي للمشاهد، وتهمش دور القانون والقضاء والجهات الرسمية بحلّ الأمور بطرق مشروعة وسلمية، معتمدين على عضلات بطل الفيلم ومغامراته في تجاوز كلّ الحدود القانونية لإعادة الحق المسلوب، لنرى المشاهد والمتابع يقف في صفّه مؤكدا ومؤيدا للدور الذي قام به. هذا عدا الإباحية التي تشيع في معسكرات فضائياتنا العربية التي انتزعت وسلبت منّا آخر قيم الكرامة والشهامة والشرف. وكلّ ذلك لم يقابله أيّ رقابة في البيوت من الآباء والأمهات ومتابعة لمضامين ومحتويات البرامج والأفلام التي تضرب صميم تربيتنا ولبّ ثقافتنا، التي أصبحت شبه فارغة بعد الذي نالها واختلط عليها من مشاهد الانحراف السلوكي والأخلاقي وما بين مشاهد الإباحية والعنف المتربعة على شاشات القنوات الخصوصية منها والحكومية.

إعادة الهيبة والاحترام للعائلة والمجتمع
فيا ترى ماذا نتوقع أن نخرج من بين كلّ تلك الأمور، وها نحن نفقد مفاتيح السيطرة التي ملكناها في وقت من الأوقات، ونرمي بكرة المسؤولية بملعب الغير، واعتدنا وبتميّز أن نحمّل الآخرين مسؤولية ما يجري لنا. فآن الأوان لأن نأخذ الأمور بأيادينا، وأن نعيد الهيبة والاحترام للعائلة والمجتمع فلا أحد يمكنه وقف العنف ولا التقليل منه ما لم يتعاون الأهل والناس مع كل المشاريع الرامية لمكافحة ومحاربة العنف، وأن نعي جيدا أن التغيير يبدأ بداخلنا وفقط إذا قررنا نحن أننا نريد التغيير، فلا يكفي أن نقف جانبا ونشجب ونستنكر، بل علينا أن نشمرّ ونقول "كفى" قولا وفعلا".

سياسة الانتقاء والاختيار
ولا حرج في رفع درجة الرقابة على كلّ ما يقابل أولادنا وأن نعتمد سياسة الانتقاء والاختيار في تربيتنا لأولادنا لتوضح عندنا الصورة في الغث من السمين، إضافة إلى مشروع مكثف في مدارسنا ومساجدنا وبيوتنا، بحلقات تربوية وتوجيهية وعملية، فمشروع الباطل بما يحمله من شرور وتبعات السائد اليوم على لغة الحوار لا يُدفع إلا بمشروع حق وخير يملأ أركان المجتمع، فلا يمكن أن نترك فراغا في حياة شبابنا، فهو مفسدة أيّ مفسدة! فإننا نأمل ذات مرّة أن نجبّرها قبل ما تنكسر وليس كالعادة "نتشاطر" بعد فوات الأوان ونقول "يا ريت".

مقالات متعلقة