الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 23 / نوفمبر 08:02

نبيل عودة يكتب: كتف سلاح لحراس الهمزة

كل العرب
نُشر: 19/04/11 17:28,  حُتلن: 14:29

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

نبيل عودة في مقاله:

أريد أن تعلموا شيئاً لا يقل أهمية عن نظريات الفلسفة، وهو جعل اللغة أداة ميسرة التعبير، وطز في النصب والرفع وجلالة الهمزة

أنا حقاً لست لغوياً ولا أعرف من نحو اللغة الا ما يلزمني في مهنتي، في تركيب جملة صحيحة واضحة بدون اشكاليات تعسر فهمها

وأتعامل مع اللغة بحس إنساني وبتطويع يبسط فهمها ويقربها للنفس البشرية في مناخنا الاجتماعي الثقافي الذي نتنفس منه ونعيش نبضه

هذا النهار سيء من أوله، أستاذ الفلسفة دخل متجهماً على غير عادته، وضع دوسيته بضربة قوية على المنضدة، وهو ينفخ أنفاسه من بين أسنانه ويبدو أن جسده دخل حقاً، لكن الطلاب لم يشعروا بوجوده الذهني الساطع الذي اعتادوه، منذ بدأوا معه الفصل الدراسي الأول. ليس صعباً الإحساس بنفسية هذا المحاضر فهو يكاد يكون لوحة تقرأ نصوصها بسهولة، ولكن وراء اللوحة عقله الذي يجرهم دوماً إلى عوالم ذهنية جديدة ، تبدو للوهلة الأولى عصية عن الفهم، وبعيدة عن قدرتهم على الاستيعاب.غير انه ما ان يبدأ بطرح أفكاره وشروحاته، وسوق نماذجه ، حتى يصبح طلابه خبراء مشاركين وليس مجرد مستمعين وناقلين.
طال صمت المحاضر مما اثار همهمات بين بعض الطلاب، تحرك مرات عدة ذهابا وايابا بهيئة تشير الى ان فكره ظل خارج القاعة او بعيدا عن جو الدرس.. تمالك نفسه بعد حين وقال بصوت هادئ: - تعالوا نواصل.

زميل وليس أستاذا
توقع الطلاب أن يفصح قليلاً عما يعتمل في نفسه، كما عودهم دوما، لدرجة باتوا يشعرون أنه زميلهم في الدراسة وليس أستاذهم فقط. ربما اليوم يفهمون جملته التي كثيرا ما رددها امامهم، بأن العلاقة بينه وبينهم يجب أن تكون "علاقة بين مفكرين، وليس بين طلاب ومحاضر، رغم أن الكلمة الفصل" ، كما يقول: "هي كلمتي في النهاية ". ويضيف بصوت منخفض: "مؤقتا فقط، وحتى بلوغكم الفكري الكامل"، كما كان يضيف دوما. ويقول: "عندها باستطاعتكم أن تتجاوزني، وهذا سيشعرني بسعادة مطلقة". بعد تمتمته لنفسه بشيء ما قال: "نواصل" ... ثم صمت. ضم قبضته بقوة، كأنه يجمع نفسه، وقال وابتسامة كبيرة تكسر التوتر الذي خلفه منذ لحظة دخوله: - أسمعوا هذه الحكاية.. نشرت مقالاً قرأناه وناقشناه سوية كما أذكر قبل نشره.

مدرس اللغة عربية
اليوم فاجأني مدرس ما للغة عربية ( لم يقل "محاضر" ، كما لاحظ الطلاب)، وسارع يقول: "لا تذكروا أسماء من فضلكم، اسمه الشخصي غير مهم، طريقة تفكيره هي المشكلة، كل ما لفت انتباهه أني أخطأت في تجليس جلالة الهمزة في مكانها الصحيح ، وأنزل على رأسي أطناناً من الكلمات التي لم أفهم منها إلا أنه ضليع يدعي المعرفة في تجليس جلالة الهمزة، وعدا ذلك ليس من شؤون حياته. قلت له يا هذا، لغتي في كتابة النصوص أفضل من لغتك، لغتي تقرأ بحماس ولغتك لا تقرأ لصعوبة ألفاظها ووعورتها.. وركاكتها الفكرية ، وسماجة تعابيرها، وخلوها من رؤية انسانية بسيطة. وأشعر حين أقرأ ما تكتب انك تكرر نفسك ولا تقول شيئا يستحق النظر.

لست لغوياً
وقلت له، ويبدو اني فقدت السيطرة على لساني، حقاً أنت مقيم في نحو عمره مئات السنين، وصار يحتاج إلى انتفاضة ثورية، تجعله أقرب للحياة ولواقع تطور اللغة، وللمناخ الثقافي الحداثي السائد، اللغة فرضت تطورا ضد التيار الذي تمثله حضرتك، ليس عن قناعة، انما هي حدود ادراكك، أعطني اصطلاحات مفيدة للفلسفة مثلا ، حتى اليوم نستعمل الاصطلاح اللاتيني، هل الهمزة أهم من تطوير اللغة؟ واندفعت أقول بشعور عارم من الاثارة ، أنا حقاً لست لغوياً ولا أعرف من نحو اللغة الا ما يلزمني في مهنتي، في تركيب جملة صحيحة واضحة بدون اشكاليات تعسر فهمها على الطلاب او القراء او المهتمين بمواضيعي.. وأتعامل مع اللغة بحس إنساني وبتطويع يبسط فهمها ويقربها للنفس البشرية في مناخنا الاجتماعي الثقافي الذي نتنفس منه ونعيش نبضه ، وليس في مناخ مضت علية قرون طويلة. فرد بعنجهية أني بذلك أشوه عقول الطلاب بلغة غير سليمة. قلت أن طلابي عقولهم تتطور مع الهمزة او بدونها، وعقول طلابك تتلبك حول قضايا لن تفيدهم في حياتهم أو حتى في عملهم بالتعليم ، وان بعض مفرداتك لم تعد صالحة للحياة المعاصرة، وهي غير مستعملة وغير مطروقة ولا فائدة من تعذيب الطلاب في حفظها واعرابها وحفظ تفاسيرها المتناقضة أحيانا..هذا هدر لوقتهم ولعقلهم، وتكريه باللغة ونقض جماليتها وسلاسة تراكيبها وسحر معانيها. ففقد أعصابه تماما وأسمعني كلمات لا تليق بزملاء في نفس المعهد، بالطبع لم أظل مديوناً، قلت له:" يا أستاذ الضاد، وعميل مخابرات سيبويه، انا امد طلابي بثقافة انسانية شاملة، بلغة توائم المناخ الثقافي السائد، بالتربية على الكرامة، بتطوير الوعي والادراك، وأنت تقول لي بشكل غير مباشر أنه مسموح أن نستخف بوعينا، ان نتنازل عن رؤيتنا الانسانية، ان نتخلى عن وطنيتنا،عن الارتباط بمجتمعنا، عن عقلنا الواعي، عن مجمل ثقافتنا الانسانية، عن ضميرنا، هذا لا تعليق عليه، أما أن نخطئ بتقعيد جلالة الهمزة في عرشها، ونبجلها بواحد وعشرين طلقة، او نتطاول قليلا على النحو، فتقيم علينا حربا تأكل الأخضر واليابس ، اذا كان هذا مستوى وعيك، وهذا اسلوبك في الاشارة لأخطاء كتابية، فأنا في حل من سماعك وحوارك ، وأصر على أخطائي ، لأني مع خطأي أظل أكثر تنورا من جلالة همزتك وسلاطين نحوك!!"

روبوتات لا تفكر
وتركت قاعة المحاضرين وهو يثرثر ورائي بشيء من الغضب!! هذه حالة يجب ان تنتبهوا لها وان تمنعوا تحويلكم إلى روبوتات لا تفكر؟ جهاز حافظ بلا وعي؟ نحن نعيش في عصر العقل، في عصر التطور، في عصر الإقلاع نحو الفضاء، وبعض الناس غارقون في الهمزة أو النصب والرفع.لا استهتر بضرورة الصياغة السليمة ، ولكن اياكم أن تستبدلوا فكركم المنطلق نحو آفاق المنطق، في جدال لغوي عقيم. الخطأ يصحح وللغة أهمية عظيمة في تيسير الفهم ونقل المعرفة، لذا عليكم اثراء عالمكم اللغوي، انه جمال غير عادي أيضا، تعلموا جعل جملكم مفهومة وكاملة المعنى وسهلة لأبسط الناس. والخطأ العابر لا يشوه المبنى اللغوي ويصحح وقت الضرورة.والويل للغة تصبح معبودة، وتفقد قدرتها ان تكون أداة تواصل بين الناس ونقل وتطوير المعرفة .
أعزائي أريد أن تعلموا شيئاً لا يقل أهمية عن نظريات الفلسفة، وهو جعل اللغة أداة ميسرة التعبير، وطز في النصب والرفع وجلالة الهمزة.
وأنفجر الصف ضاحكاُ . وفجأة تغير شكله وسطع وجوده وقال:
- الآن نعود إلى العقل!!
- العقل .. العقل .. عاش العقل.
صدر صوت قوي ، ولم يكن صعبا معرفة صاحبه.
- هل لديك اضافة يا زاهر.
- حول العقل لي ما أضيف.. نادرة تشبه قصتك مع استاذ الهمزة.. في النهاية قبض الشخص الآخر على الريح.
- احذرك.. اذا لم تكن حكايتك حسب توقعاتنا ساخصم من معدلك 10 علامات كاملة؟
- انا أقبل التحدي.على ان تضيف لي 10 علامات اذا أحسنت القص؟
- كلنا آذان.
- التقى نازي ويهودي في بار . كان اليهودي يحتسي الويسكي ، وجالسا بعيدا عن زبائن البار.عبثا حاول النازي ان يجر اليهودي الى حوار. ولكن اليهودي رسم ابتسامة على شفتية وحافظ على صمته، ولم ينجح النازي بجعله يسقط ابتسامته او يتفوه بكلمة ليكيل له الصاع صاعين. وفكر النازي كيف يستفز اليهودي.ووجدها!!

قال النازي للبارمان:
- وزع على جميع الموجودين كؤوس ويسكي على حسابي ولا تقدم كأسا لذاك الشخص. وأضف بضع مقبلات مناسبة أيضا.. بالطبع ليس لذلك الشخص.
وأشار الى اليهودي.ولكن اليهودي ظل جالسا بهدوء ويبتسم.
شكر رواد البار النازي على نخوته وكرمه وتضييفه لهم ، التفت للبارمان مرة أخرى وقال بنفس الصوت الصاخب، وزع من جديد على حسابي كؤوس ويسكي ومقبلات للجميع، ما عدا لذلك الشخص .
وأشار الى اليهودي ، ولكن اليهودي ظل هادئا يتطلع نحو الزبائن ونحو البارمان ويبتسم.. بل تزداد ابتسامته اتساعا ووضوحا. هذا الأمر لم يعجب النازي ، شعر بالنار تستعر في أعصابه. اقترب من البارمان وسأله: - قل لي، من ذاك اليهودي الذي يواصل الابتسام رغم اني أهنته بوضوح مباشر، ولم ادعوه لشرب الويسكي على حسابي؟
- اوه عزيزي، لا تقلق، انه صاحب هذا البار!!

مقالات متعلقة