الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 26 / يونيو 10:01

جميل أبو خلف يكتب من خواطره : من أنت؟

كل العرب
نُشر: 01/09/11 12:57,  حُتلن: 21:24

كان جالساً وحيداً حزيناً، يبدو عليه أثر التعب والإعياء, أثر الذل والهوان , أثر الضعف , منهك القوى لا يقدر على الحركة , هزيلاً ، كأنه جثه هامدة .عندما اقتربت منه لم أستطع أن أتمالك نفسي وأجهشت بالبكاء، رغم أنها نفس جبارة، تستطيع الصبر وكظم الغيظ وتحمل رؤية المشاهد الحزينة والمواقف الصعبة ؛ ولكن يبدو أنني أخطأت في تقييمي لنفسي , أو ربما أن هول المشهد كان أعظم بكثير من أن تقاومه نفس بشرية .

وعندما دنوت منه أكثر وأكثر، جلست أمامه ،وحاولت أن أهدئ من روعه ،من خلال ملاطفته ومسح دموعه وعندها شعر بالأمان قليلاً ، فسألته من أنت؟ وماذا يبكيك , ولماذا أنت هنا وحيد؟ ولماذا كل هذا الحزن؟. عندها أجهش بالبكاء من جديد، فتوقفت عن السؤال وتركته هنيهة حتى توقفت عبراته الساخنة المنسكبة من مآقيه وعاد اليه النفس من جديد فاقتربت منه وكررت سؤالي بهمس وهدوء : من انت ؟ فأجابني بعبارة واحدة : أنا اليتيم. عندها أصابتني الصدمة والدهشة وصمت مشدوها !! .

وبينما كنا كذلك قررت ان اتركه وحيدا لبضع دقائق وحاولت فهم كلمة يتيم ، وماذا قصد فيها، لكنني لم أوفق في ذلك وربما يعود ذلك الى كبر سنه مما جعل الالتباس امرا واقعا ... ورغم ذلك غمرني احساس باطني انه يشعرالآن بالراحة والطمانينة تجاهي ،وبشيء من الاصرار والتعلق والاهتمام أكثر فأكثر تحركت شفاهي ثانية بذات السؤال : من انت ؟ ولكي يستسهل خروج الكلمات التي تجيب على سؤالي وعدته ان اكون له الصديق الوفي والاخ العطوف وان اكون له عونا وسندا ، فأضحي من اجله بالمال والنفس، وفي ذات اللحظة التي فرغت فيها من سؤالي وكلامي انفرجت اساريره واطلق ضحكة قوية ظهرت من خلالها اسنانه واضراسه ، وبسذاجة متناهية شاركته الضحك والسرور من غير ان اعرف المسبب لذلك !! لكنني اعتبرت تلك الضحكة موافقة منه على عرضي واقتراحي بأن نصبح صديقين مخلصين الى ابد.. وانتظرت بفارغ الصبر تلك اللحظة التي فيها ينبس بالكلمات وتوقعتها ستأتي مباشرة بعد فراغي من التفكير الصامت ، وتابعت خلجاته وسكناته بكل دقة وأحسست بان لي أذنا واحدة كبيرة ستسمع بعد قليل حروفا وكلمات وجملا وعبارات لكنه تبسم من جديد ابتسامة غريبة استشعرت من خلالها الموافقة والرضا تجاه خليله الجديد! . وفعلا شعر بالطمأنينة وبدت هيبته ميزة وذات لون خاص ، فسألني قائلا : ماذا تريد أيها الغريب ؟ فعبست على الفور وأخفيت في نفسي أمارات عدم الرضا والغضب من كلمته هذه ، وفكرت عميقا ثم أجبته : كيف اكون غريبا وانا بجوارك أخ وصديق؟ فقال: إذن أنا الغريب! فقلت : معاذ الله , لم اقصد التنغيص ولا التكدير عليك فقال: هكذا أنا ، وسأظل هكذا!! فقلت: معاذ الله أن تكون كذلك ,بل انك القريب والحبيب واللبيب ؛ فقال: ولكنني لا اشعر بذلك !! فقلت : هلا أخبرتني عن ما يؤذيك ويجعلك مهموما محزونا ؟ فقال : اولئك الذين يكرهونني. فقلت مستهجنا مستغربا: يكرهونك؟! قال : نعم. فسألته : ومن الذي يجرؤ على نبذك وكراهيتك ؟فأجاب : الذي يكرهني هو من لا يستطيع رؤية جمالي فقلت : ومن يكرهك وأنت على هذا الحال من الجمال ؟ فقال : يكرهني كل من لا يرى جمالي . فقلت له : يا للعجب أيكرهك عاقل ؟ فأجاب : يكرهني العقلاء ويحبني الحكماء , فسألته : وما الفرق بين الحكيم والعاقل ؟ فقال : الحكيم هو عاقل . ولكن العقلاء ليسوا هم الحكماء !

بدأت أستجمع أفكاري وأحللها من خلال إجاباته هذه لعلي أعرف هويته ولكنني أخفقت مرة أخرى.
قلت له: يا هذا يتملكني شعور صادق بأنني جزء منك وانت جزء مني فأثلج صدري وأخبرني من انت ؟ فقال : أنا غريب , وأنت مني قريب ولكنني أكون غريبا عندما يعرفني الآخرون . فقلت : أوينكرونك ؟ قال : نعم , قلت له : ومن يكون هؤلاء؟ قال : كل الغرباء الذين عرفوني ولم يقبلوني. فسألته: وكيف السبيل لأن نجعلهم يقبلونك ويحبونك ؟ قال : هذه مسؤوليتك أن كنت بالفعل عند وعدك وعهدك بصداقتي الأبدية , فقلت له : نعم نعم , هكذا أكون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها , ولكن كيف يكون ذلك ؟ أرشدني ؟ فقال: هذه مسؤوليتك فانا لا أستطيع إقناعهم بان يحبوني عنوةًً . فقلت له : نعم أعدك أن أبذل الغالي والنفيس من اجل ذلك .
سأنطلق الآن وأشرع بتنفيذ المهمة الصعبة ..ولكن عفواً , من أنت ؟. فقال : وعلامات الحزن لا تفارق وجهه الجميل.. أنا الحق يا صديقي أنا الحق !!!
 

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.co.i

مقالات متعلقة