الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 26 / يونيو 10:01

كل عام وأنت أنا / بقلم: جميل أبو خلف

كل العرب
نُشر: 01/11/11 22:10,  حُتلن: 20:41

دخلوا عليّ صبيحة أول أيام العيد مبتهجين مسرورين وأمارات الفرح ظاهرة جلية على وجوههم، فشعرت بالاستغراب الشديد لشدة فرحهم، مما جعلني أفرح لفرحهم وأسر لسرورهم، وأغرب ما في الأمر أن بسمتهم وبشاشتهم تكاد لا تفارق وجوههم المشرقة فازدادوا جمالاً وبهاء. لقد كان فرحهم حقيقياً يخلو من كل شبهات أو زيف، سعداء حقاً وبسذاجة تامة بادلتهم البسمات وأظهرت في وجهي السرور الممزوج بالحزن والأسى.

انبهار وإعجاب
حدقت في وجوههم طويلاً ونسيت بسمتي المصطنعة من شدة انبهاري وإعجابي بهم، متسائلاً في نفسي: ماذا يريدون وعم يبحثون ؟. إنه لمشهد غريب ومحيّر، وفي نفس الوقت من أجمل ما رأت عيناي من مشاهد حلوة وجميلة، رغم أنهم مختلفون ومميزون عن الكثيرين. حاولت استعادة بسمتي المصطنعة لأظهر لهم بأنني فرح وأبادلهم نفس الشعور الصادق الظاهر على وجوههم وقد نجحت إلى حد ما في إظهار البسمات، فعلى ما يبدو أنني بدأت التأثر منهم.

تفضلوا بالجلوس..
تفضلوا بالجلوس؟ هذا ما تذكرت قوله بعد أن أنستني هيئتهم وهيبتهم وسرورهم فعله، فعندها بسط أحدهم يده وصافحني وقال:" كل عام وأنت أنا". فأجبته:" وأنت أنا!"، فقال:" وكيف أكون أنا أنت؟ فلم أجبه لأنني لم أفهم ماذا يقصد، ولأنني معتاد أن أجيب وأنت بخير! أجبته وأنت أنا إجابة تليق بما سأل، ومن شدة حيائي منه لم أتجرأ في طلبي منه في الوصول إلى الأجابة التي طالما أحببت أن أسمعها منه وعندها حدثتني نفسي بأن أتراجع ولو مؤقتاً عن سؤالي له.
تقدم إليّ آخر وكرر ما قاله صاحبه وقال:" كل عام وأنت أنا".
فأجبته:" وأنت بخير".
فقال: "وهل يظهر عليّ بأنني لست بخير؟ فوقعت بالحيرة قليلاً لأن أولهم لم يعجبه ردّي له على ما يبدو، وها هو الآخر يحيّرني فيما أجيب.
أقترب مني ثالثهم ليتمنى لي أن أكون بما هو عليه وقال:" كل عام وأنت أنا، فأصبح لدي علم مسبق بمقولتهم المشهورة فأجبته على الفور: "والجميع بخير وأنت أنا ظناً مني بأن أصيب هذه المرة ولكن سرعان ما أخفقت بالثالثة مثل ما أصابني بسابقتيها.
قال: هل الجميع حقا بخير؟ فمن أين أتيت بهذه الاستنتاجات؟ فشعرت ثانيةً بالخجل منه ولم أجبه فأخفيت في قلبي ما رغبت أن أعرفه وهو مقاصد أقوالهم التي جاءت على ألسنتهم على شكل سؤال.

مختلفون
أنهم مختلفون حقاً، مختلفون في حديثهم ومختلفون في مظهرهم ومختلفون في داخلهم، صادقون، واثقون من أي خطوه يخطونها أو تصرف يتصرفونه.
جلسنا جلسة شبه صامته لبعض الوقت وكنت أتعمد أن أقلل من الحديث واكتفيت بالنظر إليهم سّيما وأن كل حركة صغيرة تصدر عنهم وكأنها تحكي قصة طويلة فلهذا حاولت قراءة ما أستطيع قراءته من خلال متابعتي لبعض حركاتهم .
لقد زارني في بيتي الكثيرون ليقدموا التهاني بالعيد، فاستقبلتهم أحسن استقبال وان كنت افضل ان يكون اهتمامي كله مبذولا امام ضيوفي الذين طالما انتظرت لقاءهم ..

إضطراب وإطمئنان
جلسنا جميعاً وانقسم الحضور إلى فريقين دون تخطيط مسبق، ففريق مضطرب وفريق مطمئن خال من النكد والهم، وشرع الحضور يتحدثون في أمور مختلفة، كل بحسب رغبته، وقبل وصولهم تحولت الجلسة الهادئة الجميلة إلى فوضى عارمة حيث تعالت الأصوات المزعجة وضجّ المكان !! اما ضيوفي فتعرضوا إلى الأذى الشديد لأنهم جزء من المجموعة الكبيرة ودارت حرب كلامية ساخنة، بلا سبب معروف! فأصبت بالذهول والحيرة حيال هذا الموقف المحرج أمام زملاء وأصدقاء، وأعزاء وأحباء جداً، جاءوا يرفعون التهاني الى اخيهم ليكونوا أول المهنئين.
احتدم النقاش وازداد الوضع تعقيداً وبدلا من تقديم التهاني صار الناس يؤمون المنزل ايهم يدخل اولا ليفضوا النزاع ويخففوا من حدة التوتر.
لم يكترث أحد لكلامي رغم محاولاتي الحثيثة لتلطيف الأجواء المتوترة وتهدئة الخواطر ونتيجة لذلك فقد نسيت ضيوفي لهول ما رأيت، ولشدة حزني وأسفي فقد مسهم الأذى من القول والكلام، لكنهم بصمودهم وجبروتهم كانوا اقوى من تلك السهام التي نزلت عليهم .

أحمل صفاتي ...
نظرت إلى أولهم وقد أوذي ايذاء شديداً ولم يكترث لما اصابه فسألته: ما بك ؟ وهل أنت بخير؟ فأجاب: أنا بخير وعافية، سأغادر الآن وكل عام وأنت أنا.. فقلت له: عذراً لم يتسن لي الاهتمام بك وأنت ما زلت تتمنى لي بأن أكون مثلك فمن تكون؟ فأجاب : أنا الخلق الحسن فأحببت أن أحل ضيفاً عندكم فقلت له: مرحباً بك والى أين ستذهب وتتركنا فقال : هناك العديد من الزيارات سأقوم بها فآمل أن أنهيها فقلت له : بماذا تنصحني قبل مغادرتك؟ فقال : احمل صفاتي وأبلغهم أن يتقبلوني بينهم فقلت له : عرفتك وسأبلغهم رسالتك وأحمل صفاتك حتى الممات .
جاءني ضاحكاً وقد أوذي في جميع أطرافه ووجهه الجميل ولم يكترث فعجبت منه أشد العجب واعتذرت له فقال لا حاجه للاعتذار فأنا لا أحتاج إلى ذلك فقلت له : وكيف حالك أأنت بخير؟ فقال : أنا بخير وسأبقى والآن سأترك المكان فكل عام وأنت أنا فسألته : أغاضب مني ؟ فقال : لا ولماذا ستتركني؟ قال : هناك مهمات كبيره وكثيرة يجب أن أفعلها فقلت له : لا يعقل أن تغادر ولم أتعرف عليك إلى الآن وأنت تكرر كل عام وأنت أنا فمن أنت ؟ فقال : أنا التسامح فقلت له : أهلاً وسهلاً فسامحني فقال : سامحتك وسامحتهم فقلت له : هل لك من كلمه تنصحني بها ؟ فقال : كن مثلي وأبلغهم في نزع الحقد والبغضاء من قلوبهم فقلت له : سأكون كذلك الى ما شاء الله .

الضيف الأخير
أما ضيفي الثالث وهو المصاب الأخير من بينهم فنظرت إليه وكاد أن يهوي من شدة ما طاله من أذى فطلبت منه أن يستريح قليلاً كي يستطيع مواصلة المسير واللحاق برفاقه فقال : لا، سألحق بهم فقلت له : هل أنت بخير ؟ فقال : أنا بخير وسأبقى فاسمح لي بمتابعة المسير وكل عام وأنت أنا، فقلت له جزاك الله كل خير .. ومن تكون أنت وتتمنى علّي ان أكون مثلك؟ فقال : أنا الصبر فقلت له : كان ظاهراً عليك ولا زال، فبم تنصحني أن كان لا بد وستغادر؟ فقال : أنصحك في السير على طريقي وأن تكون صديقي وأن تبلغ أصحابك بأن يفرغوا قلوبهم من الغضب وأن يملأوها بالصبر فقلت له : ها أنا أتبعك فانتظرني فقال سأعود وآمل أن القاك وقد كنت أنت أنا .
دمعت عيناي وأنا في حسرة شديدة على فراقهم ولكن عندما تذكرت نصائحهم شعرت أنهم بجانبي وبعدها التقيت أحدهم فقال لي : كيف حالك ؟ فقلت له : أنا بخير وكل يوم وأنت أنا فضحك وأخبر صاحبيه وقال لهم : أصبح لنا صديق جديد . 

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.co.il
 

مقالات متعلقة