الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 26 / يونيو 10:01

التطورات التقنية والتطورات الإنسانية / بقلم: جميل أبو خلف

كل العرب
نُشر: 19/04/12 14:44,  حُتلن: 12:35

جميل ابو خلف في مقاله:

تأملات في دور القادة والمفكرين في مستقبل الشعوب

هل أجاد الإنسان ثقافة الحرب وثقافة القتل وغيرها من الثقافات التي تنهي حياة البشر الجسدية والنفسية فقط؟

لم تستطع آلة الحرب من توحيد أوروبا ولم تتوحد أوروبا على يد نابليون أو هتلر أو غيرهم برغم سقوط الملايين من القتلى

حلمت الشعوب وناضلت من أجل رفع الظلم والمعاناة ومن اجل طرد الفقر من بلادهم ولكنها ووجهت بالرفض القاطع من قبل الحكام وأصحاب القرار

كثيراً ما تصطدم آمال وطموحات وأحلام بعض المجتمعات وخاصة الفقيرة منها في صخرة الواقع المرير الذي يعيشونه فتتحطم وتصبح أشلاء، لا بل وتتناثر بفعل رياح واقعهم العاتية لتصل إلى عنان السماء بعد اختراقها لطبقة الأوزون التي تحمي البشرية من حرارة شمس عصابة مجرميها لتصبح أحلام وآمال فاسدة بفعل أشعة شمس الظالمين المحرقة.

الحلم !
لقد حلمت هذه الشعوب أن تحيى حياة استقرار، حياة آمنة، حياة رفاهية ورخاء بعيدة عن كل معاناة أسوة ببعض المجتمعات الغربية، وكانت تطمح وتحلم من أجل أحلال السلام والأمن في ربوع بلادهم كي يتمكنوا من شق طريقهم نحو حياة كريمة، عزيزة، آمنة دون خوف أو خطر قد يتعرضون له، ودون فقر مدقع يصيبهم، أو ظلم ظالم تصبح فيه حياتهم ظلمة، ضنكه.
نعم لقد حلمت الشعوب وناضلت من أجل رفع الظلم والمعاناة، ومن اجل طرد الفقر من بلادهم ولكنها ووجهت بالرفض القاطع من قبل الحكام وأصحاب القرار، لا بل وراهنوا على أن تبقى مطالبهم العادلة مجرد أحلام يتمتع بها أصحابها على الأقل لبعض الوقت ليستيقظوا على واقع مختلف كل الاختلاف عن حلمهم الجميل؛ ليستيقظوا على أزيز الرصاص، وبكاء الأطفال والنساء، والتدمير والترويع و...

التقدير
ليستيقظوا وقد أصبح الطفل الرضيع صبحه بغير أم أو أب، أو حتى بغير أبويه ، وتصبح المرأة بغير زوجها ، أو على أقل تقدير يصبح المرء وقد فقد جزء من أعضائه ليكمل حياته البائسة نصف ميت، وقد يكون البعض محظوظ ويبقى حياً بجسده ، ولكن يتهدده الخوف وعدم الأمن والجوع كل الوقت ليصبح مرشحاً لأن يضاف إلى أعداد أخرى ممن سبقوه إلى الموت.
هل أجاد الإنسان ثقافة الحرب وثقافة القتل وغيرها من الثقافات التي تنهي حياة البشر الجسدية والنفسية فقط؟. ألم يحاول هذا الإنسان أن ينمي ثقافة السلام والمحبة والأخوة بين أبناء البشر ؟.

أخطاء فادحة
هناك أخطاء فادحة يرتكبها الإنسان وهو غارق في الظلمات غير مكترث بالبحث عن نور الصواب والحقيقة ليتمكن من الخروج إلى فضاء العدل، وتضيء نجوم السلام عتمة حروبه التي صنعها وسهر الليالي من أجل قرع طبولها والتمتع بنغمات أصوات آلاتها المختلفة لتصبح لحن مألوف، وسيمفونية يتناقلها جيل بعد جيل وتصبح ثقافة معظم المجتمعات المتقدمة.
عذراً، أنا لا أدري إن يجوز لنا تسمية هذه المجتمعات بالمتقدمة ! فعلى أي حال فهي متقدمة بالفعل ، فهي متقدمة في صناعة الموت ، ومتأخرة في صناعة الحياة ، فهي متقدمة في تخريب العالم وجعل فضائه مسرحاً لسباق آلات الدمار من صواريخ وطائرات وأقمار اصطناعية وغيرها ، وأرضه مرتعاً للغزاة والظالمين وإبادة الفقراء والمساكين ودفنهم فيها .

صناعة الكراهية
حقاً أنها متقدمة في صناعة الكراهية والحقد لدى شعوب الأرض عن طريق زرع الفتن المختلفة لتنمى وتكبر ويضاعف إنتاجها وتعم جميع مناطق المعمورة.
حقاً أنها متقدمة تقنياً حتى وصل بعضها إلى الفضاء وأكتشف الكواكب وزرع به آلاف الأقمار الاصطناعية لكنه فشل في زرع المحبة في قلوب الناس، وزرع الحياة التي أعطيت للإنسان من الله محاولةً انتزاع حقه في الحياة.
لم يفكر هؤلاء الساسة والحكام وغيرهم من المثقفين والمفكرين في صناعة السلام ، ولم يفكروا في زرع المحبة والطمأنينة في قلوب الناس ، ولم يظهر مشروع السلام والحديث عنه إلا على ألسنتهم ، ولكنه لم يدخل إلى قلوبهم ليقنعوا به أنفسهم كما اقتنعوا بالحرب ، ولم يحاولوا التثقف بثقافة السلام لأنهم أصلاً أعلنوا الحرب عليه منذ زمن بعيد .
إن الأموال التي تنفق من أجل تطوير وشراء الأسلحة وآلات الحرب الثقيلة لقتل الناس كافية أن تنهي حالة الفقر في بعض المجتمعات الفقيرة ، وكافية لمحو الجهل ، ومحو الكراهية والبغضاء من قلوب الكثيرين .

جهود مالية وعقلية وفكرية
إن الجهود المالية والعقلية والفكرية التي بذلت من جانب الخبراء وأصحاب القرار لم تتوقف في أي لحظة ، فقد بذلوا الغالي والنفيس من أجل الوصول إلى أعلى درجات التقدم والتطور عن طريق الأبحاث العلمية ، ولم يألوا جهداً في تحقيق هذه الغاية من أجل تحديث الأسلحة ، وتصميم أحدث آلات القتل والدمار في الوقت الذي لم يكن هناك مشروع واحد جدَي خصص له المال اليسير والجهد القليل على يد هؤلاء الساسة والمفكرين والخبراء في سبيل الوصول إلى التسوية وتحقيق السلام.
لقد اهتم هؤلاء "المبدعون" في التطور التقني وإعداد كل ما يلزم له ورصد الميزانيات الضخمة من أجل إنجاحه وتفعيله، ولكن لم يكترث هؤلاء إلى تطوير الجانب الإنساني للإنسان ، وقتل الجانب الشيطاني فيه ، وإحياء روح المحبة والمودة في قلبه من أجل النهوض به إلى أعلى مراتب التقدم الحقيقي ، ومن أجل إحلال السلام ليصبح يتنفس السلام وتكون ثقافته ثقافة السلام فحسب.

قتل وتدمير
إن آلات القتل والتدمير التي امتلكها الإنسان قادرة وبكل بساطة أن تؤدي بالجنس البشري بالانقراض ؛ هذا ما استطاع الإنسان تقديمه لأخيه الإنسان (حروب وقتل وفقر ومعاناة) ، ووضع إلى جانب أسلحته الفتاكة بعض القوانين التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، لا بل وضعها من أجل تبرير جرائمه بحق البشرية ، ومن أجل التغطية في كثير من الحالات على هذا الدمار الذي يطال البشر والحجر .
لقد اخترع هذا الإنسان كل الأسلحة المدمرة بتقنيات تفوق الخيال ولكنه لم يتوصل إلى اختراع واحد من أجل السلام ؛ ولم يبادر إلى اختراع وسائل حديثة على شكل سلاح معنوي ليستطيع تفكيك هذا السلاح المدمَر والذي يهدد ملايين البشر إذا أستعمل (كما أستعمل في الماضي ضد اليابان – هيروشيما وناكازاكي) .
المطلوب من الإنسان بذل جميع الجهود والمحاولات من أجل تغيير نمط حياته الذي هو عليه الآن ، وهذا التغيير يحتاج إلى قليل من الوقت وكثير من الوعي ، وهذا التغيير لا يحصل إلا عندما يعلم ويوقن الإنسان حقيقة نفسه كانسان ، وحقيقة هويته الإنسانية ، عندها قد نستبشر خيراً ونرى التغيير الحقيقي من حالة الحرب إلى حالة السلام الدائم والشامل على كل الأرض.

طريق الوعي
إن المضي في طريق الوعي وترشيد العقول إلى ثقافة السلام ومحو ثقافة الحرب من الذاكرة الجماعية هي الطريقة الأنجع والأسلوب الأمثل من أجل الوصول إلى الحياة الآمنة ، حياة الاستقرار وحياة الرفاهية الجماعية والتي هي من حق الجميع .
لم تستطع آلة الحرب من توحيد أوروبا ، ولم تتوحد أوروبا على يد نابليون أو هتلر أو غيرهم برغم سقوط الملايين من القتلى؛ إن الذي وحَد أوروبا هو تثقيف شعوبها بثقافة السلام ، ونتيجة وعي شعوبها ونضوجها الفكري ، وإيمانها بالإنسان كانسان وله حق الحياة ، ومن ثم نضوج فكر القادة والحكام . إن كان التاريخ سيشهد فلا بد أن يقول بأن المجتمعات الأوروبية نجحت في تحقيق السلام نتيجة لوعي واقتناع الشعوب بالسلام ومن ثم الحكام . وسيلعن التاريخ القادة الحربيين وزعماء الحروب ويقول كلمته بأنهم فشلوا في توحيدها .
قد يتحقق حلم السلام ويصبح حقيقة عندما يجعل كل فرد من نفسه قائد كتيبة ويجيد استعمال السلاح الفتاك (سلاح الفكر الناضج والسليم ، سلاح المحبة ، سلاح التسامح والأخوة، ...) في ميادين القتال ، وهذا يعتمد على إيمان المثقفين والمفكرين والمسئولين بمشروع السلام ونشره في صفوف شعوبهم ومجتمعاتهم .
 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة