الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 26 / يونيو 10:01

الحرية الحقيقية مفهومها وحدودها/بقلم:جميل أبو خلف

كل العرب
نُشر: 18/05/12 08:14,  حُتلن: 14:04

جميل ابو خلف في مقاله:

نستطيع أن نعدد ما لا نهاية من الحريات التي يمكن للانسان أن يتمتع بها

يظن "الأحرار" هؤلاء أن تصرفاتهم وسلوكياتهم مشروعة اذ ينطلقون من باب أن الحرية لا حدود لها

يحق لك أن تختار مكان بيتك وتصميمه وتختار أيضاً شكله الخارجي ولكنك تكون مقّيّدا في بنائه بموجب قوانين البناء المتعارف عليها

من السلوكيات أو الظواهر والمظاهر التي يسير حسبها الشباب ويحتكمون اليها لممارسة "الحرية" التخلي عن العادات والتقاليد الحسنة التي ورثوها عن الآباء والأجداد والأسلاف

للحرية طعم حلو  بل يكون أحلى من العسل اذا فهمنا المعنى الحقيقي لها وطبقناه على أنفسنا  وأخذنا بعين الاعتبار أن للآخرين حرية كذلك تماما مثلنا ولهم أن يأخذوا بها او يمارسوها

يظن بعض الناس أن الحرية تعني الوصول الى الهدف المنشود وقتما يشاؤون وكيفما يشاؤون ومتى يشاؤون، دون الاكتراث الى مشاعر الآخرين وظروفهم ، ولا يراعون بذلك عظم السوء الذي قد ينجم عن ذلك متسببين للغير بالضرر والجهل ،والمس بالمشاعر دون رقيب أو حسيب!! ويظن "الأحرار" هؤلاء ايضا أن تصرفاتهم وسلوكياتهم مشروعة، اذ ينطلقون من باب أن الحرية لا حدود لها !! ولا يستعجل القارىء ويفهم من مقدمتي هذه انني اقصد نوعا محددا من انواع الحريات التي يبحث الناس عنها كحرية الشعوب مثلا او ما يشبهها، بل انني ارمي الى مفهوم الحرية الذي يتعامل به الناس في مجتمعنا ، وهو ان يفعل الفرد ما يروق له دون حدود أو حواجز فيجعل من هذا المصطلح وجهة وقبلة له بل وتصبح دَيدَنَـهُ في الحياة !! اعتقد جازما أن هذا وهما كبيرا وتفكيرا خاطئا يجب تقويمه وتصويبه.. اخي ، الباحث عن الحرية ، قد تكون حراً في قيادة سيارتك فتنتقل الى أي مكان تريد ، ولكنك تكون مقيّدا بقوانين السير ، وإشارات المرور والضوابط السلوكية والتعليمات التي ترغم على السير حسبها ، لتحافظ على سلامتك وسلامة الآخرين .

حدود الحرية
ويحق لك أن تختار مكان بيتك وتصميمه، وتختار أيضاً شكله الخارجي ، ولكنك تكون مقّيّدا في بنائه بموجب قوانين البناء المتعارف عليها .. ونستطيع أن نعدد ما لا نهاية من الحريات التي يمكن للانسان أن يتمتع بها ..وعليه ،فانني اعتقد أن للحرية حدودا ولا مطلق لها ، فلا بد أن تخلو الحرية الحقيقية من الانانية وحب الذات فنتقبل الاخر رغم اختلافنا معه ونتحاور معه بالحسنى ونضربه بالحجة والبرهان وهو سلوك البشر الذين يرقون الى معنى الحضارة والمدنية المبنية على مبدأ " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه " ، ولا بد من ذكر الأصغاء كخلق رفيع ينجم عن الحوار البناء الكريم فنسمع ونسمع ونصغي ويصغى الينا ، وان الذي يحب الذات وينتصر للنفس يكون بعيدا عن الحرية الحقيقية ، فلا يرضى الانسان بالهزيمة والخسران، فنفسه الامارة بالسوء تحثه وتحضه أن يبحث عن طرق عنيفة كالتجريح والاهانات والقاء التهم المختلفة على الطرف الآخر نازعا منه الشرعية والحق في ان يفوز او يتفوق على "خصمه" وهو سلوك صعب وقاس ينطلق منه من يظن ان الحقيقة هي ميدانه وحده وهي هي ملكه الذي لا يمس !!فلا يُبارَى ولا يُجَارى.. إن مثلَ هذا الانسان كمثل من يرى ذاته فقط في مجلس يغُصُّ بالناس ويزدحم بالبشر... هذا النوع من الناس لا يحق له ان يتعامل مع الحرية الحقيقية على انها احتكار له وحده وانه يصيب ولا يخطئ ابدا ، ولسوء الحظ فاننا قد نلاحظ هذا الخلق الذميم لدى شريحة واسعة من ابناء مجتمعنا وخصوصا الشباب الذين لا يقيمون للكبار ولا للعقلاء ولا للحكماء بيننا وزنا ومنزلة ، فيعيثون فسادا على فساد ولا يصغون او يفقهون من ينصح او يوجه او يرشد ، انني ارى في هذا الاحتكار المقيت لمعنى الحرية الواسع ، احتقارا واستكبارا وظلما وجحيما..

حرية مزيفة
ومن السلوكيات أو الظواهر والمظاهر التي يسير حسبها الشباب ويحتكمون اليها لممارسة "الحرية" ،التخلي عن العادات والتقاليد الحسنة التي ورثوها عن الآباء والأجداد ، والأسلاف وعدم التقيّد بتوجيهاتهم وارشاداتهم وارائهم السديدة ، ويجعلون من العنف سبيلا لتحقيق الغاية او الحرية التي يسعون من اجلها "فيقول احدهم : انا حرّ واريد أن افعل ما أشاء وكيفما اشاء ووقتما اشاء ولا حق لكم ان تتدخلوا في حياتي الشخصية !؟" وكل ذلك تحت اسم الحرية . تكون الحرية حقيقية وغير مزيّفة ، عندما يتحرر الشباب والمجتمع بأكمله من المفاهيم الخاطئة واستبدالها بالفهم الصحيح للأمور والقضايا ،ويعلمون ويعون أن الحرية الحقيقية هي الانضباط والابتعاد عن حب الذات ، والتحرر من الجهل والتخلف والعصبية . إن إطلاق العنان للشباب ليفعلوا ما يشاءون تحت اسم الحرية يؤدي بالضرورة إلى الفوضى والعنف ، ويؤدي إلى الوقوع في مستنقعات الرذائل والفساد .

طعم الحرية
للحرية طعم حلو ، بل يكون أحلى من العسل ،اذا فهمنا المعنى الحقيقي لها وطبقناه على أنفسنا ، وأخذنا بعين الاعتبار أن للآخرين حرية كذلك تماما مثلنا ولهم أن يأخذوا بها او يمارسوها .. فالحرية هي الانضباط في التفكير والعمل والسلوكيات، وليست الهوى أو الشهوة أو الاعتداء على الغير ، وسلب الحياة منهم لنعيش نحن وفق مبدأ " الغاية تبرر الوسيلة" الحرية لا تعني الانسلاخ عن القيم والأخلاق، وفقدان الحياء، والتنازل عن الأدب العام والاحترام، والتجرد من الكرامة والشرف، وفك العلاقات والأواصر الاجتماعية !! ان الحرية الحقيقية في رأينا ، هي التمسك بكل ذلك جملة وتفصيلا بعيدا عن الاعتداء على الحريات ، والمس بالمشاعر ؛ وبعيدا جدا عن هوى النفس والمصالح الضيقة والمآرب غير المشروعة...

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة