الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 26 / يونيو 10:01

الكذب قبيح وأسود/ بقلم: جميل أبو خلف (كفركنا)

كل العرب
نُشر: 29/05/12 12:44,  حُتلن: 08:59

جميل أبو خلف في مقاله:

لا شيء أصعب ولا اقسى من فقدان الضمير وهلاك الذمة ولا نجد اظلم من ضياع الإنسان في ذات الإنسان

الكذب بلا شك يدل على ضعف الشخصية وانحراف النفس عن جادة الصواب فيكون ذليلا ووضيعا وعنصر شر وبذرة سوء تعيش بيننا

القرآن الكريم والسنة المشرفة تطرقا الى مخاطر هذه المعضلة اللعينة لأن أبعادها وآثارها على الفرد والجماعة لا حدود لها ولا اطر

الكذب ظاهرة اجتماعية متفشية وضاربة جذورها في أعماق أعماق المجتمع فلا نبرح مجلسا أو مقاما حتى نسمع المتحدثين يلهجون بالكذب ويزيفون الحقائق

كثيرة هي الآفات الاجتماعية التي ضربت وتضرب صميم المجتمعات الإنسانية ولا سيما المجتمع العربي. الكذب خلق ذميم ،لعين ، وقبيح يسري في عروق الإنسان وينخر في جسده وروحه حتى يُذهِب عنه الحياء فيهلك ويتلاشى أخلاقيا وقيميا ، ويمقته الناس ويكرهونه ويجتنبونه أيما اجتناب فبعدا للكاذبين وسحقا لهم !!!

حياتنا الاجتماعية
أخي القارئ ، أخي الإنسان !! لا شيء أصعب ولا اقسى من فقدان الضمير وهلاك الذمة ، ولا نجد اظلم من ضياع الإنسان في ذات الإنسان !! الكذب ظاهرة اجتماعية متفشية وضاربة جذورها في أعماق أعماق المجتمع ، فلا نبرح مجلسا أو مقاما حتى نسمع المتحدثين يلهجون بالكذب ويزيفون الحقائق ، لنشرها بين الناس ولافتعال الفتنة والحفاظ على المصالح وخوفا من الآخر!!
إننا ببالغ الأسف نلمس ذلك في حياتنا الاجتماعية وعلاقاتنا مع بعضنا ، فالتاجر يكذب والمستهلك يكذب ، والرجل والمرأة والبنت والولد ،والكبير والصغير وصاحب العمل ، ومدير المؤسسة ، ورئيس المعهد ، وزعيم القبيلة ،وكل واحد بطريقته وأساليبه وممارساته فتراه بكل جرأة يحسّن القبيح ، ويقبّح الحسن وعدد ما شئت من الشخصيات الخاصة والعامة على حد سواء ، حتى دور العبادة ضربها الكذب ونال منها جميعهم يلجأون الى الكذب لتحقيق المآرب وبلوغ الأهداف .. وهو بلا شك يدل على ضعف الشخصية ، وانحراف النفس عن جادة الصواب فيكون ذليلا ووضيعا وعنصر شر وبذرة سوء تعيش بيننا وتنخر كما ينخر السوس في الخشب ، فلا دين ولا تقوى ولا ذمة عنده وفي ذلك قول الباري جلّ وعزّ في مقامه وجبروته " ألا لعنة الله على الكاذبين ".

الصفة الذميمة
لقد حذرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من هذه الصفة الذميمة حيث قال : "إياكم والكذب فإن الكذب يهدي الى الفجور وأن الفجور يهدي الى النار ، وأن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا" . فالقرآن الكريم والسنة المشرفة تطرقا الى مخاطر هذه المعضلة اللعينة لأن أبعادها وآثارها على الفرد والجماعة لا حدود لها ولا اطر ، فالمتحدث في المجالس وإن كان مازحا غرق في الإثم وأصابه الوزر ، وكرهه الناس .. فلا يجوز في الدين ولا في العرف أن يكذب الإنسان في أمر من الأمور لئلا يخسر هيبته ويقل حياؤه... لقد علمنا رسولنا الأكرم أن المزاح لا يكون إلا صادقا ، كما كان يفعل هو مع الناس فمازح امرأة عجوزا ذات مرة ، وقال لها : لا تدخل الجنة عجوز! فبكت بكاء مرا وندبت حظها ، وفي الوقت ذاته أنها لم تدرك ماذا قصد النبي بهذه المقولة ، وظلت تبكي حتى شرح لها النبي مراده وغرضه من الكلام مشيرا الى أن أهل الجنة يدخلون الجنة وهم في ريعان الشباب .


فيا ترى لماذا كان التحذير من هذا المرض؟ ولماذا لا يجوز لنا أن نكذب؟
الجواب : لأنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس ، ويوقع الكراهية والضغينة بينهم ، وقد تؤدي الكذبة في حالات كثيرة الى حد القتل وسفك الدماء ،والعياذ بالله تعالى..  والكذب درجات ومستويات أخطرها الكذب على الله تعالى ، حيث يحلل ما حرم الله ، أو يحرم ما أحل الله والخ.. قال تعالى ناهيا وواصفا من يكذب بالظلم الشديد ، حيث قال : "ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب أو كذب بآياته انه لا يفلح الظالمون" . فمن أشد واخطر أنواع الكذب على الله أن يقحم الإنسان نفسه بفتوى أو حكم شرعي وينسبه الى الله والشارع الحكيم !! تعالى الله عما يفترون .وما قيل عن القرآن الكريم ، يقال عن السنة المطهرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ان كذباً عليّ ليس ككذب على أحد، من كذب عليّ معتمداً فليتبوأ مقعده من النار" حذار من التكلم على لسان النبي بغير علم وبغير حق . ومن الأمثلة الشائعة في عاداتنا ما يسمى على لسان الناس ب "كذبة أول نيسان" فكم من إنسان ظلموه وأخافوه وأرعبوه بوفاة قريب له مثلا او تعرضه الى حادث مؤسف ومصيبة كبيرة كحرق بيته او سرقة منزله وغير ذلك من الأعمال المشينة البغيضة ! ومن أنواع الكذب أيضا التملق لأصحاب المناصب والأثرياء ، فنرى من يتزلف لأصحاب الجاه والمناصب وأصحاب المال الكثير ويمدحهم ، وينسب لهم صفات لا يستحقونها ولم تكن فيهم أصلاً ، فالشعراء والمدّاحون لا يتورعون عن الكذب ولا ينقطعون عنه فهو صلب حديثهم وكلامهم " والشعراء يتبعهم الغاوون، الم تر أنهم في كل واد يهيمون وانهم يقولون ما لا يفعلون ". ومن الكذب أيضا هو التحدث مع الأطفال الصغار وتعليمهم هذه الخلق الذميم ونحن لا نشعر بذلك ابدا ، معتقدين أنهم ما زالوا صغارا ولا يفقهون شيئا !! لا يا إخوتي ، إنهم يفهمون كل شيء ويسجلون في ذاكرتهم كل ما تفعل أو تقول ويقلدون آباءهم وأمهاتهم في كل حركة أو سكنة من سكناتهم .. ان ذلك يا أعزائي إهمال في التربية والتوجيه حيث ينشأ الولد على ذلك وقد تعلم الكذب من أمه وأبيه .الم تقرأوا قول الشاعر :

وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه !
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلاً فَقَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا فَقَالَ لا" . ومعناه أن المؤمن لا يكون كذابا يريد أنه لا يغلب عليه الكذب حتى لا يكاد يصدق هذا ليس من أخلاق المؤمنين ، وأما قوله في المؤمن أنه يكون جبانا وبخيلا فهذا يدل على أن البخل والجبن قد يوجدان في المؤمن وهما خلقان مذمومان قد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما. إن كانت جهة ما تستحق اللوم والمحاسبة فهي فئة الخاصة ، التي ينبغي أن تكون أول الصادقين لأنها في نظر العامة فئة مثالية ؛ فلماذا نربي أولادنا على الكذب !! ونلقي باللوم عليهم ، ونشكو كذبهم ، ونطلب منهم التخلص من هذه الآفة الخطيرة بعد تجذرها وتأصلها في نفوسهم.

الكذب قبيح وأسود
إن الكذب كله قبيح وأسود وليس هناك كذب ابيض كما يقال ، فهذه الألوان كلها من صنع الإنسان ، ويحرّمها الرحمن ، وحذرنا منها النبي العدنان. ومما يثير الدهشة والعجب والغرابة والأسف أن الصدق في هذا الزمان أصبح كالكنز المدفون أو المفقود الذي يبحث عنه صاحبه في أعماق الأرض فلا يجده ، أو قل أن البحث عن الصادقين يشبه البحث عن إبرة في كومة قش كبيرة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله فما أقل الصادقين في معاملاتهم وعلاقاتهم ووعودهم ! . ما أحوجنا إلى قول الصدق وتحري الصدق ، فالصدق هو نور ، والصدق هو ثقة ، وهو نجاة ، وهو الكنز العظيم والرصيد الوافر الذي يصل بنا الى طريق الخير والمحبة والى الجنة ؛ فإياك إياك والكذب عزيزي القارئ لأن الكذب الأخ التوأم للنفاق فآية المنافق ثلاث " إذا حدث كذب وإذا أوعد أخلف وإذا اؤتمن خان " فهل ترضى عزيزي القارئ أن تكون منافقاً أو كذابا ً؟؟ .

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net
 

مقالات متعلقة